كتب علي الحسيني في صحيفة “المسستقبل”:
يبقى الغرق في المستنقع السوري، الهاجس الأكبر الذي يُسيطر على “حزب الله” وقيادته في المرحلة الراهنة والذي بدأ ينعكس بشكل سلبي في نفوس مقاتليه بعدما اصبح الموت صفة يومية تلازمهم في حياتهم على الجبهات الغريبة خصوصاً بعدما انتقلت غرفة عمليات قتلهم من إمرة “الأعداء” إلى يد الحلفاء.
ضربة موجعة جديدة، كان تلقاها “حزب الله” مطلع الاسبوع الحالي في “غوطة دمشق” قضت على مجموعة من عناصره في وقت كانت تتحضر فيه للإلتفاف على مواقع تابعة لـ”جيش الإسلام” الذي يرأسه زهران علوش. الخبر قد يبدو من الناحية العسكرية أمراً عاديًّا جداً خصوصاً في حرب ضروس أصبحت فيها كل العناوين والإحتمالات واردة، لكن المستغرب أن تقضي مجموعة الحزب بأكملها بعد تعرضها لغارة جوية نفذها الطيران الحربي الروسي، قيل لاحقاً إنها حصلت عن طريق الخطأ، والمفارقة أنه لم يصدر توضيح من إعلام “حزب الله” أو إعتذار رسمي روسي بشأن الحادثة التي لم يهضمها بعد جمهور الحزب لغاية اللحظة.
رغم محاولة “حزب الله” التعتيم على الحادثة وعدم التطرق لها عبر وسائل اعلامه، إلا ان فترة أقل من اسبوع كانت كافية لتعميمها والتداول بها في اكثر من وسيلة اعلامية تحدثت جميعها عن إصابة الطيران الروسي عن طريق الخطأ، سبعة عناصر من الحزب كانوا فوجئوا بتحليق هذه الطائرات فوق مواقعهم من دون سابق إنذار ولا حتّى بالتنسيق مع حلفائهم على الأرض مثل جيش النظام و”الحرس الثوري الإيراني”، مع العلم أن هذا الحلف، تجمعه غرفة عمليات عسكرية موحدة في دمشق.
عناصر “حزب الله” الذين تعرّضوا لإصابات بـ”نيران صديقة” والذين يُقدّر عددهم بأكثر من عشرة، كان تم نقلهم جميعاً إلى داخل لبنان نظراً لإصاباتهم الحرجة بعدما تعذّرت عملية معالجتهم في الداخل السوري. وهنا تؤكد مصادر ذات اطلاع واسع على طبيعة مشاركة الحزب في هذه الحرب وانعكاساتها العسكرية والسياسية بالإضافة إلى خسائرها البشرية والمعنوية، أن قيادة الحزب وفور تلقيها خبر استحالة معالجة العناصر الجرحى في سوريا، أمرت بإحضارهم إلى لبنان وتحديداً إلى مستشفى كان استأجره الحزب منذ فترة وجيزة ضمن منطقة تقع عند حدود دويلته في الضاحية الجنوبية بعد عاصفة من التساؤلات والإنتقادات كانت خرجت من داخل بيئته حول عمليات نقل الجرحى والقتلى بشكل متكرر من سوريا إلى مستشفيات الجنوب والبقاع والضاحية.
المصادر نفسها تؤكد أن سبعة عناصر من أصل ثمانية وصلوا الى المسشتفى المذكور، ما لبثوا أن فارقوا الحياة بعد وصولهم بساعات قليلة نظراً لإصابتهم الحرجة، وأن أمن الحزب قام قبل ساعات من وصول سيارات الإسعاف التابعة لـ”الهيئة الصحية الإسلامية” من سوريا، بإغلاق جميع المنافذ المؤدية إلى المكان مع إنتشار أمني كثيف في المحيط”. ومن المعروف أن قيادة الحزب كانت أقدمت على خطوة إستئجار هذا المستشفى الخاص، بعد الفضيحة المدوية التي أثارها العميل صادق حريري المعروف بـ”السيد صادق” من خلال تسريبه معلومات مفصلة حول بيانات وأسماء وأعداد قتلى وجرحى الحزب الذين كانت تتم معالجتهم في مستشفى “الرسول الأعظم” بالإضافة إلى تقديمه تقريراً مُفصّلاً عن صحة السيد حسن نصرالله.
المؤكد أن عملية إستهداف عناصر من “حزب الله” داخل سوريا عن طريق الخطأ من خلال الطيران الروسي، لم تكن المرّة الأولى إذ سبق أن تعرضت عناصر اخرى لمضايقات وأحياناً لتصفيات على يد ضباط من جيش الأسد تم وضعها ضمن “النيران الصديقة” وكان آخرها ما حصل أثناء اقتحام “القلمون”، يومها سُرّبت معلومات عن استهداف عناصر النظام سيارة عسكرية تابعة لـ”حزب الله” كان في داخلها إعلامي سقط هو أيضاً بنيران “الأصدقاء” أنفسهم. كما وقعت قبلها بفترة زمنية قصيرة، حادثة مماثلة داخل منطقة “السيدة زينب” أدت إلى مقتل عنصر من الحزب على يد ضابط من النظام بعد مشادة كلامية على احد الحواجز المؤدية إلى المنطقة.
كل هذه الأخطاء القاتلة تعود لسبب واحد هو غياب التنسيق الميداني بين “الحلفاء”، إذ لا توجد لهؤلاء نظرة أو رؤية موحّدة لكل ما يدور على الأرض، فلكل جهة مشروعها الخاص تريد أن تُطبقه بحسب رؤيتها وحساباتها الخاصة. ولهذا تغيب إنتصارات هذا الحلف وتكثر هزائمه، وهو الذي لم يلاقِ حتّى اليوم مخرجاً مُشرّفاً لهزيمة “الغوطتين” و”حمص” و”حلب” و”إدلب” ومؤخراً “الزبداني” التي أجبرت الحزب والنظام على استبدال مستشفاياتهما في “العاصمتين” بأخرى أكثر سريّة هرباً من المُساءلات والتساؤلات.