Site icon IMLebanon

الكشك في الجرود الشمالية.. مربحٌ وشهي

Kishek
بشير مصطفى

ما إن يطرق فصل الشتاء الأبواب، حتى تتحضّر السيدات في جرود الشمال لإعداد “المونة” والتباري في صنع أطيب كشك. فالأخير أصبح جزءاً من التراث لم تتمكن المدنية من طمسه.
وما زال رائجاً حتى يومنا هذا تصنيع الكشك في المنازل، على مدى ما لا يقل عن عشرة أيام. عملية تصنيع الكشك عبارة عن رحلة ذات محطات كثيرة، تبدأ فيها السيدات بوضع البرغل (القمح المجروش) أو القمح “الكامل”، في وعاء كبير ويسكب فوقه الحليب لخلطه. وبحسب فاطمة دياب، إحدى السيدات اللواتي يحضّرن الكشك، فإن “كل كيلوغرام من البرغل، يحتاج الى “سطل حليب وسطل لبن”، وفي اليوم الأول يسكب الحليب ويخلط المزيج، وفي اليوم التالي يضاف اللبن، وعندما “يشرب” البرغل السوائل توضع اللبنة البلدية المصنوعة منزلياً. وتوضح دياب أنه “كلما وجدنا البرغل يميل إلى الجفاف، نضيف إليه اللبنة”. ويستبدل بعض الناس البرغل بالقمح، بعد تنقيته من الشوائب. فيغسلونه و”يشمّسونه” حتى يجف، ومن ثم يُطحن تمهيداً لنقعه بالحليب واللبن. وبما أن أذواق الناس مختلفة، فالبعض يستخدم لبن الماعز أو الغنم والبعض الأخر اللبن البقري. كما تتحكم السيدات بالمقادير فكلما إزدادت كمية الألبان إزدادات دسامته وإشتدت نكهته.

ينقع الكشك في وعاء لمدة تتراوح بين 5 و7 أيام، وهذه الفترة ضرورية لأنها تؤثر في نكهة الكشك، فكلّما طالت الفترة، زادت نكهة الحموضة، وفق ما تقوله دياب. والكشك المنزلي “مدلل” كما تصفه دياب، لأن كمية اللبن فيه مضاعفة، وهذا ما يميّزه عن الكشك التجاري الذي يقتصد صانعوه في إستعمال الألبان. وتوضح دياب أن “السيدة تضع لكل كيلوغرام من البرغل، في الكشك المنزلي، ما لا يقل عن سطل لبن، ولكن في الكشك التجاري قد يوضع سطل لكل ثلاثة كيلوغرامات من البرغل، كما أن اللبنة البلدية لا تدخل في صنعه”.
في مرحلة ما بعد خلط البرغل او القمح بالحليب واللبن، يتحول الكشك الى ما يشبه العجين، وحينها، تقوم السيدات بفرش سطح المنزل بشراشف بيضاء، ومن ثم توزع كرات الكشك عليها تحت الشمس، وتترك على هذه الحالة لأيام عديدة. والشمس ضرورية جداً في صنع الكشك، ولذلك فإن الطقس المتقلب الذي نشهده حالياً، أثر كثيراً على عمل السيدات، فبعضهن ما زال ينتظر انحساراً متواصلاً للمطر، فـ”إذا لم يُعرض الكشك للشمس سيخترب”.

عندما يبدأ الكشك بالجفاف، يتم “فرطه”، أي تفتيت الكتل المتجمدة منه، ويترك تحت الشمس ليجف بالكامل إستعداداً لطحنه. وتشير دياب إلى أن “النساء كنّ يطحنّ الكشك يدوياً ولكن بدأت بعض النسوة مؤخراً بإرسال الكشك إلى المطاحن”.
بعد الإنتهاء من فركه وطحنه، “يُنخل” الكشك إستعداداً لتخزينه، والكشك يمكن أن يخزّن لسنوات عدة من دون أن يفسد، وطول الفترة يعتمد بحسب دياب على طريقة التجفيف، فكلما جف الكشك أكثر، زادت قدرته على احتمال التخزين.
لتحضير الكشك ايضاً ارتباط بدورة إقتصادية إجتماعية، فهو ليس عملاً فردياً يلبي رغبة خاصة فقط، بل عملا جماعيا، وله مردود ليس ببسيط. فالتحضير يحتاج الى جهد كبير. وتقول دياب انها تتعاون مع 4 سيدات في الحي، يتشاركن في تحضير “مونة” كل واحدة منهن. وتُسهم هذه العملية في تأمين مداخيل للسيدات في تلك المناطق الريفية، وتلعب العلاقات الاجتماعية والتواصل مع الجيران دوراً مهمّاً في تصريف الانتاج، وبالاضافة الى “المعارف” والأصدقاء، تعتبر محلات العطارة في طرابلس، مستهلكاً اساسياً لكشك سيدات قرى الضنية وعكار. اما الأسعار، فتتراوح وفق ما تذكره دياب، بين 25 و40 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد، وهي ترتفع وتنخفض بحسب جودة الكشك والجهد المبذول في تحضيره، كما يختلف بين الكشك المطحون يدوياً، وذلك المطحون في المطاحن، فالأول ثمنه أعلى.

ولبلاد الاغتراب حصة في تصريف الكشك الشمالي، فالمغتربون يحرصون على وضع الكشك ضمن قائمة الحاجيات التي سيشحنوها معهم. وفي هذا السياق، تقول هبة ابراهيم، إحدى المغتربات، ان عائلتها تشتري الكشك من إحدى سيدات المناطق الجبلية، “لأنها تتقن عملها وتحافظ على نظافة الكشك، كما ان رائحة الكشك لديها رائعة وشهية”. وتعتبر ابراهيم ان الكشك طبق اساسي على المائدة الشتوية، ولا يمكن الإستغناء عنه لأنه “طبق لذيذ ويعطي الدفء والطاقة للجسد”، شارحة للطرق المختلفة في إعداده، إذ “يمكن تحضيره مع البصل المقلى، أو الثوم اليابس ويضاف إليه الخبر أثناء الطهي، أو يمكن تحضير منقوشة الكشك”.