تؤكد معلومات رسمية إيجابية، استمرار نمو احتياطات الأردن من العملات الأجنبية، التي ارتفعت قيمتها بنسبه 7.3 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، إلى 15.11 بليون دولار بزيادة 1.04 بليون دولار. هذه الاحتياطات التي تُعتبر مقياساً للملاءة المالية التي يتمتع بها اقتصاد الأردن، تغطي حاجة المملكة من المستوردات السلعية والخدمية لفترة تتجاوز سبعة أشهر، وهذه المدة من فترات التغطية المتفوقة والمطمئنة وفق المعايير الدولية.
وفي المعلومات نفسها ما يؤكد حصول انعكاسات إيجابية على ميزان المدفوعات واحتياطات العملات الأجنبية، بفضل انخفاض فاتورة المملكة من الطاقة بنسبة 48 في المئة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام، بعد الانخفاض الكبير في الأسعار العالمية للنفط. وهبط العجز التجاري بنسبة 15 في المئة.
معلوم أن الدولار يمثل أكبر اقتصاد في العالم، ويؤدي دور عملة الاحتياط العالمية، إذ تحتفظ المصارف المركزية في معظم دول العالم باحتياطات كبيرة بالدولار لتلبية احتياجات بلدانها من السلع والخدمات المستوردة، كما يشكل الدولار ثلثي احتياطات النقد الأجنبي في العالم، و80 في المئة من مبادلات أسعار الصرف الأجنبية، و50 في المئة من صادرات العالم من السلع الأولية بما فيها النفط، إذ تسعر دول «أوبك» كلها نفطها بالدولار.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد مضي 20 سنة تقريباً على ربط سعر صرف الدينار الأردني بالدولار، هو: هل تحقق الهدف من هذا الربط؟ يتطلب الأمر مراجعة وتقويماً من لجنة متخصصة ومحايدة محلية – دولية كل 10 سنوات، باعتبار أن معدل سعر صرف الدينار الأردني مقابل العملات الأخرى مهم على مستوى الاقتصاد الكلي، نظراً إلى تنوع الآثار الإيجابية والسلبية التي تترتب على رفعه أو خفضه على صعيد تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، والاحتفاظ بالدينار كعملة ادخار واستثمار، وتدفق الواردات والصادرات.
ولوحظ، مثلاً، أن انخفاض سعر صرف الجنيه المصري بنسبه 38 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، أطاح عدداً من محافظي المصرف المركزي المصري، وساهم في تراجع الثقة بالجنيه كعملة ادخار واستثمار، وأدى إلى ارتفاع كبير في مستويات التضخم والأسعار وتكلفة المعيشة وزيادة نسبة الفقراء. أما ربط الدينار بالدولار، فكان له تأثيره الواضح في الإنتاج والدخل والتشغيل والطلب على الأصول المالية، وفي مقدمها الأسهم والسندات والصكوك، والطلب على الأصول الحقيقية، وفي مقدمها الأراضي والمنتجات العقارية، ما يعني أن تأثيراته عميقة في الاقتصاد الأردني وتنافسيته وقدرته على تعبئة الموارد.
ولا شك في أن ربط سعر صرف الدينار بالدولار كان له دور مهم في تدفّق مدخرات المغتربين الأردنيين العاملين في دول الخليج واستثماراتهم، إضافة إلى تدفق أموال الأردنيين العاملين في الدول المرتبطة عملاتها بالدولار، ناهيك عن تأثيراته الإيجابية في تدفق استثمارات الخليجين، سواء المباشرة على قطاعات الاقتصاد الحقيقي أو غير المباشرة وتحديداً على سوق عمّان المالية، نتيجة غياب أخطار سعر الصرف.
ويجمع عدد كبير من الاقتصاديين الأردنيين على أن ارتباط سعر صرف الدينار بالدولار أصبح من الرموز الأساسية للاستقرار النقدي، والحفاظ على معدل تضخم معتدل، وزيادة تنافسية الصادرات، وتعزيز قيمة الاحتياطات الأجنبية. وتشدّد منظمات ومؤسسات اقتصادية ومالية دولية، وفي مقدمها صندوق النقد الدولي، على عدم وجود انحراف في سعر الصرف الحقيقي للدينار عن سعر الصرف التوازني، ما يؤكد أن نظام سعر الصرف الحالي الذي مضى على تطبيقه نحو 20 سنة، يتوافق مع أساسيات الاقتصاد الأردني ويساهم في دعم النمو الاقتصادي من خلال تعزيز أساسيات الاستقرار المالي والنقدي.
لكن فريقاً آخر يرى أن خفض سعر صرف الدينار قد يساهم في تعزيز تنافسية الصادرات الأردنية، إذ يخفض أسعارها كما يرفع أسعار الواردات، ما يقلّص الطلب عليها ويعزز التحوّل إلى المنتجات الأردنية بما يساهم في تشجيع الصناعة المحلية وخفض العجز في الميزان التجاري. لكن الفريق الأول يردّ بأن خفض سعر صرف الدينار لن يكون له تأثير يذكر في تنافسية صادرات الأردن الاستراتيجية التي تمثل نسبة مهمة من الإجمالي، وفي مقدمها الفوسفات والبوتاس باعتبارهما مسعَّرين عالمياً بالدولار، فيما سيساهم الانخفاض في ارتفاع مستوى التضخم المستورد بما يزيد نسبة الفقر في المجتمع، وسيرفع أسعار المواد الخام المستوردة بما يرفع كلفة الصناعات التي تعتمد على هذه المواد فيقلص تنافسيتها. وسيؤدي التخفيض إلى ارتفاع قيمة ديون الأردن الخارجية المسعّر معظمها بالدولار.
أما ارتفاع سعر الدولار مقابل العملات الرئيسة الأخرى خلال الفترة الماضية ومعه ارتفاع سعر صرف الدينار، فسيؤدي، وفق الفريق الأول، إلى انخفاض قيمة التزامات المملكة من العملات الأجنبية وارتفاع قيمة استثماراتها وانخفاض أسعار السلع المستوردة من دول تتعامل بعملات أخرى، وفي مقدمها اليورو، كما سيؤدي أيضاً إلى خفض تكاليف العلاج والدراسة والسياحة في الخارج، بينما تزيد قيمة احتياطات المصرف المركزي وموجودات المصارف التجارية. ويبدو أن رأي الفريق الأول هو الأكثر منطقية، إذ أثبتت تجربة 20 سنة طغيان المنافع المترتبة على ربط سعر الدينار بالدولار على أي أضرار محتملة.