Site icon IMLebanon

صدمة النفط تزج بدول الخليج في مفترق صعب

SaudiOil
قلق يجتاح دول الخليج بسبب تدهور أسعار النفط. في هذه الأثناء تصبح الإصلاحات الاقتصادية العميقة أكثر إلحاحا. تُرى هل تنجح هذه الدول بهذه الإصلاحات التي يرتبط نجاحها بإقامة نظم ديمقراطية تقوم على التعددية السياسية؟

الإمارات تقرر إلغاء الدعم عن المحروقات والكويت تلغيه عن الديزل وفيول الطائرات. في السعودية تدرس الحكومة رفع أسعار المحروقات بعد قيامها بسحب عشرات المليارات من الاحتياطات وبيع سندات بعدة مليارات أخرى. في هذه الدول ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، قطر والبحرين وسلطنة عُمان يتم أيضا اتخاذ إجراءات تقشفية وتأجيل الكثير من المشروعات أو تباطؤ تنفيذها. مثل هذه الخطوات التي تتسارع في هذه الدول تشكل على ما يبدو بداية لاعتماد سياسات اقتصادية جديدة تهدف إلى سد العجز المتزايد في الموازنات الحكومية بسبب تدهور أسعار النفط إلى أكثر من 60 بالمائة منذ صيف العام الماضي 2014.

قلق على أعلى المستويات

يثير هذا التدهور قلقا متزايدا في دول الخليج التي تعتمد جميعها ولو بنسب مختلفة على النفط والغاز في تمويل إيرادات موازناتها. ووصل هذا القلق إلى حد دفع أمير الكويت الشيخ صباح مؤخرا وعلى غير العادة إلى المطالبة باتخاذ “إجراءات جادة وعاجلة لاستكمال جهود الإصلاح الاقتصادي الرامية إلى تنويع مصادر الدخل التي ما تزال تعتمد على العائدات النفطية”. وتشكل عائدات النفط والغاز أكثر من 90 بالمائة من مجمل عائدات الكويت والسعودية وقطر. أما في الإمارات (باستثناء إمارة دبي) وسلطنة عُمان والبحرين فما يزال النفط يشكل القسم الأكبر من هذه العائدات رغم النجاح الجزئي في تنويع الإيرادات الحكومية اعتمادا على العقارات والخدمات المالية والسياحة وبعض الصناعات التحويلية.

السعودية أكبر المتأثرين

بدوره يطالب صندوق النقد الدولي دول الخليج بإصلاحات ضرورية للتأقلم مع الواقع الجديد. ويأتي في مقدمة الإصلاحات المطلوبة تخفيض الإنفاق العام وتنويع مصادر الدخل حسب ما ذكره مسعود أحمد، مدير منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق. ويرى أحمد في تصريح لوكالة فرانس برس أن دول مجلس التعاون الخليجي تواجه عجزا بحوالي 1000 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة إذا بقيت أسعار النفط دون 50 دولارا للبرميل الواحد. وإذا كانت الكويت والإمارات قادرة على سد العجز لسنوات طويلة عن طريق السحب من احتياطاتها المالية الضخمة، فإن هذه الاحتياطات معرضة للنضوب في السعودية خلال خمس سنوات إذا استمر الوضع على ما هو عليه حاليا. ويعود السبب في ذلك إلى حجم الأعباء التي تتحملها الأخيرة بسبب عدد سكانها البالغ نحو 30 مليون نسمة والذي يزيد على عدد سكان كل دول المجلس الأخرى أي الإمارات والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عُمان والذي يقل عن 20 مليون نسمة مجتمعة.
كما أن الرياض تقود حرب “التحالف العربي” في اليمن وتمول عددا كبيرا من الحركات السياسية والتنظيمات العسكرية في الشرق الأوسط وأفريقيا، إضافة إلى دعم مالي سنوي بالمليارات لحكومات حليفة لها كما هو عليه الحال في مصر والأردن والمغرب وباكستان. الجدير بالذكر أن الاحتياطات المالية السعودية تراجعت من 750 إلى 670 مليار دولار منذ بداية العام الحالي. وتقدر احتياطات الكويت بأكثر من 600 مليار دولار في حين تزيد الاحتياطات الإماراتية على 750 مليار دولار.

الحل ليس في سحب الاحتياطات

يعول الكثير من المحليين والخبراء الخليجيين أمثال الإماراتي نايل فالح الجوابرة على الاحتياطات المالية لتمويل العجز في الموازنات الحكومية. ففي لقاء مع DWعربية يرى بأن الاحتياطات المالية إلى جانب رفع أسعار بعض السلع الأساسية ستمكن دول الخليج من النجاح في سد عجز موازناتها. غير أن تجارب الاقتصاديات الناجحة كما هو عليه الحال في دولة نفطية كالنرويج وكوريا الجنوبية تؤكد على أنه ليس من الحكمة سحب الاحتياطات المتراكمة لتمويل العجز، بل على خلق مصادر جديدة ومستدامة للدخل من خلال التأسيس لإطلاق قطاعات إنتاجية وخدمية جديدة تلبي حاجة السوق المحلية وتؤدي إلى تنويع الصادرات. كما أنه ليس من الحكمة بمكان صرف الاحتياطات المالية الإستراتيجية على تمويل عجز الموازنات الحكومية في دول الخليج، لأن ذلك يؤدي إلى استنزافها بسرعة وإلى إضعاف القدرات المالية لهذه الدول مما يصعب حصولها على القروض والتسهيلات المالية لاحقا، لاسيما وأنه ليس لديها موارد هامة أخرى من خارج قطاع النفط ومشتقاته. كما أن هذه الاحتياطات ليست قادرة على سد العجز لفترة طويلة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أسعار النفط لن تعود إلى التحسن في المدى المنظور لأسباب عدة أبرزها الزيادة المستمرة في الإنتاج والعرض النفطيين في الأسواق العالمية، لاسيما مع عودة إيران والعراق بقوة إلى سوق النفط العالمية.

ما الحل؟

إذا كانت التجربة تقتضي التحذير من صرف الاحتياطات المالية على سد العجز في الموازنات، فإن الحل يبقى مرهونا باعتماد سياسات وإصلاحات اقتصادية ليبرالية وراديكالية كان من المفترض أن تبدأ منذ ثمانيات القرن الماضي عندما انهارت أسعار النفط يومها ثم عادت للارتفاع مجددا. وفي هذا الإطار فإن الإصلاحات المطلوبة ينبغي أن تبدأ باتخاذ خطوات تقشفية يتم بموجبها تأجيل أو إلغاء مشاريع رفاهية عامة لا تراعي الكفاءة ولا تأتي بقيمة مضافة للاقتصاد الوطني. وفي البداية أيضا لابد من رفع أسعار المحروقات والسلع الأخرى التي تدعمها الحكومة. ومن أجل تجنب احتجاجات اجتماعية على رفع الدعم يمكن إقامة شبكة أمان اجتماعية تحمي أصحاب الدخل المحدود من الوقوع في مصيدة الفقر والعجز عن توفير متطلبات الحياة اليومية.

وفي المرحلة التالية لا بد من اعتماد نظم ضريبية على الدخول والأرباح التي تشكل لاحقا المصدر الأساسي للموازنة. كما ينبغي تشجيع القطاع الخاص وبشكل خاص مشاريعه الناشئة من خلال تسهيلات في مجالات التأهيل والقروض والضرائب والاستشارة. وإذا كان لابد من سحب جزء من الاحتياطات المالية، فإن هذا السحب يجب يكون مقتصرا على تمويل مشاريع البنية التحتية والتعليمية التي تساعد على تحسين كفاءة القطاع الخاص وإدارات الدولة. غير أن نجاح أية إصلاحات اقتصادية في دول ذات أنظمة قمعية مطلقة مرهون بإصلاحات سياسية مواكبة تقوم على التعددية الحزبية وعلى حرية التعبير وسيادة القوانين. وفيما عدا ذلك فإن أية إصلاحات اقتصادية ستصل إلى طريق مسدود كما حصل للإصلاحات التي اعتمدتها تونس ومصر خلال العقود الثلاثة الماضية. وهو الأمر الذي يؤكد عليه الخبيران الاقتصاديان الألمانيان ديتر فايس وأولريش فورتسل في كتابهما “التحولات الاقتصادية والسياسية إلى اقتصاد السوق الحر- مثال مصر”.