IMLebanon

لبنان تحت وطأة كوارث السياسة الإقتصادية

BanqueLibanReserves
مما لا شك فيه أن الإنقسام السياسي ضرب الحركة الاقتصادية في لبنان، وطال كل القطاعات الإنتاجية من زراعة وصناعة وخدمات. وكان للمالية العامة حصتها من هذا الإنقسام عبر العجز المتراكم، كما أن القطاع المصرفي والمؤسسة العسكرية تأثرا بشكل جدّي بهذا الإنقسام.
من المتوقع أن يكون النمو الاقتصادي هذا العام بحدود الصفر بالمئة، وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى سياسة التعطيل التي تطال السلطتين التنفيذية والتشرعية. ووصل هذا الإنقسام إلى حد ضرب الماكينة الإنتاجية، فالسياحة تضررت بحكم التوتر الأمني الذي عصف بلبنان خلال الصيف، ومع بدء التدخل الروسي في سوريا، كما ومقاطعة الخليجيين. وزاد ملف النفايات الطين بلّة، إذ تمّ فقدان أي أمل بموسم سياحي في ظل تكدّس مئات آلاف الأطنان من النفايات في الشوارع. أما القطاع الزراعي، فقد تلقّى ضربة كبيرة مع توقف التصدير البرّي عبر معبر نصيب وبالتالي أصبح التصدير البحري هو المُعتمد. لكن التأخر في إعتماد التصدير البحري نتيجة الإنقسام السياسي، أدّى إلى تكدّس الإنتاج وبالتالي تكبد المزارعون خسائر فادحة. وعلى الصعيد الصناعي، إستطاع هذا القطاع الإستمرار، ولو بوتيرة بطيئة، مُستفيداً إلى حدّ معين من إنخفاض أسعار النفط العالمية. خدماتياً، تراجعت الخدمات في لبنان بشكل كبير. فقد قلّ تزويد السوق اللبناني بالكهرباء بسبب تآكل الماكينات التي أصبحت تحتاج بشكل كبير إلى صيانة وحتى تبديل.
وكنتيجة لهذا الواقع تراجع الإستثمار والإستهلاك في آن واحد مع إنخفاض الإستثمارات الداخلية بنسبة 23.8% والإستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 20% على الأشهر التسعة الأولى من هذا العام مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. أما في ما يخص الإستهلاك، فقد تراجعت بنسبة 15% مقارنة بمطلع هذا العام. وعلى الصعيد المالي، تراجعت مداخيل الدولة بنسبة 8% في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وفي ظل محافظة الإنفاق العام على مستواه، زاد العجز في الموازنة 13.1% في الأشهر الستة الأولى من هذا العام ليصبح العجز 1800 مليون دولار أميركي في الفصل الأول من العام 2015. أي أنه وبأحسن الأحوال، سيتجاوز العجز هذا العام عتبة الـ 6000 مليار ليرة لبنانية (10% من الناتج المحلّي الإجمالي).
وكنتيجة مُطلقة لكل هذه العوامل، خفضت وكالات التصنيف الإئتماني نظرتها المُستقبلية للبنان من مُستقر إلى سلبي. وهذا يعني أن تخفيض التصنيف الإئتماني للبنان أصبح +CCC بدل -B لتدخل بذلك سندات الخزينة اللبنانية نادي سندات المضاربة (Junk Bond). وهذا يعني أن القطاع المصرفي سيتضرر نتيجة التخفيض التلقائي لتصنيفه، من ناحية رفع كلفة الإستدانة عليه، ومن ناحية الحاجة إلى إعادة رسملة المصارف اللبنانية لتمتثل بذلك لمعايير بازل 3 من ناحية الملاءة وحماية العملاء. وكردة فعل على هذا الأمر، ستعمد المصارف إلى زيادة الفائدة لدعم ربحيتها التي ستتراجع نتيجة التخفيض. وهذا يعني أن الإستثمارات في لبنان ستهبط بنسب كبيرة وستتزعزع الليرة التي ستتعرض للبيع بنسبة كبيرة، ما يعني أن الثبات النقدي سيهتزّ وسُيجبر مصرف لبنان على التدخل لحماية الليرة فاقداً بذلك قسماً كبيراً من إحتياطه من العملات الأجنبية. وتبقى المخاوف الأساسية تدور حول عمليات سحب للودائع بوتيرة عالية في حال دبّ الذعر في الأسواق.
نعم أدّت سياسة التعطيل الحكومي إلى كل هذه النتائج السلبية مدعومة بنسبة عالية من الفساد وصلت إلى حدّ ضرب المؤسسة العسكرية، والتي إستطاعت بلحمتها تخطي “القطوع” الخطير الذي تعرضت له في مسألة التعيينات. لكن الأمر لم يتوقف هنا، بل ذهب إلى حدّ التوقف عن دفع الأجور مع تهديد بعدم دفع شهر تشرين الثاني وكانون الأول.
إن صغر حجم الاقتصاد اللبناني يجعله عرضة للأزمات السياسية والأمنية. وهذا الأمر ينتج عنه تآكل سريع في إحتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية. وهذا ما يُمكن قراءته من تصريح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن التداعيات المالية الخطيرة التي ستنتج عن إستمرار التعطيل في العمل الحكومي والنيابي، خصوصاً أن سلامة بحاجة إلى إقرار مشاريع قوانين تتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، تحت طائلة تعرض القطاع المصرفي اللبناني إلى عقوبات قد تكون كارثية عليه وقد تؤدي إلى سحب سريع للودائع منه.
هذا الواقع إذا ما حصل سيكون بداية للإفلاس المالي للبنان، في وقت يزداد عدد النازحين السوريين بوتيرة عالية مع تصاعد العمليات العسكرية الروسية في سوريا، ومع إستمرار التعطيل في ظل وضع إجتماعي صعب جداً. من هنا يتبين أن شبك الإقتصاد بالسياسة وإستخدام الأخيرة لتعطيل القرارات الاقتصادية والمالية، هو عمل غير أخلاقي بحق لبنان واللبنانيين، لأن من سيدفع الفاتورة المالية هو اللبناني، عبر زيادة دينه العام.
من هنا نرى عدم وجود عقلانية في التعاطي السياسي مع الأزمة الاقتصادية والمالية. وأبعد من ذلك، يُمكن القول أن التعاطي السياسي مع الملفات الاجتماعية قد يكون بداية لثورة إجتماعية، يمكن أن تطيح بالنظام السياسي الحالي خصوصاً إذا ما أقدم رئيس الحكومة على تقديم إستقالته، ليُصبح بذلك لبنان في حال لا دستورية.