أكثر من ترليون دولار هي حصيلة خسائر مؤسسات أميركا ومصارفها وبنتاغونها بسبب “الهاكرز” أو القراصنة الإلكترونيين. وكاد هؤلاء أن يتسببوا بحرب باردة بين أميركا والصين على شبكة الإنترنت بعد ان تحوّل الهاكر الصيني الى ألد أعداء واشنطن. فالهجمات الالكترونية من رجل اعمال صيني يدعى “سو بين”، يقيم في كندا، أصابت وزارة الدفاع الأميركية بالصميم، فقد اخترق شبكات العديد من هيئات وشركات الدفاع، ليس في أميركا وحسب، بل في أوروبا ايضا، ومنها “شركة بوينغ”، في الفترة الممتدة ما بين عامي 2009 و2013. كما تمكن من سرقة معلومات من أكثر من 32 مشروعا عسكريا أميركيا، منها معلومات تتعلق بطائرات مقاتلة من الجيل الخامس F-22 وF-35، وأيضا معلومات تتعلق بطائرة بوينغ C-17. ما حدا بمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، الطلب من كندا إعتقال الهاكر الصيني، لا سيما وأن الصين تطور حاليا جيلا خامسا جديدا من الطائرات المقاتلة. ويُعتقد أنها استطاعت القيام بهذه الخطوة بعد حصولها على معلومات سرية عن المقاتلة F-35 الأميركية. و”الصراع” بين اميركا والصين تراجع بعد عقد البلدين لإتفاقية مكافحة الهاكرز. وقامت بكين بإعتقال مجموعة كبيرة من الهاكرز، بناءً على قوائم لمشتبه بهم، ارسلتها وكالة المخابرات الأميركية الى الحكومة الصينية، والاعتقال جاء بمثابة اختبار لمعرفة ما إذا كانت بكين عازمة حقاً على المضي قُدماً، ونسيان الحرب الإلكترونية مع الولايات المتحدة أم لا. وبرغم ذلك، ليس من الواضح تماماً إذا كان المعتقلون ينتمون إلى وحدة عسكرية صينية متخصصة في الحرب الإلكترونية أم لا، ولم يجرِ الإعلان عن مصير هؤلاء حتى الآن من قبل الحكومتين الصينية أو الأميركية.
أشهر الهاكرز في الآونة الأخيرة، هو الجزائري حمزة بن لادج الذي حكمت عليه محكمة أميركية بالإعدام، بعد إتهامه بقرصنة مئات المواقع. وقد تمكن بن دلاج من سرقة 217 مصرفا بواسطة القرصنة المعلوماتية، وحصل على 4 ملايين دولار، ووزع أكثر من 280 مليون دولار على جمعيات خيرية في فلسطين، وساعد الكثير من الجمعيات في دول إفريقية فقيرة، وسيطر على أكثر من 8000 موقع فرنسي وأغلقهم بالكامل، كذلك قرصن مواقع قنصليات أوروبية ووزع تأشيرات بالمجان لشباب الجزائر. وأبرز المواقع التي سيطر عليها بالكامل، مواقع الحكومة الصهيونية، حيث كشف أسرار الجيش الصهيوني للمقاومة الفلسطينية. “رجته” الحكومة الاسرائيلية لمساعدتها في تحصين مواقعها الحساسة مقابل التوسط للإفراج عنه، لكنه رفض وما زال قابعا في السجن الأميركي. اما في لبنان فإن جرائم المعلوماتية الى إرتفاع، وتحذر منها الكثير من الشركات والمصارف، وتتداعى لهذا السبب الى عقد مؤتمرات ولقاءات تهدف الى الحد من القرصنة المعلوماتية، وتجنّب الخسائر المادية والمعنوية. لكن كيف يقوم الهاكرز بعملياتهم؟ يقول هاني (إسم مستعار) لـ “المدن”، ان هنالك برامج عدة تسهل للهاكر إختراق اجهزة الكومبيوتر، ومنها “الباتش” وهو برنامج اتصال بين الكومبيوتر المستهدَف وكومبيوتر الهاكر. ومن خلال البرنامج، يستطيع الهاكر التحكم بجهاز “الضحية” ويشاهد ما يفعله على سطح المكتب والمواقع التي يزورها، اضافة الى سرقة حساباته من المنتديات التي يزورها. والباتش برنامج صغير جدا لا يتجاوز حجمه “1ميغا بايت” وله صيغ تنفيذية عدة منها exe-scr-com، وله صيغ عدة منها صيغ ملفات صوتية rm-mp3-ra-ram-wav، وصيغ انترنت مثل htm-html-js-pl-cgi-asp-shtml-php، وصيغ ملفات صور jpg-gif-bmp-tif-psd-wmf-psp-aif-jpe-png، اضافة الى صيغ نصية wri-txt-pdf-mdb-doc-wrl-xls. هذه الملفات ترسل الى الكومبيوتر المستهدف، وما أن يفتح المستهدف الملف ينتشر الفيروس المحمل فيها، فتبدأ المهمة، ويشير هاني الى وجود نوعين من الإختراق، الإختراق العشوائي، مثل إرسال “باتش” الإختراق في أي موقع وأي مكان. والاختراق المستهدف يتم بإرسال “الباتش” عبر رسالة خاصة. ويشير هاني الى ان الهاكر يستغل ثغرات الجهاز المستهدف وبرامج “الماسنجر” وصفحات الإنترنت المزورة والكتب الإلكترونية.
وفيما هاني “يتلهى” بلعبة الهاكر، يحاول مهندس الاتصالات حسان جابر، ان يجد السبل الآيلة للحيلولة دون إتمام الهاكرز لعملياته. ويشير جابر لـ “المدن”، الى ان خطورة الهاركز باتت كبيرة جدا اليوم، فالإختراقات تطاول مؤسسات عالمية تستخدم برامج أمن ذات مستوى تكنولوجي عالٍ لحماية قواعدها البيانية، ولكن دون جدوى. ويؤكد ان لا حل أمام مؤسسات العالم سوى بتوظيف هاكرز يعرفون ثغرات البرامج، ويعثرون على البوابات الإلكترونية التي يمكن عبورها لإتمام عملية القرصنة وإصلاحها. ويشدد جابر على ضرورة التمييز بين الهاكرز والكراكرز، فالهاكرز بمجملهم أناس مسالمون يعملون على انتاجية معينة لتطوير التكنولوجيا ومساعدة المجتمعات، وهم نشطاء وأذكياء. أما الكراركز فهم “تنابل” يعملون على أذية المجتمعات، من المؤسسات الى المصارف وحتى الحسابات الشخصية، وغالبا ما يسرقون الحسابات الشخصية لحصول على معلومات وابتزاز أصحابها. ويعطي جابر مثالاً عن “وكيليكس” كدليل حول قدرة الكراكرز على الأذية. في لبنان هناك خلايا هاكرز نائمة، لم تُفعّل بعد، على ان المتواجدين في روسيا والصين وأميركا، هم الأفضل على الاطلاق. القرصنة لا تتوقف على أجهزة الكومبيوتر، إذ بإمكان القراصنة قرصنة معلومات الهواتف الذكية عبر “لينكات” او ملفات وهمية. وينصح جابر مستخدمي الانترنت بإستبدال برنامج “ويندز اكس بي” بأخر، لأن شركة “مايكرسوفت” تخلت عن البرنامج، معلنة انها لن تحدثه وتصلح ثغراته بعد اليوم، وثغرات البرنامج ازدادت بشكل جعل إختراقه سهلا جدا.
يذكر أن خسائر الإقتصاد العالمي جراء قرصنة الإنترنت بلغت، وفقا لدراسة أجرتها شركة “ماك في”، نحو 575 مليار دولار سنويا، تتحمل الدول المتقدمة تكنولوجيا النصيب الأكبر منها، وفي مقدمها واليابان وألمانيا والصين. وتتركز الأضرار الرئيسة للهاكرز على سرقة الحقوق الفكرية والجرائم المالية، إضافة الى سرقة المعلومات الشخصية. وقد تعرضت المعلومات الخاصة لنحو 700 مليون شخص أي 15% من إجمالي سكان العالم للسرقة، الأمر الذي دفع “نشطاء الخصوصية”، للمطالبة بإقرار قوانين تجبر الشركات الخاصة على محو البيانات التي تحتفظ بها بشكل دوري لعملائها، لعدم قدرتها على حمايتها.