كتبت صحيفة “السفير”: نادرا ما يأتي زائر غربي الى لبنان، الا ويحمل نصيحة “حافظوا على مؤسساتكم الدستورية”. كما يندر الا يسمع مسؤول لبناني تلك النصيحة، في لقاءاته الخارجية وعلى اي مستوى.
هذا الكلام لمرجع سياسي يعتقد أن “كل العالم يعرف مصلحتنا اكثر منا. قال لي مسؤول اميركي: انتم تعلمون ان الوضع الاقليمي ضاغط على العالم، وكل الملفات في منطقتكم اكبر من لبنان، لذلك ما عليكم الا ان تحافظوا على مؤسساتكم قائمة، على مجلس النواب وعلى الحكومة، وانتم تعرفون ان سقوط الحكومة هو اخطر ما يمكن ان يصل اليه، اذ سيدخل لبنان في مرحلة من التعقيد تستحيل معها فكفكته، وربما فوضى تستحيل معها اعادة انتاج الدولة”.
“أقلقني الكلام الاميركي”، يقول المرجع السياسي، “وما يزيد قلقي هو ان كل الاطراف السياسية تثبت على مدار الساعة انها لا تستحق وطنا، وليست جديرة بقيادة بلد، ومؤسسات الدولة تنهار وتتساقط واحدة تلو الاخرى، وسواء اكان الخارج صادقا في نصائحة، او يسديها فقط من باب المجاملة، فهو يثبت بذلك انه احرص منا على بلدنا وعلى مؤسساتنا التي تكاد تفلت من ايدينا ونساهم جميعا في سقوطها، كل على طريقته وبحسب اهوائه ومصالحه”.
المشهد الداخلي مقلق، يقول المرجع المذكور، الدولة باتت مهترئة بكل مفاصلها ومرتكزاتها، وفاقدة لأبسط شروط الامان لمواطنيها:
ـ في الاقتصاد: التراجع خطير، الشلل شبه كامل، العجز يتفاقم ولامس الخطوط الحمر، مؤسسات تفلس، مؤسسات سياحية تنهار وتقفل، وتحذيرات من اقتراب لبنان من نقطة الخطر الاقتصادي الشديد.
ـ في الأمن: أثبت الاستقرار الامني في لبنان في السنوات الاخيرة انه اقوى من كل محاولات العبث فيه.. لكن هل يستطيع الصمود اكثر، ولكم من الوقت؟
القلق من الانهيار الامني، جعل الجهود الامنية تتضاعف والمسؤوليات تكبر، ومخابرات الجيش والامن العام، الى سائر الاجهزة الامنية تعمل في اقصى طاقتها. توقيفات بالعشرات، وما يعلن عنه هو النذر القليل مما يتم اكتشافه، كما يتم تقصّد عدم تظهير امور اخرى لخطورتها الكبرى، شبكات تكفيرية في منتهى الخطورة، اسماء كبيرة وبارزة في خانة الاستهداف والاغتيال، مؤسسات وبعثات ديبلوماسية في خانة الاستهداف، وقد تم احباط هجوم ارهابي على سفارة دولة كبرى في بيروت. وتوقيفات حتى داخل مؤسسات رسمية وغير رسمية، لتكفيريين اصيلين، او متعاملين مع المنظمات الارهابية، واكثرهم خطورة شخص يدعى “أبو القعقاع” تم اكتشافه مع آخرين في واحدة من تلك المؤسسات.
كما ان القلق من الانهيار الامني، جعل الغرب كله يقول بالحفاظ على استقرار لبنان، وفي المقدمة الاميركيون، فأولويتهم كما تبلغ مسؤولون لبنانيون سياسيون وعسكريون بقاء مؤسسات الدولة قائمة، ودعم القوات المسلحة اللبنانية بكل مؤسساتها.
ـ في السياسة، كيدية عامة، وشخصانية متفشية في كل المفاصل، وعدم قدرة على انتاج تسويات داخلية، والمؤسسات الدستورية تترنح، وحفلة تعطيل متبادلة، بين مستفيدين من شل الحكومة وبين مستفيدين من الغاء دور المجلس النيابي. كما أن هناك حفلة المزايدات المسيحية حول قانون الانتخابات النيابية، وهي مزايدات لا تلغي حقيقة انها مادة خلافية اساسية في ما بينهم، وكذلك بينهم وبين الشركاء الآخرين في الوطن، وثمة استحالة كبرى في امكان الوصول الى صيغة مشتركة، ولسبب بسيط جدا وهو ان كل طرف من هؤلاء يقارب كل صيغة انتخابية بما يلائم مصلحته، وكم سيحصد من النواب عبرها.
فحركة “امل” و “حزب الله”، و(حلفاؤهما) مع النظام النسبي، و “القوات اللبنانية” مع القانون الانتخابي الذي يؤمن الظفر بكتلة نيابية وازنة حتى ولو كانت آتية بالبوسطة الزرقاء، و “التيار الوطني الحر” يريد الصيغة الانتخابية التي “يحرر” بها ما يسميها “الاكثرية المصادرة”، من يد “تيار المستقبل” و “14 آذار”.
واما “المستقبل”، فهو لا يضيره القانون الانتخابي الحالي، وبالتالي لا مجال ابدا للقبول بالنسبية المطلقة، وعلى ما ابلغ احد مسؤولي “المستقبل”، مرجعا سياسيا: “كما انتم تسعون الى تأمين الاكثرية لتتمكنوا من حكم البلد، نحن نملك الاكثرية ونريد الحفاظ عليها، ولا تتخيلوا لحظة اننا قد نتخلى عنها. من حقكم ان تسعوا الى تحقيق الاكثرية، وفي المقابل نحن لنا الحق في ان نحافظ على اكثريتنا، ولذلك لن نمشي بالنسبية”.
هذا الواقع المقفل انتخابيا، يجعل من البحث عن صيغة مشتركة، كالبحث عن سراب، بل يؤكد بان لا قانون انتخابيا لا في المدى المنظور، ولا في المدى المتوسط وربما في المدى البعيد.
ولكن لماذا يصر العونيون والقواتيون على ربط انعقاد جلسة تشريع الضرورة بادراج المشروع الانتخابي في جدول اعمالها؟
يدرك العونيون والقواتيون ان القانون الانتخابي طبخة بحص حاليا، يستحيل انضاجها ضمن ميزان القوى الحالي، ولذلك يبدو ربط الموافقة على عقد جلسة تشريع الضرورة بادراج المشروع الانتخابي في جدول اعمالها، وكأنه اعلان مقنع عن رفض انعقاد هذه الجلسة.
حتى ان هناك من بات يعتقد بتراجع امكانية انعقاد جلسة تشريع الضرورة، وذلك ربطا بانتخابات نقابة موظفي كازينو لبنان الاخيرة والتي فاز فيها تحالف حركة “أمل” و “القوات اللبنانية”! فالعلاقة بين عين التينة والرابية متقلبة، ويشوبها التوتر السياسي من حين الى آخر، وقد جاءت انتخابات الكازينو، كما يقول عونيون، “لتحرك عصا في الجرح”، اذ اعتبرها العونيون موجهة ضدهم، وهناك اصوات تعالت داخل التيار “هم اطلقوا النار علينا، ويجب الا نسكت”، وهناك من اقسم “لن نجعلهم يحققون حلمهم في عقد جلسة تشريع الضرورة”.
ولكن ماذا لو قرر طرف ما مقاطعة جلسة تشريع الضرورة؟ وماذا يمكن ان يفعل الرئيس نبيه بري؟ هل يجد نفسه مضطرا لأن يقدم على خطوة تضع جميع الاطراف امام مسؤولياتهم؟ في الاساس يرفض بري عقد جلسة فاقدة للميثاقية وفي غياب مكونات اساسية عنها، ولكن في زمن الضرورات الكبرى والتهديد الدولي بخسارة لبنان قروضا موجودة وازالته عن جدول المستفيدين من تلك القروض، هل تصبح “الضرورات تبيح المحظورات”، وبالتالي توجب الوقائع الجديدة على بري الانطلاق من شعار “مصلحة البلد العليا فوق كل العناوين الاخرى والاعتبارات والشعارات”، فيوجه الدعوة لجلسة تشريعية بمن حضر، لاقرار مجموعة من البنود الملحة اقتصاديا وماليا؟