كتبت دنيز عطاالله حداد في صحيفة “السفير”:
بعد نحو أربعة أشهر على بدء الحراك الشعبي المطلبي، استعادت السلطة السياسية ثقتها بنفسها وبنظامها الطائفي المحصّن، المنيع على الاختراق. لوهلة، تخوفت تلك السلطة من أن تنفجر في وجهها معاناة الناس من توالد الأزمات، فتطيحها. خافت من أن توحدهم المعاناة وقد طالت كل تفصيل في حياتهم وصولا الى موضوع النفايات المكدسة في الشوارع.
ارتبكت السلطة في بداية الحراك. تبادل أطرافها التهم في من يقف خلفه ويسيّره. ففي مفهومهم وعرفهم أن الناس لا يتحركون انطلاقا من أوجاعهم ومطالبهم الحياتية اليومية البديهية. لا بد من «يد خفية» تحركهم وتحرضهم وتدفعهم للنزول الى الشارع. وتلك «اليد» في معظم الأحيان طائفية أو مذهبية أو حزبية ذات عصبية واضحة يمكن بسهولة استنفار عصبية مواجهة لها.
وفي اللحظات التي بدا فيها الحراك المطلبي بلا سند طائفي أو حزبي متين، انقض الجميع عليه. توحد «المحرومون» والمطالبون بـ «التغيير والإصلاح» ضده. لا «مستقبل» لهؤلاء الشبان في الشارع، ولا «قوات» تؤازرهم. لا «كتائب» تدعمهم ولا حتى «حزب الله» تفهمهم. لا يشفع فيهم أن من بينهم «أحرار» و «مردة» وأصحاب «عزم وسعادة»… انقلب الشعار لدى أهل السلطة: «كلن يعني كلن.. زعران».
في الوقت نفسه، كان العبء كبيرا على أهل الحراك. أخطأوا مرات، تجاوزوا في أخرى. تخبطوا في مطالبهم وأحيانا استنسخوا خطابات بعض السياسيين وسلوكياتهم ومواقفهم. لم ينجحوا في صياغة خطاب مطلبي وسياسي يلامس هواجس الناس ويخاطبها بالعمق.
لكن هل ينفي ذلك واقع اللبنانيين المزري وحاجتهم الى تغيير جذري في يومياتهم المعيشية والحياتية؟ هل يمكن لأحد أن يصدق أن هذا البلد «الأعجوبة» قادر على الصمود والاستمرار وسط هذا الكم من الفساد الذي ينعكس تدهورا اقتصاديا مخيفا؟
كيف يمكن لأركان طبقة سياسية أن يقروا ويعترفوا بالفساد والهدر وسوء الإدارة… ثم يواصلوا متابعة إنجازاتهم متأكدين أن أحدا لن يُسائل أو يحاسب أو ينتفض؟
يقول مسؤول في معهد دراسات جامعي ان «المؤسف هو إدراك كل القوى الحزبية والطائفية أن جمهورها يعاني ويتحمل مراهنا على غلبة أو انتصار ما يحقق له كل ما هو محروم منه. وهذا وهم تستمر هذه القوى في تغذيته بشعارات وأوهام مختلفة، لكنها في النهاية لن تمنع الناس من الانفجار». يضيف «منطق الامور يقول إن اللبنانيين أمام ثلاثة خيارات: الاول، أن تبدأ الطبقة السياسية بالعمل الجدي على وقف الهدر والفساد والقيام بخطوات ملموسة للإصلاح في قطاعات على تماس مع هموم الناس اليومية. الثاني، أن ينتفض الناس ويثوروا ويفرضوا بقوة الشارع التغيير الذي يريدونه. والخيار الثالث، أن تذهب هذه الطبقة أو بعضها الى افتعال أزمات أكبر طائفية أو أمنية تشتت اهتمامات المواطنين ـ الرعايا عن أوجاعهم الفعلية وتشغلهم بالحقد والتحريض وربما الاقتتال».
برأي المسؤول الجامعي «مع الاسف، لا تبدو الطبقة السياسية بغالبيتها في وارد تغيير أسلوب عملها ونظرتها ومفهومها للسلطة وإدارة شؤون الناس. وفي المقابل يبدو الحراك الشعبي والمطلبي متراجعا ومتعثر الخطى. ويقال إن السياسيين نجحوا في اختراقه وتضييع بوصلته. يبقى الخوف أن نكون مرة جديدة رهينة لحظة عنف مجنون تقاطعت بين رغبة، أو ربما تراخ، خارجي وداخلي».
يصّر بعض الناشطين في الحراك المطلبي على أن «الأمور لم تنته بعد. كانت جولات من حرب طويلة مع سلطة فاسدة أفقرت الناس والبلد وحوّلتهم إما الى مسترزقين صغار أو متوهمي منفعة. المفاجآت كثيرة. نحن لن نستسلم ولن نهاجر. نحاول التعلم من بعض الأخطاء وتصويبها. كما نحاول ترميم بعض الجسور التي انقطعت لأسباب مختلفة بين بعض الناشطين، وجميعهم يعملون لأهداف محقة انما اختلفت الاساليب والأولويات».