Site icon IMLebanon

الهجرة غير الشرعية من طرابلس: الفارون من الجحيم


عبد الكافي الصمد

«يا بتلحقونا يا إما ما بتلحقونا»، هكذا ختم هلال خالد العبود أول من أمس رسالته النصية الى عائلته المقيمة في منطقة باب التبانة في طرابلس، بعدما تاه مع نحو ثلاثين شخصاً في عرض البحر أثناء محاولتهم الوصول الى أوروبا. كان هلال على متن الزورق نفسه الذي أعلنت السلطات اليونانية أمس أنها انتشلت منه «26 شخصاً، يعتقد أنهم لبنانيون وسوريون، كانوا في المياه قبالة قبرص، في عملية جرت خلال الليل حين بدأ الزورق الذي يستقلونه يغرق وسط أمواج عاتية».

فقد أفادت السلطات اليونانية بأن الرادار رصد إشارة استغاثة من الزورق وهو يبحر قرب الطرف الجنوبي الشرقي للجزيرة، وهي منطقة تتعرض لتيارات بحرية شديدة. وقال متحدث باسم الشرطة إنّ «من كانوا في الزورق قالوا إنهم أقلعوا من لبنان، وبعضهم احتاج إلى العلاج بعد تعرّضهم لهبوط حاد في درجة الحرارة». حتى أمس، لم تتلقَّ عائلة هلال أي أتصال من ابنها يؤكد لها أنه من ضمن الناجين. إلّا أنّ سفير لبنان في قبرص نفى لـ»المؤسسة اللبنانية للإرسال» أن يكون أيّ من الركاب الذين غرق مركبهم قبالة قبرص قد قضى بالحادث. وأعلنت سفارة لبنان في قبرص أمس أنها تعرّفت على هوية ثلاثة أشخاص من عائلة غمراوي من الناجين، من بينهم الطفل حمزة غمراوي الذي أُدخل الى العناية الفائقة. وأعلنت السفارة أنّ «المركب لبناني يقوده قبطان سوري الجنسية يدعى ماهر، بحسب ما أفاد الناجون. وكان قد انطلق من طرابلس قبل أربعة أيام، وعلى متنه 26 راكباً من الجنسيتين اللبنانية والسورية، مدّعياً أنه سيوصلهم الى اليونان».
إلاّ أن والدة هلال العبود تروي أن ابنها «سافر مع مجموعة من الأشخاص الى تركيا عبر مطار بيروت» وليس مرفأ طرابلس، ثم «توجه من إسطنبول إلى الساحل التركي بقصد التوجه إلى اليونان بمساعدة مهربين». الاتصال الأخير بين هلال ووالدته كان يوم السبت الفائت عندما أبحر على متن زورق يقلّ نحو ثلاثين شخصاً غالبيتهم لبنانيون من باب التبانة ومدينة الميناء، بينهم نساء وأطفال.

طيلة الأيام التالية انقطعت الاتصالات بين هلال وعائلته، ما جعل القلق يسيطر على والدته وأشقائه وزوجته، إلى أن أرسل لهم أول من أمس رسالة نصية عاجلة أبلغهم فيها أنه وركاب الزورق عالقون وسط الأمواج والتيارات البحرية، ما قد يتسبب في غرقهم، لا ماء لديهم ولا طعام منذ أربعة أيام، وصاحب الزورق هرب إلى قبرص وتركهم في عرض البحر لا يعرفون إلى أين يذهبون.
ووفق المعلومات، فإن من كانوا على متن الزورق قد دخلوا تركيا بطريقة شرعية بعدما وصلوها عبر مطار بيروت الدولي، وهو المعبر الذي يستخدمه أغلب اللبنانيين للسفر إلى تركيا وليس عن طريق البحر. يؤكد مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر لـ»الأخبار»، أن «معظم اللبنانيين يغادرون عبر المطار وليس المرفأ»، موضحاً أنه «منذ عام 2012 حتى نهاية شهر أيلول، غادر عبر مرفأ طرابلس نحو 196 ألف مسافر أغلبهم سوريون، بينما لا تتجاوز نسبة اللبنانيين 5 في المئة».
ويشير تامر إلى أن رحلات السفر بحراً من مرفأ طرابلس إلى مرفأ مرسين «ارتفعت من رحلة واحدة أسبوعياً، عندما افتتح الخط البحري للمسافرين بين المدينتين قبل أكثر من 3 سنوات، إلى 4 رحلات حالياً يغادر على كل منها 350 مسافراً على الأقل».
واقع الهجرة بدا ملموساً جداً في طرابلس والميناء، إذ أوضح رئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين أن «ما لا يقل عن ألفي شخص من الميناء غادروا إلى تركيا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، ومعظمهم بشكل شرعي، وأن شبّاناً كنّا نراهم عادة في الشوارع والمقاهي أو على الكورنيش البحري، لم نعد نراهم هذه الأيام».
ويلفت علم الدين إلى أن «معظم من غادر الميناء هم من الشباب، لكنّ بينهم رجالاً تركوا عائلاتهم خلفهم، ومنهم من أخذ عائلته معه بعدما باع كل ما يملك. أغلب هؤلاء كان يردّد قبل سفره أنه يفعل ذلك بحثاً عن مستقبل أفضل له ولأولاده».
هكذا إذاً كادت مأساة آل صفوان الذين قضوا في بحر إيجه، منذ أسابيع، تتكرر مجدداً مع أهالي طرابلس، خصوصاً أن عمليات إلقاء القبض على مهرّبين وهاربين من قبل السلطات اللبنانية إلى ازدياد، وأصبحت أخيراً لا تقتصر على منطقة الشمال فقط، إذ ألقت القوات البحرية في الجيش منذ مدة القبض على زورق لبناني على متنه 36 شخصاً يحاولون الهجرة غير الشرعية إلى شواطئ تركيا ومنها إلى أوروبا، كان قد انطلق من شاطئ الصرفند وتبيّن أنّ المسؤول عنه هو شبكة مؤلفة من خمسة أشخاص من بينهم لبنانيون. كذلك ألقي القبض منذ مدة أيضاً، على مسافة 3 أميال من جزر النخيل قبالة طرابلس، على زورق كان على متنه 53 شخصاً، من بينهم 8 لبنانيين.