IMLebanon

تشريع الضرورة يضع حدّاً للمخاوف المالية والاقتصادية رغم ضبابيّة دستوريته

lebanese-parliementsss

موريس متى

بعد أشهر من السجالات والخلافات حول دستورية التشريع في ظل الفراغ الرئاسي، والتمديد لمجلس النواب، واستمرار تعطيل الحكومة، وارتفاع حدة الازمات الاقتصادية والمعيشية والمالية التي باتت تهدد كيان الدولة، وتنذر بانهيار ما تبقّى من مؤسساتها الدستورية والمالية، أصبح استئناف العمل التشريعي أكثر من ضرورة. وما كان أمام الرئيس نبيه بري الا ان دعا الى عقد جلسة تشريعية في 12 تشرين الثاني الجاري لدرس مشاريع واقتراحات القوانين المدرجة في جدول الاعمال واقرارها.

ضربت البلاد ازمات عدة في الفترة الاخيرة، من النفايات، الى رواتب العسكريين، وصولا الى المخاوف من فقدان ثقة المؤسسات الدولية بلبنان، وحرمانه من قروضها الميسرة، وإمكان إدراجه في قائمة الدول غير المتعاونة. ويضاف الى هذه الازمات، الانهيار المستمرة لقطاع الكهرباء، والغياب شبه التام لمشاريع البنى التحتية، في وقت تعصف بالبلاد ضائقة إقتصادية حملت العديد من القطاعات الى شفير الافلاس. أمام هذا الواقع، قد يكون إعادة فتح أبواب مجلس النواب للتشريع خطوة نحو إنفراج ما قد يسحب فتيل الانفجار، أقله لبضعة أسابيع. وبالفعل، حُدد جدول اعمال الجلسة، وتضمن 38 مشروعاً واقتراح قانون، معظمها مالي.
التأخير الذي شهده العمل التشريعي للنواب لم يصبّ في مصلحة سمعة لبنان أمام المؤسسات الدولية وثقتهم به. فعدم إقرار المشاريع الملحّة واقتراحات ومشاريع القوانين المالية والمصرفية العالقة في مجلس النواب، وضع لبنان أمام مأزق قد لا يتمكن من الخروج منه في حال عدم التعجيل في عملية التشريع. وبعد مفاوضات ومراسلات تمت بين السلطات المالية والنقدية (حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف) والمؤسسات الدولية التي تعنى بمراقبة الدول التي تلتزم شروط مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، علمت “النهار” ان لبنان حصل على فترة تمديد لمدة 3 أشهر أي حتى نهاية السنة، إفساحاً في المجال لإقرار القوانين المطلوبة، وتجنباً لادراجه في لائحة الدول غير المتعاونة. وفي هذا السياق، علمت ايضاً أن سلامة سيقوم في الايام المقبلة بزيارة الرئيسين نبيه بري وتمام سلام، لإطلاعهما على مدى خطورة التأخر في إقرار المشاريع. مع الاشارة الى ان جدول أعمال الجلسة التشريعية التي حددها الرئيس بري في الاسبوع المقبل يتضمن إقتراحات القوانين المصرفية المطلوب وهي: مشروع القانون الوارد في المرسوم رقم 7982 المتعلق بالتسريح عن نقل الأموال عبر الحدود، مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 8002 المتعلق بتبادل المعلومات الضريبية، ومشروع القانون الوارد في المرسوم رقم 8200 والخاص بتعديل القانون رقم 318 تاريخ 20/4/2001 لمكافحة تبييض الأموال.
بالاضافة الى القوانين المتعلقة بالقطاع المصرفي، وأهمية إقرارها، قد تفسح هذه الجلسة التشريعية، وفي حال نجح الحضور في إقرار بعض الاقتراحات، المجال أمام لبنان للاستفادة من القروض التي تقدمها المؤسسات الدولية، لتمويل عدد من المشاريع الإئتمائية، قبل إنتهاء صلاحيتها في حلول نهاية السنة، وقبل فقدان لبنان ثقة هذه المؤسسات، ما قد يخفض من حظوظه في الحصول على قروض ميسرة مستقبلا، وبفوائد مخفضة. ومن أهم هذه المشاريع، الإجازة للحكومة بزيادة مساهمة لبنان في صندوق النقد الدولي، الاكتتاب في زيادة رأس مال البنك الدولي للانشاء والتعمير، إبرام اتفاق قرض بين الحكومة اللبنانية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي للمساهمة في تمويل مشروع إعادة تأهيل منشآت الكهرباء المتضررة من العدوان الاسرائيلي، ابرام اتفاق قرض بين لبنان والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، ابرام اتفاق قروض لتنفيذ عدد من المشاريع بين لبنان والصين، عدد من إتفاقات القروض من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية لتمويل مشاريع إنمائية في لبنان، اتفاق قرض بين لبنان والبنك الدولي للانشاء والتعمير لتنفيذ مشروع مكافحة التلوث البيئي في لبنان. مع الاشارة الى أن القيمة الاجمالية للقروض التي تشملها المشاريع الممولة من البنك الدولي والمدرجة في مجلس النواب تقارب المليار دولار، أبرزها مخصصّة لقطاع المياه والسدود والجسور، ومنها سد بسري بقيمة 474 مليون دولار، ومشروع أوتوستراد ضبيه – طبرجا.
من أهمية إنجاح الجلسة التشريعية أيضا، خفضها لمستوى المخاوف حيال الاستقرار الاجتماعي بسبب تشريعات تتعلق بفتح اعتمادات اضافية للرواتب والاجور وسلسلة الرتب والرواتب، للفترة المقبلة، ما يضمن عدم حصول أزمة شبيهة بـ “رواتب العسكريين”. ومن أهم الاقتراحات، فتح اعتماد اضافي في الموازنة بقيمة 5417 ملياراً و10 ملايين و691 الف ليرة لتغطية العجز في مختلف اعتمادات مشروع موازنة 2016 باستثناء الرواتب والأجور وملحقاتها، مرفق بإقتراح فتح اعتماد اضافي بقيمة 861 ملياراً و932 مليوناً و726 الف ليرة لتغطية العجز في الرواتب والأجور وملحقاتها.
الميثاقية تعني بالدرجة الاولى الحفاظ على الوطن والمواطن، لا زيادة التعطيل والانهيار. من هذا المنطلق، يُبرر الرئيس بري أهمية التشريع في الفترة الحالية، في ظل اختلاف الآراء حول قانونية تشريع الضرورة ودستوريته. فهذا التشريع يتزامن مع تعذّر انعقاد الدورة الثلاثين لانتخاب رئيس للجمهورية، والدستور واضح في هذا الشأن، اذ نصت المادة 75 منه على الآتي: “إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية – وقد سبق أن انعقد في دورة أولى لانتخاب الرئيس السنة الماضية – ويترتب عليه الشروع حالاً – في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أو أي عمل آخر”. ومع الاخذ في الاعتبار ان كل تشريع “ضرورة”، تبقى هذه العبارة بدعة دستورية تبناها بعض أهل السياسة لتبرير عدم انتخاب الرئيس وأطلقها البعض الآخر أو تلقّفها بحسن نيّة، ظنّاّ منه أن التـشـريع وعدم الانتخاب أفضل من الـ “لا تشريع ولا انتخاب”.