مع الضربة الجديدة التي تلقتها السياحة المصرية، تضعف فرص الحكومة في تعزيز النمو وكبح التضخم والحد من الفقر. أما التحدي الأكبر لها حاليا فيتمثل في مدى نجاحها بجذب الاستثمارات الموعودة لتنفيذ مشاريع البنية التحتية والطاقة.
وكأنّ مصر بحاجة إلى أحداث مأساوية كحادث الطائرة الروسية التي سقطت في سيناء بعيد إقلاعها من شرم الشيخ وعلى متنها سياح ماتوا جميعهم في الحادث. هذا الحادث الأليم -الذي يحتمل أن يكون ناتجا عن عمل إرهابي- يصيب الاقتصاد المصري بضربة موجعة لأنه يزعزع ثقة السياح الأجانب بأمن جوهرة السياحة المصرية على البحر الأحمر. وهو الأمر الذي يزيد الضغوط على قطاع السياحة المصري الذي تراجعت عائداته السنوية من 12 إلى أقل من 6 مليارات دولار خلال السنوات الأربع الماضية. وتحتل روسيا المركز الأول بين الدول المصدرة للسياحة الأجنبية إلى مصر، فخلال العام الماضي بلغ عدد القادمين من روسيا إلى مصر نحو 3.2 مليون سائح، أي ما يعادل أكثر من 31 بالمائة من مجمل السياح الأجانب.
وكانت السياحة ثاني أهم مصدر للعملات الصعبة بعد تحويلات المصريين في الخارج. كما أنها من أكثر القطاعات استيعابا للعمالة. تراجع إيرادات السياحة وهبوط احتياطات مصر من النقد الأجنبي من 36 مليار دولار في عام 2011 إلى 16.3 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول 2015، إضافة لعوامل أخرى أدت إلى زعزعة استقرار العملة المصرية التي تراجع سعرها من 7.5 إلى أكثر من 8.4 جنيها للدولار الواحد خلال الأشهر الأربعة الماضية.
انخفاض الجنيه يوسع دائرة الفقر
تراجع الجنيه المصري إزاء الدولار أدى بدوره إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الاستهلاكية، لاسيما بسبب مخاوف وصعوبات توفير احتياجات المستوردين والمصنعين من العملة الصعبة، الأمر الذي أدى إلى توقف عجلة الإنتاج أو تقليصها في الكثير من المؤسسات بشكل أثر سلبيا على العرض السلعي في السوق. وزاد من صعوبة الوضع المناخ غير الجاذب للاستثمار، كما يرى هاني توفيق الخبير في الاتحاد العربي للاستثمارات المباشرة. وقال توفيق، في لقاء مع DW عربية، إن “المشكلة في السياسات المالية والنقدية الطاردة للاستثمار، والتي كان من تبعاتها إغلاق 4500 مؤسسة صناعية خلال السنوات الأربع الماضية”.
غير أن ارتفاع الأسعار خلال أشهر قليلة، بمعدل وصل في حالات كثيرة إلى أكثر من 25 بالمائة، لا يتناسب مع تراجع سعر الجنيه أمام الدولار. كما أن هذا الارتفاع لا يقتصر على السلع المستوردة، بل يشمل أيضا تلك التي يتم إنتاجها بالاعتماد على مكونات محلية الصنع. ومما يعنيه ذلك أنه ارتفاع مصطنع مرده أيضا إلى احتكار التجار والمنتجين وفرضهم للسعر الذي يحقق لهم أعلى نسبة ممكنة من الأرباح، مستغلين المخاوف من فقدان السلع لاحقا كما يرى أحمد النجار، الخبير في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية في لقاء مع DW عربية. ويضيف النجار في سياق متصل أن ما “يساعدهم على ذلك غياب الجمعيات والآليات الفعالة لحماية المستهلك من خلال ضبط الأسعار بما يتناسب مع تكاليف الإنتاج وهامش الربح المتعارف عليه”. وعلى ضوء ذلك يطالب الخبير بالإسراع في وضع هذه الآليات التي لا تقتصر أضرارها على توسيع نطاق الفقر وحرمان أصحاب الوظائف والدخل المحدود من القدرة على تغطية تكاليف المعيشة الضرورية للغذاء والسكن واللباس والصحة والتعليم.
نسب النمو ليست كافية
وعلى ضوء التطورات الأخيرة ترددت مؤخرا معلومات صحفية تفيد بأن الاقتصاد المصري على حافة الانهيار. غير أن ذلك يثير الاستغراب من وجهة نظر أحمد النجار على ضوء تقارير صندوق النقد الدولي الأخيرة التي تتحدث عن معدلات نمو جيدة في مصر. وبالفعل حقق الاقتصاد المصري بفضل إصلاحات مالية واقتصادية قامت بها الحكومة خلال العامين الماضيين نسبة نمو زادت على أربعة بالمائة خلال العام الماضي. وتذهب تقديرات واستطلاعات -بينها تقدير وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني- إلى أن هذه النسبة ستكون بحدود 4.5 إلى 5 بالمائة خلال العامين القادمين. ومع أنها من النسب الجيدة بمقاييس الدول الصناعية، إلا أنها ليست كافية لدولة نامية مثل مصر للحد من مستوى الفقر وتوفير فرص عمل للقسم الأكبر من الشباب الذين يدخلون سوق العمل سنويا. فمثل هذه الفرص تحتاج حسب رأي العديد من الخبراء إلى إعادة توزيع الدخل الحكومي الناتج عن النمو لصالح إعطاء زخم أقوى لتشجيع القطاع الخاص والمبادرات الفردية من خلال زيادة فعالية الاستشارة والقروض الميسرة وتعزيز فرص الصادرات المصرية. كما تحتاج إلى استثمارات إضافية ليس من السهل توفيرها في ظل الاضطرابات الأمنية والسياسية التي تعاني منها مصر والبلدان المجاورة لها.
هل تتحقق الآمال المعلقة على مشاريع كبيرة؟
تعلق الحكومة المصرية آمالا كبيرة على الإصلاحات المالية والجهود الرامية إلى تنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات الأجنبية لرفع معدلات النمو وتخفيض معدل البطالة إلى أقل من 12 بالمائة وفقا لوزارة التخطيط المصرية. وخلال قمة شرم الشيخ الاقتصادية في مارس/ آذار الماضي 2015 تم توقيع مذكرات تفاهم على عقود بقيمة 60 مليار دولار لتنفيذ سلسلة مشاريع، منها بناء عاصمة جديدة بدلا من القاهرة. غير أن معطيات الأشهر القليلة الأخيرة تفيد بأن الكثير من المشاريع التي شملتها المذكرات في مجالات الإسكان والطاقة مهددة بالإلغاء لعدم الاتفاق على العقود النهائية بشأنها مع مستثمرين من الإمارات والسعودية. على صعيد آخر تظهر بيانات قناة السويس أن إيرادات مصر منها تراجعت مؤخرا بسبب تباطؤ حركة التجارة العالمية، رغم توسعة القناة واحتفاء السلطات المصرية بافتتاح ما أطلقت عليه “قناة السويس الجديدة”.
كما أن تراجع أسعار النفط قد يدفع دول الخليج إلى وقف تقديم المزيد من المليارات من الدولارات لمصر من أجل تعزيز احتياطيها النقدي. في هذه الأثناء تفاوض الحكومة المصرية صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار. كما تكثف جهودها للبدء باستخراج النفط والغاز من حقول جديدة تم اكتشافها في مياهها الإقليمية بالبحر الأبيض المتوسط. ويتوقع الخبراء أن تتمكن مصر من سد احتياجاتها المحلية والتصدير مع بدء الاستخراج بكميات كبيرة بحلول عام 2017. حتى ذلك الحين قد يراوح الاقتصاد المصري مكانه إلا إذا زالت المخاطر الأمنية وعادت السياحة والاستثمارات للتدفق إلى شرايين الصناعة والقطاعات الحيوية الأخرى.