وضعت مجموعة العمل المالي العالمية «غافي» لبنان أمام خيار مالي صعب. إما إقرار التعديلات ومشاريع القوانين الخاصة بتفعيل آليات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب قبل 30/12/2015، وإلا العودة إلى وضع اسم لبنان على لائحة الدول غير المتعاونة، ومثل هذا الأمر، إذا حصل، فإنه سيُحدث مخاطر وانعكاسات سلبية على الاستقرار المالي في البلاد من خلال توقع تخفيض التصنيف السيادي للدولة اللبنانية من قبل مؤسسات التصنيف الدولية.
وفي هذا السياق، نقل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى الرئيسين نبيه برّي وتمام سلام مخاوف المركزي على الاستقرار المالي في البلاد في حال لم يعمد لبنان إلى إصدار القوانين المطلوبة منه قبل نهاية العام الحالي.
…إذاً هذا الأسبوع كان «مالياً» بامتياز حيث فرضت تحذيرات «غافي» نفسها على أهل السياسة الذين سارعوا إلى محاولة «لملمة» الوضع.. قبل الوقوع في المحظور، أي قبل وضع اسم لبنان من جديد على لائحة الدول غير المتعاونة في مجال مكافحة عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
ويأمل مصرف لبنان، كما القطاع المصرفي، أن ينجح رئيس المجلس النيابي في عقد الجلسة التشريعية التي دعا إليها يوم الخميس المقبل كي يتسنى للمجلس إقرار وإصدار مشاريع القوانين التي تطالب بها «غافي» قبل نهاية العام الحالي، وهذه المشاريع تتعلق بمراقبة عمليات دخول الأموال نقداً إلى لبنان، والانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، والاتفاقية الخاصة بالازدواج الضريبي، إضافة إلى تعديل بعض مواد القانون 318 الخاص بمكافحة تبييض الأموال.
في غضون ذلك، أورد التقرير الأسبوعي الصادر يوم أمس الجمعة عن مجموعة «بنك الاعتماد اللبناني» جملة من المؤشرات المالية والاقتصادية من أبرزها:
تُظهر إحصاءات النشرة الشهرية لجمعية المصارف زيادة في الميزانية المجمعة للمصارف العاملة في لبنان بنسبة 3.21 في المئة (8.510 مليار ليرة) منذ بداية العام الحالي إلى 273.373 مليار ليرة (181.34 مليار دولار) مع نهاية شهر أيلول 2015، مقابل 264.863 مليار ليرة (175.70 مليار دولار) كما في نهاية العام 2014. أما على صعيد سنوي، فقد ازدادت موجودات القطاع المصرفي بنسبة 5.84 في المئة مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه في نهاية شهر أيلول 2014، والبالغ حينها 258.299 مليار ليرة (171.34 مليار دولار). وقد بقيت مستويات السيولة عالية في القطاع المصرفي بحيث ازدادت نسبة السيولة الأوّلية إلى 77.81 في المئة في شهر أيلول 2015، مقارنة مع 77.43 في المئة في الفترة نفسها من العام السابق.
على صعيد المالية العامة، تظهر إحصاءات جمعية المصارف في لبنان ووزارة المال اللبنانية تراجعاً في الدين العام الإجمالي بـ167.83 مليون دولار خلال شهر ايلول من العام 2015 إلى 68.72 مليار دولار، مقابل 68.89 مليار دولار في شهر آب. اما على صعيد سنوي فقد ازداد الدين العام الإجمالي بـ2.72 مليار دولار مقارنة بالمستوى الذي كان عليه في شهر أيلول من العام 2014، والبالغ حينها 66.00 مليار دولار.
ويجدر الذكر، في هذا السياق، ان حصة القطاع المصرفي من الدين العام الإجمالي قد وصلت إلى 54.37 في المئة في نهاية شهر أيلول 2015، وقد انخفضت حصة الدين بالليرة اللبنانية إلى 61.91 في المئة من اجمالي الدين العام، في حين ارتفعت حصة الدين بالعملة الأجنبية إلى 38.09 في المئة.
ووفقاً لإحصاءات جمعية مصارف لبنان، سجل مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية انخفاضاً سنوياً بلغت نسبته 0.64 في المئة في شهر أيلول من العام 2015، مقابل ارتفاع بنسبة 1.02 في المئة في شهر آب وانكماش بنسبة 1.11 في المئة في شهر تموز.
وتظهر ميزانية مصرف لبنان تراجعاً بقيمة 265.80 مليون دولار في الموجودات بالعملة الأجنبية خلال النصف الثاني من شهر تشرين الأوّل 2015 إلى 37.74 مليار دولار، مقابل 38.00 مليار دولار في منتصف شهر تشرين الأوّل 2015. وكذلك تبين ميزانية مصرف لبنان انخفاضاً في قيمة احتياطيات لبنان من الذهب بـ343.99 مليون دولار خلال النصف الثاني من شهر تشرين الأوّل إلى 10.59 مليار دولار، إذ ان توقعات زيادة أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في المستقبل القريب قد خفضت الطلب على الذهب.
وأبقت وكالة التصنيف الدولية كابيتل انتلجنس في تقريرها المؤرخ في 30 تشرين الأوّل 2015 تصنيفها للديون السيادية القصيرة والطويلة الأجل والمعنونة بالعملات الوطنية والأجنبية للبنان ثابتاً عند «B» في حين خفضت النظرة المستقبلية للبلاد من «مستقرة» إلى «سلبية». في التفاصيل، عزت الوكالة قرارها بتخفيض النظرة المستقبلية للبنان إلى الظروف الاقتصادية المضطربة في البلاد، بالإضافة إلى ضعف المالية العامة والشلل السياسي. وأضافت الوكالة ان الصراعات في سوريا قد ألقت بثقلها على الاقتصاد، فمؤشرات النمو الحقيقي ضعيفة أو معدومة للعام 2015، واستبعدت أي انتعاش في المستقبل القريب في «محركات النمو» الرئيسية للاقتصاد اللبناني، وهي السياحة وقطاع العقارات والبناء، كذلك، ارتقبت الوكالة ان يسجل الرصيد الأوّلي للموازنة عجزاً بنسبة 1.25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في العام 2015 مقابل فائض السنة السابقة، وأن يفوق العجز الإجمالي في المالية العامة عتبة الـ10 في المئة والدين العام عتبة الـ135 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى ذلك توقعت الوكالة ان تشكّل الاحتياجات التمويلية للدولة اللبنانية 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015 مستبعدة أية مخاوف لجهة إيجاد مصادر تمويل على المدى القصير، إذ ان المصارف اللبنانية تحمل الجزء الأكبر من الدين السيادي.