Site icon IMLebanon

عندما يُقسّم “حزب الله” مدافعه بحسب منافعه

hezbollah-battle

كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:

لم يكن “حزب الله” بحاجة إلى فترة طويلة لإقناع جمهوره بأن الحرب التي يخوضها في سوريا هي حرب مُحقّة وتحتل قائمة الأولويات التي اتخذ على أساسها قرار ولادته العسكرية تحت مُسميات وأهداف عدّة في طليعتها مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، وهو القادر على تصنيف معاركه الداخلية والخارجية بحسب ما تدعو اليه الحاجة ووضعها في الخانة التي تتناسب مع مصلحته.

على عكس ما يحاول “حزب الله” أن يُشيعه من حين إلى آخر أنه هو من يخلق الظروف التي تتناسب وكافة المراحل التي يمر بها وبأنه لا يُمكن أن يخضع لأحكام ولا لشروط يُمكن أن يفرضها عليه خصومه، تؤكد الوقائع كلها، أن المراحل هي التي تفرض على الحزب التعاطي مع الأحداث بطريقة مغايرة لقناعاته ومعتقداته ولكن من زاوية تُظهره أمام خصومه وجمهوره وكأنه صاحب القرار في ما آلت اليه أموره سواء في العسكر أو السياسة.

في فترة زمنية قصيرة جدّاً، تمكّن “حزب الله” من الحصول على موافقة علنية من جمهوره للدخول في حرب الموت في سوريا على الرغم من أن الموافقة بحد ذاتها كانت بمثابة تحصيل حاصل بالنسبة اليه وبالتالي لم يكن يعّول عليها في الأساس لعلمه المسبق أنه قادر على شيطنة خصومه في اللحظة التي تتطلب منه ذلك ووضعهم في الخانة التي يرتئيها، ومن هنا كان لا بد له من الذهاب إلى مكان آخر لا يُشبه طبيعة الدعوة التي كان اتبعها يوم جاء القرار في بداية الثمانينات بفتح جبهة الجنوب مع اسرائيل وبدء عملية استقطاب الشباب واخضاعهم لدورات تدريبية على السلاح داخل معسكراته.

اليوم تبدلت عقيدة “حزب الله” القتالية في سوريا عمّا كانت عليه في زمن الصراع مع إسرائيل، إذ انها تحوّلت من وجودية إلى عقائدية مذهبية، ومعها لم تعد عناصر الاستقطاب أو “التعبئة” في الحزب بحاجة إلى مزيد من الشروح حول أهمية الحرب في سوريا كخطوة أولية على طريق المشاركة او الإنخراط فيها كطرف سيكون له الدور الأساسي في المراحل المقبلة. ومن هذا الباب، يشرح منظرو الحزب وجهة نظرهم من الحرب هذه بتعريف عناصرهم على أنها حرب مقدسة تختص بعقيدة “أهل البيت” والدفاع عنهم وعن إرثهم، بدءاً من عهد “الخلافة” وصولا إلى “عاشوراء” بالإضافة إلى “المظلومية” التي ألحقت ببعض الشخصيات التاريخية على ما تقوله الروايات المستوردة داخل صناديق الذخيرة، لدرجة أن المتخلف عن واجب “الجهاد” هذا، يُعتبر وكأنه قد تخلّف عن مناصرة قافلة “الأولياء” وصولا الى “الولي الفقيه”. ودائماً بحسب شروح ومنظّري الحزب الذين يدمجون أيضاً حكايات الخيال بتحليلات سياسية لا مكان لها في الوقائع التاريخية سوى أنها تخدم واقعهم الحالي.

يذهب “حزب الله” في شرح نظريته الخاصة حول الفرق بين حروبه السابقة مع اسرائيل والحرب التي يخوضها اليوم في سوريا. تقول النظرية إن بيئة الحزب عندما واجهت اسرائيل منذ العام 1982، كان عمادها الاساسي الحفاظ على الارض التي منها ستكون بداية الانطلاق للتوسع والإنتشار في المنطقة، وهي حرب كرّست الحزب كمعادلة لبنانية من الصعب جداً تجاوزها سواء في الحرب والسلم ومنحته أهم الأسباب للإبقاء على سلاحه ودائماً تحت حجّة حماية الأرض. لكن المنطق هذا تغيّر مع الحرب في سوريا بحيث أصبحت حربه اليوم عقائدية مذهبيّة بحت تقوم على “حماية الوجود الشيعي” و”المقامات” ومواجهة “التكفيريين” إلى آخر اللعب على الغرائز وإثارة روح التعصب ودائماً من خلال استعارته قصصاً وروايات لا تخضع لمنطق ولا يقبل بها علم أو عقل.

قيادي بارز في “حزب الله” مُصنّف على أنه من قيادة الصف الأوّل، لا يكتفي بعرض شروح حزبه حول تصنيف أو تقسيم الحروب التي يخوضونها منذ تأسيسهم، لدرجة انه وصل إلى مكان يشرح فيه لزوّاره طبيعة التنسيق الأمني والعسكري والسياسي مع النظام السوري منذ عهد الأسد الأب. يقول القيادي: “في زمن الأسد الأب كُنا نُعتقل وتُفرض علينا الحروب في الداخل والخارج وكانت تتم الصفقات على حسابنا ومع هذا كُنّا نرضخ لكل انواع الإبتزاز لأننا تعوّدنا النفس الطويل من الإيراني، حتّى أن السلاح الذي كان يُرسل الينا من إيران عبر دمشق، كانت تتم سرقة معظمه من قبل النظام وكان يُرسل الينا على دفعات لا بحسب الحاجات والأولويات”. وبإعتراف القيادي نفسه أنه مع عهد الأسد الإبن قد تغيّرت الامور وتبدلت، فأصبح “حزب الله” والإيرانيون شركاء في الحكم وفتح لهم البلد على شكل “راحة كفّ اليد” قائلاً “إختاروا ما تريدون وأفعلوا ما تشاؤون” بعدما سلّمهم مخازن السلاح والمؤسسات الأمنية وصولاً الى إدارات السجون.

ويبقى العامل الأبرز والأهم لحيثية الحرب السورية بالنسبة إلى “حزب الله”، ظاهرة زج الأطفال فيها بشكل لافت وهو أمر لم يسبق أن أوقع الحزب نفسه فيه لولا أن ضرورات الحرب العقائدية والمذهبية تطلبت منه تضحيات بهذا الحجم.