مع اقتراب موعد عقد الجلسة التشريعية للبرلمان الخميس والجمعة المقبليْن، تشتدّ لعبة “عضّ الأصابع” بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ومعه غالبية عدَدية، وبين القوى المسيحية الوازنة، وسط استخدام العامل المالي – الاقتصادي كـ “ورقة ضغط” على الأفرقاء المسيحيين، إما لجرّهم الى حضور الجلسة او لتبرير التئامها “بمَن حضر”، مقابل رفْع هؤلاء ورقة “الميثاقية” علّها تفرْمل الاندفاعة لالتئام مجلس النواب من دون الأخذ بمطلبهم إدراج قانون الانتخاب على جدول الأعمال.
واذا كان بري حسم قراره بالسير بالجلسة التشريعية مستنداً الى الحضور المؤكد لنحو 21 نائباً مسيحياً من خارج كتل العماد ميشال عون و”القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” وهو ما يعتبره ضامناً بالحد الأدنى لميثاقيةٍ فسّرها على انها لا يمكن ان تعني “الانتحار”، فإن البارز امس، كان ما ارتسم من خلف “الكباش السياسي” حول جلسة 12 و 13 الجاري لجهة ان ما هو موضوع على محكّها بالفعل هو اتفاق الطائف الذي أرسى الإطار الدستوري للشراكة المسيحية – الاسلامية القائمة على المناصفة الى حين التوافق على آليات لإلغاء الطائفية السياسية.
وعبّرت اوساط سياسية في بيروت لصحيفة “الراي” الكويتية عن خشية من ان يكون وراء إصرار بري حتى الساعة على عدم ايجاد مخرج لإدراج قانون الانتخاب على الجلسة، ولو شكلياً، باعتبار ان “تطيير” النصاب سيتكفّل وقف استكمال بتّه، قد يكون يخفي وراءه محاولة لتكريس سابقة عقْد جلسة بمعزل عن حضور ايّ من المكونات المسيحية الرئيسية، ما يعني ضرباً لروح “الطائف”، الأمر الذي عبّر عنه ما نُقل عن إبلاغ قوى مسيحية في “14 آذار” لتيار “المستقبل” بأن مشاركته في الجلسة بمعزل عن اي من القوى المسيحية الرئيسية سيكون بمثابة ضربة قوية لـ “الطائف”.
وحسب هذه الأوساط، فان بري كان رفض قبل نحو عام ابان الجلسة التشريعية التي أقرّت التمديد الثاني للبرلمان انعقادها ما لم تحضرها كتلة مسيحية وازنة، ناصحاً المسيحيين حينها بعدم تكريس سابقة ان تُعقد جلسات من دونهم، علماً ان “القوات” عادت آنذاك وشاركت فيما قاطع نواب عون و”الكتائب”.
إلا ان مصادر مطلعة أخرى تشير الى نقطة بالغة الدقة ومفادها ان “أعرافاً” عدّة يحاول البعض تكريسها في معرض تفريغ قاعدة المناصفة وتكريس “المثالثة” (المسيحية – السنية – الشيعية)، لافتة الى ان حتى منطق الميثاقية من باب الكلام عن ضرورة حضور كتل مسيحية كبيرة يحمل في طياته “لغماً” لأنه يدفع في اتجاه ان عدم مشاركة ايّ منها يمنح المسيحيين حق “فيتو” ميثاقي يتساوى مع المكوّنين السني والشيعي، وهو ما يعني عملياً محاولة لتثبيت “مثالثة” يجري العمل عليها منذ أحداث 7 ايار 2008 التي انتهت الى اتفاق الدوحة وفق منطق “الثلث المعطّل” في الحكومة الذي اشترطه “حزب الله”.
وفي أي حال، ورغم الإشارات المتزايدة الى ان فريقا العماد عون و”القوات” ما زالا “متضامنيْن” حيال عدم المشاركة ما لم يُدرج قانون الانتخاب على جدول الأعمال، فإن الساعات الفاصلة عن الخميس المقبل ستكون كفيلة بحسْم الخيارات والمخارج الممكنة اضافة الى الاتجاهات ولا سيما لتيار عون كما لـ “المستقبل” الذي كان لافتاً الاتصال الذي أجراه زعيمه الرئيس سعد الحريري اول من امس، بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
وقد فُسّر هذا الاتصال على انه في سياق حرص الحريري على إحاطة رأس الكنيسة بكل ملابسات الجلسة التشريعية ومبرّرات انعقادها وشرْح انها في المبدأ لا تعني التراجع عن اولوية انتخاب رئيس الجمهورية. علماً ان “المستقبل” يبدو عالقاً بين مطرقة رغبته في عقد الجلسة نظراً الى طابعها الضروري وخشية انزلاق لبنان ليكون “دولة فاشلة”، وبين “سندان” تحبيذه مشاركة حليفه المسيحي (القوات) فيها كي لا يُفسّر عدم مراعاة مقاطعة هذا الحليف على انه إدارة ظهر له وللواقع المسيحي في البلاد (ولا سيما بحال لم يحضر نواب عون).
على ان العامل البارز الذي عكس مخاوف من امكان انزلاق البلاد الى إحياء حساسيات طائفية تضاف الى “طبقات” الصراع اللبناني، السياسيّة والمذهبيّة داخلياً والمرتبطة في بُعدها الخارجي بالاشتباك الاقليمي في المنطقة، كان توجيه النائب وليد جنبلاط عبر صحيفة “النهار” انتقادا حاداً الى الكتل المسيحية لموقفها من الجلسة، معتبراً ان “ما تفعله بعض القيادات المسيحية هو مزايدة ورسالة نحو المزيد من الانتحار الذاتي”، مضيفاً: “اذا كان البعض منهم لم يتعلم من تجارب الماضي فهذا مؤسف لكننا لن نسير معهم في هذا الانتحار”.
ويستند مؤيّدو السير بالجلسة التشريعية “مهما كان الثمن” وبمعزل عن قرار الكتل المسيحية الكبيرة، الى ضرورات مالية عبّرت عنها الحاجة الملحة الى إقرار قوانين مطلوبة دولياً وتتصل بمكافحة تبييض الأموال، ومشروع القانون المتعلق بنظام التصريح عن نقل الأموال عبر الحدود، ومشروع قانون لتبادل المعلومات الضريبية في إطار منع التهرّب الضريبي، إضافة إلى المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لقمع تمويل الإرهاب، وسط تأكيد ان عدم إقرار هذه المشاريع قبل نهاية السنة سيضع لبنان خارج الشرعية المالية الدولية اي انه لن يعود بإمكانه تلقي تحويلات مالية، ولا أن يجري تحويلات وهو ما سيعني ان السيولة ستجفّ عن لبنان وستنقطع عنه تحويلات المغتربين (نحو 7 مليارات دولار سنوياً)، علماً ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أكد بعد لقائه رئيس الحكومة تمام سلام ضرورة “بذل الجهود لعقد جلسة نيابية واحدة على الأقل لاقرار التشريعات التي تتعلق بالمالية العامة والقطاع الخاص، اضافة الى تشريعات مصرفية تتعلق بحركة الأموال عبر الحدود، ومكافحة التهرب الضريبي وتعديلات على قانون مكافحة غسل الأموال”، آملاً انعقاد المجلس “لأن هناك قوانين تمسّ تمويل البنية التحتية وتمويل النشاط الحكومي بالعملات الصعبة”.