Site icon IMLebanon

أشخاص كان بوسعهم إنقاذ شركة “فولكس فاغن”

 volkswagen
تمر “فولكس فاغن” بأزمة عميقة، وهي شركة كبرى يبلغ عمرها 78 عاماً. في سبتمبر/أيلول، تكشّف للعالم تلاعب الشركة في اختبارات انبعاثات الغاز. فقد وضعت الشركة المصنّعة للسيارات برنامجاً في سياراتها التي تعمل بمحركات الديزل والبنزين، صُمم خصيصاً للغش في اختبارات الانبعاثات السامة عند فحصها من قبل المراقبين.

يصعب تقريباً حسبان الأضرار التي سببتها هذه الأزمة لـ”فولكس فاغن”. فالمشاكل تتفاقم، وتُفتح جلسات استماع من قبل الهيئات التشريعية في العديد من البلدان حول العالم. كما يجري استدعاء سياراتها عبر القارة الأوروبية وخارجها.
وقد أثر ذلك على أسعار أسهم الشركة وتصنيفها الائتماني. ولا يمر يوم تقريباً دون أن يتكشّف شيء جديد وتحديات جديدة يتوجب على “فولكس فاغن” أن تعالجها.

عندما احتلت تلك المشكلة عناوين الأخبار، تركزت العديد من الأسئلة حول الأشخاص الذين كانوا يعلمون بها، وحدود معرفتهم بها، ومتى حصل ذلك؟ إنها أسئلة توجّه في أعقاب كل أزمة تمر بها شركة، أو فضيحة تؤثر عليها.
لعل السؤال الأكبر هو طبيعة الهيكل الإداري أو الإجراءات التي تتيح وقوع أمرٍ مثل هذا، وما الذي كان ينبغي عمله لتفادي تلك المشكلة؟

يتحمل أعضاء مجلس إدارة الشركة ومجموعة الإدارة التنفيذية بعض اللوم. ما الدور الذي لعبه مجلس إدارة “فولكس فاغن” في هذه الأزمة؟ هل باستطاعة أعضاء مجالس إدارة الشركات الأخرى أن يتعلموا درساً من أخطاء “فولكس فاغن”؟
مجالس إدارة منعزلة

مجلس إدارة شركة “فولكس فاغن” هو من المجالس الكبيرة، وهو يضم 20 عضوا. وكحال معظم الشركات الألمانية العامة، للشركة ممثلين عن العمال ومستثمرين كبار في مجلسها المشرف على إدارتها.
ورغم أن للشركة حضور عالمي هائل، فإن مجلسها لا يزال منعزلاً إلى حد ما. وللعائلة المؤسِّسة تمثيل كبير من خمسة أشخاص، وهم من أفراد عائلتي “بورشه” و “بياخ”. وهناك 17 من بين الأعضاء العشرين من الألمان أو النمساويين. وبالتالي، ليس للمجلس قدر كبير من التنوع الفكري.

تمارس الشركة نشاطاتها على مستوى عالمي وفي سوق تنافسية استثنائية. ولشركة بمثل هذا المستوى من النشاط، ووفق معايير عديدة لإدارة الشركات، لا يبدو أن هناك مجلس إدارة في “فولكس فاغن” يصلح لمواجهة التحديات الحاضرة والمستقبلية للشركة.

تطلع عموماً إلى الجالسين حول مائدة مجلس إدارة المؤسسة التي تعمل فيها. هل ترى فيها تنوعاً فكرياً؟ هل بينهم عدد كافٍ من الأعضاء الذين يوجهون أسئلة محرجة؟ والأهم من ذلك، هل من بينهم أشخاص يتحدون واقع الحال ويعملون على ألّا يصبح المنتج بالياً.

لذا، على مثل هؤلاء الأعضاء أن يفكروا في قيمة شركتهم اليوم، وفي نفس الوقت ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ إذا لم يتوفر فيهم ذلك، فقد آن الأوان لكي تُجري بعض التغييرات.
تحتاج مجالس الإدارة إلى أشخاص ربما لا ترغب دوماً في الخروج معهم لتناول وجبة عشاء. لكن، لعل أسئلتهم الصعبة وخبراتهم ستجعل الشركة أكثر متانة، سواء على المدى القصير أو البعيد.

الصراعات داخل مجالس الإدارة

أصيب مجلس إدارة “فولكس فاغن” بلغط منذ مدة من الزمن. ففي أبريل/نيسان، استقال رئيس الشركة “فرديناند بياخ” بعد شجار علني مع المدير التنفيذي للشركة، “مارتن فينتركورن”، الذي استقال بعد الأزمة.
نشرتُ كتابات عديدة حول إيجابية التوترات التي قد تحدث داخل مجالس الإدارة، والتي تنتج عن طرح أسئلة صعبة أو محرجة. ومع ذلك، فإن كثرة النزاعات في مجالس الإدارة تولّد أجواءً غير منتجة ويمكنها أن تصرف انتباه المجلس عما يجب عليه القيام به، بما في ذلك في هذه الحالة، ضمان عدم تبديد الشركة لسنين من حسن النية والثقة التي نالتها بشقّ الأنفس.

إذا كان مجلس إدارتك أو فريق عملك معرّضاً للصراعات، فعليك أن تحدد بسرعة إذا ما كان ذلك التوتر نافعاً أم مدمراً. إذا أخذتْ نزاعات المجلس أوقاتاً أكثر من أوقات التفكير في تسيير أعمال الشركة، فيعني ذلك أن الحاجة ماسة لإجراء تغيير ما.
وإذا لم يتفق المجلس، فعليك إيجاد حل سريع ـ حتى وإن كان ذلك يعني استقدام إستشاريين من خارج الشركة للمساعدة في العثور على مسار نحو الأمام. وأيضاً، حاول أن تكبح تلك الخلافات لتمنعها من الانتشار في المجالات العامة.

أسلوب العمل في المراكز العليا

ضع ذلك الأمر في الاعتبار: كيف يمكن أن يخطر ببال أصحاب شركة أو موظفيها أنه لا بأس من الإخلال باللوائح والأنظمة الحكومية؟ وسواء كان تركيب البرنامج على سيارات “فولكس فاغن” من عمل اثنين فقط من المهندسين، كما تدّعي الشركة، أم كان نتيجة مشكلة أعمّ وأشمل، فذلك دليل على حدوث فساد حقاً.

إن مجالس الإدارة تحدد أسلوب عمل ونشاط شركة ما. وتقع على عاتق مجلس وفريق الإدارة مسؤولية ضمان معرفة جميع العاملين في الشركة بأن الصدق والنزاهة والشفافية هي أمور أساسية في الشركة.
وكما أثبتت هذه الحالة أيضاً، فإن التكاليف المتأتية من الربح بطرق ملتوية هي أكبر بكثير من أية مكاسب قصيرة الأجل. أما التكاليف غير النقدية فهي أصعب بكثير من أن تعوّض ـ ثقة الزبائن التي حصلوا عليها بجهود مضنية، ثقة المراقبين في جميع أرجاء العالم، ثقة شبكة البائعين بالشركة، وأخيراً ثقة القوى العاملة في الشركة في إدارتها.
تأملوا ردود الفعل التي ترسلها إلى فريق الإدارة. إذا كنت عضواً من أعضاء مجلس الإدارة أو حتى أحد المديرين أو التنفيذيين في القمة، فهل ستطلب دوماً حلولاً قصيرة الأجل؟ أو تطلب أرخص الحلول؟
هل طلبت أبداً ـ أو أردت أن تعرف حقاًـ تأثير القرارات المتّخذة على بقاء الشركة على المدى الطويل؟ إن لم تفعل ذلك، فقد آن الأوان لإعادة صياغة النهج المتّبع.

لا تدع الأزمة تمر هباءً

أمام “فولكس فاغن” مسؤوليات جسام لتواجهها. بداية، لم تتصدّ الشركة بشكل جيد لمواجهة الأزمة عندما اختارت تعيين أشخاص من بين مديريها ليقوموا بدور رئيس الشركة ومديرها التنفيذي. لكن، لا يزال أمام “فولكس فاغن” فرصة لإصلاح مجلس إدارتها والإتيان بأشخاص يوجهون أسئلة صعبة ومحرجة.
عليهم أن يضمنوا أن الشركة ستُحاسب على أفعالها ويشجعوا على الشفافية، ويعيدوا بنشاط بناء الثقة والعلاقات. سيتطلب الأمر من مجلس الإدارة أن تكون لديه رؤية واضحة، وأن يكون ملتزماً باللوائح والأنظمة.
عندما تمر شركة ما بأزمة محددة، يسهل الإسراع في محاولة معالجة الأمور دون التراجع خطوة للنظر إلى الأزمة باعتبارها فرصة لحل المشكلة بشكل أعمق. هل لأعضاء مجلس الإدارة دور في المشكلة؟ وهل تخطو الشركة خطوات باتجاه الطريق الصحيح؟ وهل تفتقد لقدرات ومهارات من يمكنهم أن يجعلوا الشركة أقوى من السابق؟
إذا ما أديرت الأمور بعناية، يمكن اعتبار الأزمة نعمةً مقنعة. أحياناً، ليست الأزمة إلا نداءً لفعل شيء ملموس تحتاجه المؤسسة لإجراء بعض التغييرات، ورصّ الصفوف، وبناء شيء أفضل للمستقبل.