IMLebanon

ريفي: مصلحة بعض القوى والاحزاب تتقدم على مصلحة الوطن

ashraf-rifi

 

أسف وزير العدل اللواء أشرف ريفي “لأن شبح الفساد يطل برأسه عند كل مفترق أو استحقاق، حيث تلوح في أفق المفسدين ورعاتهم فرصة جديدة لسلب الوطن ماله العام، ومصادرة حقه في الاختلاف والتعبير”، ورأى ان “مصلحة بعض القوى السياسية والاحزاب تتقدم على مصلحة الوطن”، لافتا الى ان “ثقة المواطن بالدولة تكاد تكون معدومة بعد سلسلة من الاخفاقات في معالجة قضايا الناس وآخرها قضية النفايات التي امتزجت روائحها الكريهة بروائح الفساد المستشري في الادارات العامة”. وشدد على “ان المناقصات والصفقات العمومية لا تجري على الاوطان، والكرامة الوطنية لا تخضع لمبدأ المناقصة”.

ريفي، وخلال رعايته مؤتمر المناقصة العمومية والشفافية في قاعة المؤتمرات في بيت المحامي، قال: “القراءة الموضوعية للصفقات التجارية، تشير الى أن المصالح الشخصية لأطرافها تسيطر عليها، وهاجس الربح المادي غالبا ما يكون الدافع الأساسي للقائمين بها. القراءة الموضوعية والواقعية للصفقات السياسية في وطننا تشير وللأسف أن المحاصصات والمقايضات غالبا ما تسيطر عليها، حيث كنا ولا زلنا، نرى أن مصلحة بعض القوى السياسية والأحزاب تتقدم على مصلحة الوطن”، مضيفًا “القراءة الطوباوية للصفقات العمومية، ترينا أنها يفترض أن ترمي الى تأمين حسن سير المرفق العام وتأمين إحتياجات الإدارة العامة والمؤسسات والأجهزة الرسمية، وذلك بأقل تكلفة ممكنة ودون أن تثقل الميزانية العامة بمبالغ فائضة عن الكلفة الحقيقية. بهذه الطريقة وهذا التوجه، تحقق الإدارة العامة المبتغى المنشود وذلك من خلال تكليف أصحاب الإختصاص وأهل الثقة لتنفيذ المطلوب بعد منافسة شريفة على مستوى الأداء والنوعية والكلفة”.

واكد ان “الحق بالفرص المتساوية لجميع أطراف الصفقة هو حق طبيعي تنفيذا لمبدأ قانوني عام، ويحصل ذلك من خلال آلية واضحة تقوم بإعداد دفتر شروط عام، وتقديم عروض، ولجان تدرس العروض وتقرر على أسس علمية وحسابية ونوعية تراعي مصلحة الوطن وتحفظ المال العام من خلال الإرتكاز على المواءمة بين أفضل النوعية أو العروض وأدنى الأسعار”.

وقال ريفي: “المبادىء الأساسية للصفقات العمومية تختصر بالعلنية والمنافسة المشروعة، والمساواة بين جميع العارضين، هكذا يجب أن تتم الصفقات العمومية، وأي صفقة تقوم على غير الأسس والمبادىء التي ذكرناها أعلاه هي صفقة معيوبة فلا مكان لصفقات عمومية تعلو فيها مصلحة الفرد على المصلحة العامة، فلا مكان في هذه الصفقات لأي إعتبار أخر، سواء كان إعتبار مذهبي أو حزبي أو مناطقي. هذا هو المشهد الطوباوي الثاني، فهل يطابق الواقع هذا المشهد”.

واضاف: “أسف أن أقول ان شبح الفساد الذي يطل برأسه عند مفترق كل إستحقاق، حيث تلوح في أفق المفسدين ورعاتهم فرصة جديدة لسلب المواطن ماله العام وكأنهم لم يكتفوا بسلب حريته وأمنه، بل حتى حاولوا أن يسلبوا رأيه الحر ومصادرة حقه في الإختلاف والتعبير، فينكبوا على دراسة الطريقة الأمثل لنهب النسبة الأكبر من المال العام بدلا من دراسة تفاصيل المشروع المبينة في دفتر الشروط وبحث كيفية تنفيذه بأقل سعر ممكن يضعهم في دائرة المنافسة لنيل ثقة الإدارة ضمن مقاربة بين العروض تقوم على الشفافية”.

واعلن ريفي ان “لبنان لم يوفر جهدا لمكافحة الفساد رغم كثرة الصعاب وعمق التحديات التي تواجهه في هذا المجال وفي أكثر من مجال”، وقال: “فبعد إنضمامه في العام 2008 الى إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003 والتي لحظت قواعد مهمة جدا خصوصا في الصفقات العمومية في المادة التاسعة منها، لم يتأخر عن إتمام المرحلة الأولى من إستعراض تنفيذ الإتفاقية من خلال تقديم تقريره عن الفصلين الثالث والرابع من الإتفاقية وقام بنشر كامل التقرير وأبدى إستعداده لمناقشته مع المجتمع المدني في خطوة تعد جدا متقدمة، إذ أن مشاركة المجتمع المدني في إعداد التقرير الرسمي للدول الأعضاء في إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أو على الأقل مشاركته في مناقشة التقرير كانت محور نقاش جدي في مؤتمر الأمم المتحدة السادس للدول الأعضاء في الإتفاقية والذي إنعقد في سان بطرسبرغ من 2 وحتى 6 من الشهر الجاري وقد تبنى الوفد اللبناني الذي كان لي شرف ترؤوسه موقفا متقدما من هذه المسألة وفي غيرها من القضايا التي تعزز الشفافية وتمنح الرأي العام حق الرقابة على عمل الإدارات بما يعزز ثقة المواطن في حكومته”.

واضاف: “وفي الإطار نفسه، قام لبنان إختياريا بتمكين خبراء من الأمم المتحدة من القيام بزيارات ميدانية في إطار الرقابة الدولية على إلتزام الدول الأعضاء في الإتفاقية بتطبيق معاييرها في مكافحة الفساد، كما كان لبنان أول دولة في العالم ترد أموالا ناجمة عن فساد وقد حصل ذلك برد أموال من المصارف اللبنانية لكل من تونس والعراق”، مشيرا الى ان لبنان “بادر الى إجراء تقييم إستباقي لمدى إلتزامه بأحكام الفصلين الثاني والخامس من الإتفاقية كما أطلق ورشة تشريعية في هذا الخصوص تكللت بإقتراح قانون لحماية كاشفي الفساد وأخر لإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد ذات صلاحيات إستقصائية ورقابية وتتمتع بما يلزم لإتمام مهامها على أفضل وجه، ولا ننسى إقتراح قانون حق الوصول للمعلومات الذي يكرس حق المواطن في الإطلاع على مصاريف الإدارة بما يعزز دور الرأي العام في محاسبة الإدارة ويطلق العنان لأقصى معايير الشفافية”.

وتابع ريفي: “كما أقر مجلس الوزراء في العام 2012 مشروع قانون الصفقات العمومية والذي يهدف إلى توضيح وتحديث وتوحيد إجراءات تلزيم العقود وتنفيذها، لتنطبق على جميع الإدارات والمؤسسات العامة في لبنان، وعلى أن يتم التحديث بشكل يتماشى مع التطورات والممارسات الفضلى في هذا المجال واستنادا إلى خبرات محلية ودولية مشهود لها، بما يتضمن ذلك من تعديل هيكلية ومهام إدارة المناقصات واستبدالها بتسمية “إدارة الصفقات العمومية”، لتصبح إدارة ترعى عمليات التطوير والتحديث والتدريب والتصنيف والتوجيه، بالإضافة إلى إبداء الرأي بالاعتراضات المتعلقة بقرارات إسناد الصفقات العمومية، كما يهدف المشروع أيضا إلى اعتماد اللامركزية في تلزيم العقود وإدارة تنفيذها”.

وقال: “إلا أن هذه الخطوات على أهميتها ليست كافية لأسباب عدة، أولا لأنها لم تصل الى خواتيمها بعد بفعل سياسة التعطيل الممنهج لمؤسسات الدولة، وثانيا لأن ثقة المواطن بالدولة تكاد تكون معدومة بعد سلسلة من الإخفاقات في معالجة قضايا الناس وأخرها قضية النفايات التي إمتزجت روائحها الكريهة بروائح الفساد المستشري في الإدارات العامة، وثالثا، لأن غياب المحاسبة الجدية أضحى عرفا لبنانيا بإمتياز، إلا ان الرهان يبقى على الشعب الذي لم يعد بمقدور أحد أن يستخدمه لخدمة أجندات خاصة ومشاريع مشبوهة، فقد استفاق من غيبوبة فرضت عليه لسنوات طوال تارة تحت وطأة وهج القوة والتجبر وطورا تحت عناوين خداعة أسيء إستخدامها، فقالها، ولن يتراجع بعد اليوم، نعم للدولة ومؤسساتها الشرعية، نعم للشفافية والمحاسبة، نعم للعدالة بمعايير واحدة، لا للافلات من العقاب، ولتسقط كل الإعتبارات السياسية والمذهبية والمناطقية ولتكون الكلمة الفصل للقانون وحده”.

وتابع ريفي: “ان الحديث عن الشفافية لا يمكن أن يمر دون الإشارة الى دور القضاء في ممارسة الرقابة على مالية الدولة فيكون العين الساهرة والضمانة لعمل إدارى شفاف، ورغم هذا الدور المهم الذي يمارسه قضاة لبنان في إطار تعزيز حضور الشفافية ومكافحة الفساد إلا أننا نطمع بالمزيد المزيد، لأن لا شفافية دون محاسبة ولا محاسبة فاعلة ومؤثرة ما لم يشعر الجميع بأن ميزان العدالة حاضر وأن القائمين على عمله يستشعرون حجم المسؤولية والأمانة فيرجحون الكفة بعيدا عن كل إعتبار أو حساب”.

وحيا رئيس مجلس الشورى الدولة القاضي شكري صادر على “تنظيم هذه الندوة التي تنسجم تماما مع السياق العام الذي ينتهجه القضاء اللبناني في السعي الى التطوير والتقدم وتبادل الخبرات على الصعيدين العلمي والعملي”، كما حيا المشاركين والحضور ونقابة المحامين، وقال: “اليد الممدوة دائما للتعاون لما فيه خير العدالة، وعلى أمل أن نلتقى وإياكم قريبا بعد أن نكون قد قطعنا شوطا مهما في مسيرة تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد”.

وختم: “ان المناقصات او الصفقات العمومية لا تجري على الأوطان، فالشعور الوطني لا يلزم لمتعهد أجنبي يرممه ولو دون مقابل، والكرامة الوطنية لا تخضع لمبدأ المناقصة ولا ترسو على من يقدم السعر الأدنى لأنها أغلى من أن تقدر بثمن وأكبر من أي يختصرها دفتر شروط، تعالوا نضع يدا بيد ونغلق الطريق على كل طامح أو طامع بوطننا، ولنعلن سويا إتمام صفقة التسامح والتصافح والمحبة بين أبناء لبنان حتى نكون على قدر المسؤولية التي أولانا إياها الشعب اللبناني. عشتم، عاشت العدالة، نعم للشفافية، لا للفساد والإفساد، عاش لبنان، وطنا حرا سيدا مستقلا لجميع أبنائه”.

November 9, 2015 01:56 PM