Site icon IMLebanon

هل تنجو الليرة بإعتماد صيغة التحوط Hedging على الذهب؟ (غسان عبد القادر)

 

غسان عبدالقادر

 

تتربع الولايات المتحدة الأميركية على قمّة الدول التي تختزن احتياطات الذهب في العالم مع 8133  طنا ونيّف، في حين يأتي لبنان في المرتبة 19 عالمياً باحتياطي ذهبي يبلغ 286 طناً. لكنّ تدهو أسعار الذهب كانت له تأثيرات عميقة على الدول التي تحمل الذهب في مصارفها المركزية؛ فعلى سبيل المثال، فنزويلا التي حلّت في المرتبة 16 غير بعيدة عن لبنان من خلال مخزون يبلغ 361 طناً، انخفضت قيمة هذا الاحتياط لديها على الأقل بنسبة 19% خلال الأشهر الستة الأولى من العام بحسب تقارير المصرف المركز الفنزويلي نهاية تشرين الأول، ما يعني هبوطاً من مستوى 14.5 مليار دولار الى 11.7 مليار دولار أي خسارة تقارب 3 مليار دولار.

بالمقابل، مازال هناك دول تعمد إلى شراء الذهب وعلى راسها الصين. حيث قامت بكين في مطلع هذا الشهر، بزيادة احتياطاتها الذهبية 14 طناً إضافية ليصبح ما تملكه بكين 1708 طن تقريباً، بقيمة 63 مليار دولار أميركي وحلّت سادسة على المستوى العالمي. وللصين اعتباراتها الخاصة للجوئها الى هذه الخطوة والتي جاءت ضمن استراتيجية للدفع بعملتها الوطنية المعروفة بالرممبي أو اليوان أكثر نحو التعاملات الدولية وترسيخ الثقة بقيمتها، كما أن هذه الخطوة تغذي طموحاتها للمشاركة في صندوق النقد الدولي من خلال ما تملك من احتياط ذهبي.

مازال الخبراء يجمعون على أنّ الذهب سيواصل هبوطه خلال الأشهر الإثني عشر المقبلة مع تحسن في معدلات الفوائد ما من شأنه أن يشجع المستثمرين على البحث عن مصادر أخرى لرفع أرباحهم. وتتعدد الأسباب التي تشكل خلفية لتدهور الذهب وعلى رأسها فائض في العرض واكبه تراجع في الاستثمار على الصناديق التي تعتمد على الذهب في ظل وعود الاحتياط الفدرالي الأميركي رفع الفائدة الشهر المقبل.

في حالة لبنان، كانت التوقعات ايجابية في تشرين الأول من هذا العام لناحية تحسن أسعار الذهب، حين بيّنت ميزانية مصرف لبنان ارتفاعاً ملحوظاً في قيمة احتياطاته الذهبية بلغت 10.94 مليارات دولار، لكن الانخفاض الأخير للذهب وتوقع رفع الفائدة الاميركي قد أحبط هذه التوجهات.

وبحسب الخبير الاقتصادي د. كامل وزني فإنّ “إنخفاض قيمة الذهب من مستوى 1900 في العام 2011 الى حدود 1100 دولار أخيراً مع تذبذات للأسعار بهامش قدره 100 دولار خلال العام، مردّه الى القرارات الاميركية بشأن الفائدة والتي مازالت من دون قرارات برفعها منذ العام 2008. هناك في الواقع علاقة سلبية أي عكسية بين سعر التعامل بالذهب وبين الفائدة الأميركية وعلاقة ذلك بسعر الدولار السوقي.

في العام 2008 والأزمة الكبرى في حينه وإنهيار الأسواق العالمية، بدأت قطاعات اقتصاية عريضة تستثمر بالذهب وسط رهان على ارتفاع متزايد للمعدن الأصفر. لكن ابتعاد شبح التضخم، خلق خشية لدى المصارف المركزية الكبرى من علمية انكماشdeflation  وظهر توجه الى عدم اعتماد الذهب كملاذ آمن باعتبار ان من يملك احتياط الذهب العالمي لا يتجاوز 20 دولة. ولذا فقد الذهب دوره كملاذ آمن قادر على استيعاب الخضات السياسية كالحروب والصدمات الاقتصادية كالركود، والتي عادة ما تولد ارتفاعاً لسعر الذهب”.

أما أثر تدهور سعر الذهب على لاقتصادات والعملات، أشار د. وزنه إلى أن “أبرز هؤلاء هم حاملو الذهب الكبار مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والسعودية وكذلك صندوق النقد الدولي. لكن من المهم أن نضرب مثلاً نشير فيه إلى أنّ تأثر الاقتصاد الأميركي بأسعار الذهب هو هامشي مقابل تأثر أكبر لدول مثل لبنان لأنّه يعتبر احتياطاً أساسياً ترتكز إليه عملته الوطنية أي الليرة. بالمقابل، هناك من يجني أرباحاً بفعل تذبذب سعر الذهب من المستثمرين الذي يفيدون من هذا الواقع على طريقة short cutting بفعل وجود سوق كبير للذهب خصوصاً أن بعضهن قد حمل الذهب منذ كانت الاونصة بسعر 400 دولار وظلت بحوذتها حتى سعر 1900 دولار”.

وتابع وزنه: “من الطبيعي أن تتأثر عملة لبنان بتغير سعر الذهب لأنّه من الدول الحاملة له في مصرفه المركزي، وقد ترتب على ذلك خسائر دفترية مع عدم وجود أرقام دقيقة لذلك ولكن من المرجح أنها لا تتجاوز بضعة مليارات من الدولارات. ومن الجدير التذكير أنّ القانون اللبناني يحظر بيع الذهب بفعل القانون رقم 42 الصادر في العام 1986 ولا يبيحه إلا بنصّ تشريعي يصدر عن مجلس النواب. وقد صدر هذا القانون لمنع بيع احتياطات الذهب اللبنانية خلال فترة تدهور الليرة اللبنانية”.

وختم وزنه حديثه بالإشارة الى “عدد من الصيغ المعتمدة كي تحمي هذه الدول قيمة عملتها المحلية من تغيرات الأسعار. ولكن القانون في لبنان لا يتيح استخدام الآليات المالية المعتمدة في الاسواق لحماية هذا الذهب من التقلبات وللمحافظة على قيمته قدر الإمكان.

حالياً، المطلوب من السلطة النقدية والمالية في لبنان النظر بجديّة الى طرق فعّالة لدرء خطر تدهور الاحتياط الذهبي الذي يضمن ثبات العملة الوطنية ومن هذه الأساليب هي طريقة التحوط المالي المعروفة باسم Hedging. هذا الاقتراح له تكلفة معيّنة ولكنّه يمكّن الدولة من المحافظة على العملة وذلك من خلال تأليف لجنة خاصة لدراسة كيفية القيام بذلك بالطبع تحت إشراف مصرف لبنان تستطيع أن تقدم توصيات يتمّ العمل بها.

وهذا الإجراء من شأنّه ان يجنب لبنان مليارات الدولار من الخسائر في وقت يمرّ به الاقتصاد بدورة غير إيجابية. وقد يقول البعض ان هناك ارتفاعا ملحوظا خلال العقد الأخير في سعر الذهب، ولكن هذا لا يمنع انخفاضاً دراماتكياً معاكساً يطيح بمكتسبات الفترة الماضية”.