وبعد حوالي ثمانية اشهر، أُعلن عن الاصدار الثاني بقيمة 1600 مليون دولار. ومن أجل تقييم الاصدار الأخير، لا بد من مقارنة النتائج مع الاصدار الاول في العام نفسه، مع الأخذ في الاعتبار الظروف في الاصدارين.
وعليه، يمكن تسجيل النقاط التالية:
اولا- سجل الاقبال على الاكتتاب في إصدار شباط حوالي 233%، مقابل 113% في اصدار تشرين.
ثانيا – بلغت اكتتابات المؤسسات الاجنبية في الاصدار الاول حوالي 15%، مقابل 10% فقط في الاصدار الثاني.
ثالثا – بلغ معدل سعر الفوائد في شباط الماضي حوالي 6.42%، مقابل 6.75% في تشرين.
رابعا – في اصدار شباط قررت الدولة الحصول على 2.2 مليار دولار، أي الحد الأقصى الذي حددته، في حين انها في تشرين اضطرت الى الاكتفاء بـ1600 مليون دولار، وكانت مستعدة لأخذ مبلغ أكبر فيما لو كان الاقبال على الاصدار كافيا لذلك.
هذه النقاط الاربع يمكن اعتمادها لاجراء مقارنة، والاستنتاج اذا ما كان الاصدار الاخير ناجحا ام لا. وفي هذا المجال، يمكن أن نلاحظ ان اصدار شباط كان يحظى بحماسة للاكتتاب من قبل المصارف اللبنانية، التي رأت فيه فرصة لتكبير حصتها في السندات، لتشغيل اموالها الفائضة.
في حين ان هذه المصارف كانت مترددة في المشاركة بفعالية في الاصدار الثاني، ولولا تدخّل مصرف لبنان، لحث القطاع المصرفي على الاكتتاب، وتذكيرهم بأنهم في مركب واحد مع الدولة، لربما كان الاصدار سيفشل. وهذا يفسّر الفارق في نسبة الاقبال بين الاصدارين. 233% الى 113 %.
بالنسبة الى الاقبال الأجنبي على الاكتتاب، يمكن القول انه شبه معدوم في الاصدارين. اذ ان نسبة الـ15% في الاصدار الاول، والـ10% في الاصدار الأخير متشابهة، على اعتبار ان معظم هذه المؤسسات المُصنّفة أجنبية هي في غالبيتها مؤسسات لبنانية مسجلة في الخارج. في حين ان ما يعكس الثقة فعلياً، هو ان ترتفع هذه النسبة الى 30% وما فوق، وتشمل مؤسسات أجنبية لا يملكها لبنانيون.
في مسألة اسعار الفوائد، لا بد من ملاحظة ان الارتفاع ناتج بصورة خاصة عن شريحة سندات العشرين سنة، وهي المرة الاولى التي يتم فيها اصدار سندات طويلة الاجل الى هذا الحد. لكن هذا الخيار، كان يهدف في الاساس الى تحسين اسعار الفوائد للمصارف، من دون توجيه رسالة سلبية الى الاسواق في شأن احتمال رفع اسعار الفوائد في المدى المنظور. وهكذا تكون اسعار الفوائد ارتفعت بمعدل 0.33%.
في النقطة الأخيرة المتعلقة بحجم الاصدار، يمكن ان نلاحظ ان المطلوب كان تغطية الشطر الاول من استقاقات دين العام 2016، بالاضافة الى تأمين نفقات العام 2015. هذا الأمر لم يتحقق، ولم ينجح الاصدار سوى في تأمين جزء من استحقاق كانون الثاني 2016، بما يعكس خللاً اضافيا.
في الاستنتاج الأخير بالنسبة الى الاصدار الثاني، لا بد من الاشارة الى الظروف الصعبة التي جرت فيها عملية التسويق.
اذ مرّ أكثر من عام ونصف على الفراغ الرئاسي، فيما استمر الشلل في العمل التشريعي. وصلت الحكومة الى مرحلة العقم في الانتاجية، بل انها كانت مُهدّدة بالسقوط في اي لحظة.
بالاضافة الى ذلك، تعرّض التصنيف الائتماني الى هزة من خلال خفض التوقعات المستقبلية من مستقرة الى سلبية. هذه الخطوة تمهّد باجماع الخبراء لخفض التصنيف وصولا الى فئةالـ(C)، وهو تصنيف يضع لبنان في مرتبة متدنية، وضمن البلدان التي ينظر اليها العالم على اساس انها دولة مشكوك في قدرتها على تسديد ديونها. الى كل ذلك، تبرز قضية تهديد لبنان باخراجه من الشرعية المالية الدولية، ارتباطا بملف قوانين مكافحة تبييض الاموال التي لم يتم انجازها بعد.
هذه الظروف والمعطيات التي أحاطت بالاصدار الأخير تسمح بالاعتقاد ان اصدار اليوروبوند الثاني كان ناجحاً، ما دام الحكم على الامور لا يمكن أن يتم سوى في اطار النسبية.