كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
لم يعُد أمام رئيس مجلس النواب نبيه برّي من مجال للصبر والانتظار أكثر ممّا صَبر وانتظَر حتى الآن، فبين خيار بقاء البلاد على قيد الحياة وبين خيار ذهابها إلى الانتحار، اعتمدَ الخيار الأوّل لبلاد تستحقّ الحياة، وسيَمضي في عَقد الجلسة التشريعية الخميس المقبل غيرَ آبهٍ باعتراض من هنا وآخَر من هناك، لأنّ على جدول أعمالها مشاريعَ قوانين مالية مطلوبة دولياً، ويتوقّف عليها مصير لبنان المالي والاقتصادي.عندما يُسأل رئيس مجلس النواب نبيه بري، ألا يخشى من مخاطر يمكن أن تترتّب على عقد الجلسة التشريعية من دون مشاركة المكوّنات المسيحية الأساسية فيها، يجيب بلا تردّد: «نعم توجَد مخاطر، ولكن ليس إذا عُقدت جلسة، بل إذا لم تنعقد، وفي حال خُيّرتُ بين طبَق يؤدّي تناوله إلى مرض وآخر يؤدّي إلى الموت، فمِن المؤكّد أنّني سأختار الطبَق الأوّل».
وردّاً على سؤال آخر حول تداعيات تجاوُز الميثاقية في عَقد الجلسة، يقول بري: «الميثاقية كما أفهمها وفق الدستور تعني حضور جميع المكوّنات من كلّ الطوائف، فإذا غاب مكوّن طائفي بكامله، مثلما حصَل مع حركة «أمل» و«حزب الله» في أيام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة تسقط الميثاقية، ولكنّ هذا الأمر لا ينطبق الآن على الجلسة التشريعية، لأنّه ستحضرها زعامات مسيحية مثل (رئيس تيار «المرَدة») النائب سليمان فرنجية وغيره، كذلك سيَحضرها نوّاب من أصحاب التمثيل المسيحي ينتمون إلى كتل نيابية متعدّدة، لقد انتهَت تلك الأيام التي كان يقال فيها إنّ نوّاب الأطراف لا يمثّلون طوائفَهم». ويضيف: «إنّ الرئيس حسين الحسيني على حقّ في قوله إنّ الجلسة التشريعية لا تحتاج إلى نصاب ميثاقي بل إلى نصاب دستوري.
ولذلك إذا توافَر في هذه الجلسة أو في غيرها نصاب الأكثرية المطلقة، أي 65 نائباً، فسأعقدها نظراً إلى أهمّية مشاريع القوانين المطروحة على جدول أعمالها، ما داموا قد أساؤوا التعاطي مع تمسّكي بالميثاقية على الرغم من أنّها ليست نصّاً دستورياً، وأنا مِن الآن وصاعداً سألتزم الدستور حَرفياً لناحية عَقد الجلسات».
وأضاف بري: «لقد أعطيتُ وقتاً طويلاً للتفاهم مع المكوّنات المسيحية، ولا سيّما منها كتلة العماد ميشال عون، وقد صبَرتُ كثيراً إلى حد أنّني عقدتُ جلستين لهيئة مكتب المجلس النيابي، وهو الأمر الذي اعتمدته للمرّة الأولى، وذلك بغية إعطاء مهلة أطول للتوافق على جدول أعمال الجلسة التشريعية. عِلماً أنّه كان في إمكاني، استناداً إلى صلاحياتي، البَتّ بهذا الجدول خلال نصف ساعة، لكنّني تجنّبت هذا السلوك لئلّا أثيرَ أيَّ حساسيات لدى أيّ فريق».
وردّاً على طرح البعض تأخيرَ عَقد الجلسة التشريعية حتى شباط المقبل طالما إنّ هناك مهلة لإقرار مشاريع القروض الماليّة حتى ذلك الشهر، يقول بري: «أوّلاً، إنّ الإنذار الدولي الذي تلقّيناه لإقرار مشاريع القروض الماليّة ينتهي في 31 كانون الأوّل المقبل وليس في شباط.
ولذلك فإنّ الموعد الذي حدَّدته للجلسة التشريعية ليس اعتباطياً، فلدينا فرصة من الآن وحتى 15 كانون الأوّل لأنّ فترة العقد التشريعي العادي الثاني الحالي تنتهي في 31 كانون الأوّل المقبل، ثمّ إنّ كثيراً من النوّاب سيبدأون السَفر لتمضية عطلة عيدَي الميلاد ورأس السَنة في الخارج ابتداءً من منتصف الشهر نفسِه.
وهنا أسأل من يفتح دورةً استثنائية للمجلس حتى ينعقد في شباط المقبل، فيما العقد التشريعي الأول للمجلس خلال السنة المقبلة يبدأ أوّل ثلثاء بعد 15 آذار المقبل. ولذلك فإنّ توقيت الجلسة الآن هو بمثابة توقيت ساعة «بيغبن» ولا يمكن تغييره».
وهل من اتّصالات لإيجاد مخارج من الآن وحتى موعد الجلسة الخميس المقبل؟ يجيب بري: «الاتّصالات مستمرّة، وهناك مَن طلب منّي مواعيد، ولكنّ جدول الأعمال وُضِع وطُبِع ووُزِّع على النواب، وإذا كان هنالك مِن مشاريع قوانين واقتراحات قوانين جديدة، فيمكن إدراجُها في جدول أعمال جلسة مقبلة».
ولماذا لا يُدرَج قانون الانتخاب على جدول الأعمال، أقلّه مِن باب حفظ ماء الوجه للقوى المسيحية المطالبة به، على أن تُرفَع الجلسة قبل الوصول إليه؟ يردّ بري: «أنا أرفض التحايلَ على الناس، وكذلك على المكوّنات المسيحية، وللعِلم فإنّني من أوّل وأشدّ المتحمّسين لإقرار قانون انتخابي جديد، وهذا ما يفسّر إدراجي له البندَ الثاني في جدول أعمال الحوار بين قادة الكتَل النيابية سعياً إلى إقراره ضمن سلّة كاملة، وسنبدأ البحث فيه على طاولة الحوار بعدما توافَقنا على معظم مواصفات رئيس الجمهورية العتيد».
وردّاً على قول البعض بوجوب إدراج مشاريع القوانين الانتخابية البالغ عددُها 17 مشروعاً على جدول أعمال الجلسة التشريعية كون قانون الانتخاب يتعلّق بإعادة تكوين السلطة، قال برّي: «ما هذه المهزلة، هل يجوز أن نتعاطى بهذه الخفّة مع قانون حيوي يتعلق بإعادة تكوين السلطة. إنّ قانوناً مِن هذا النوع يحتاج إلى توافق وطني قبل عرضِه على الهيئة العامّة لمجلس النوّاب، ولا يمكن إقراره في خلال نصف ساعة كما يتراءى للبعض.
نحن راعَينا مطالبَ العماد عون والمكوّنات المسيحية الأخرى حين أدرَجنا مشروع قانون استعادة الجنسية للمغتربين على جدول الأعمال، على الرغم من أنّ اللجان النيابية المشترَكة لم تبتّ به، ما دفعَ النائب سمير الجسر إلى تقديم تعديلات باسم كتلة «المستقبل».
وعمّا إذا كان يرى في موقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي اعتراضاً على الجلسة التشريعية، قال بري: «لم أفهم كلامَ البطريرك على هذا النحو، بل فهمته أنّه يؤيّد التشريع من دون إهمال انتخاب الرئيس ومطلب إقرار قانون الانتخاب وقانون استعادة الجنسية، ونحن معه في أنّه لا يجوز إهمالهم».
ويذكّر برّي في هذا المجال «أنّ مجلس النواب كان قد اتّخَذ قراراً في إحدى جلساته العامَ الماضي بعدم إقرار قانون الانتخابات النيابية إلّا بعد انتخاب رئيس الجمهورية».
واستغربَ بري «كيف عُقِدت جلسة تشريعية بعد التمديد للمجلس في 5 تشرين الثاني من العام الماضي لإقرار مشاريع قوانين تتعلّق بقروض مالية أقلّ أهمّية من المشاريع المطروحة حاليّاً، بينما البعض يعارضون الآن عَقد الجلسة التشريعية المقرّرة وعلى جدول أعمالها مشاريع قوانين مالية مطلوبة دوليّاً بإلحاح وهي أكثر أهمّية من تلك».
ويقول بري: «يكفي لمن يتّهمني بضرب الميثاقية أن يلتفت إلى أنّني لم أدعُ إلى جلسة تشريعية منذ عام تقريباً، وذلك فقط لحِرصي على مراعاة الميثاقية، خصوصاً لجهة حضور المكوّنات المسيحية، لكن الآن لم يعُد في إمكاني الانتظار أكثر أمام خطورة ما وصلنا إليه وأمام مشاريع القوانين المالية الملِحّة، وأنا ضميري مرتاح إلى أنّني بذلت أقصى الجهود الممكنة لإشراك الجميع في جلسة تشريع ضروري جداً لمصلحة البلاد ومستقبلها المالي».