لا تبدو ضواحي لاس فيجاس وكأنها مهد الثورة. تمتد المنازل الذهبية المكسوة بالجص في شوارع متماثلة، تتخللها مجتمعات ذات أسماء مثل السنديان الإسباني ورانشو بيل إير. السماء داكنة الزُرقة، وهواء الصحراء نظيف، والجبال البعيدة جميلة. الأصوات الوحيدة الموجودة هي أزيز آلات جز العشب التي يستخدمها البستاني وصرير عربة طفل تدفعها الأم تمشي بقوة. وأضواء المدينة الساطعة تبدو بعيدة جدا جدا.
مع ذلك تتعرض تلك الشوارع الهادئة للتغيير بفضل حركة تكتسب زخما في أنحاء أمريكا وحول العالم، في تحد لواحدة من أهم العلاقات الاقتصادية: الطريقة التي نستخدم من خلالها الطاقة وندفع لها. في ولاية نيفادا الآن أكثر من سبعة آلاف منزل مزودة بألواح للطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء الخاصة بها، والرقم في ارتفاع سريع. قبل خمس سنوات فقط، كانت الطاقة الشمسية السكنية لا تزال منتجا متخصصا لمالك المنزل الذي يمتلك رصيدا ضخما وقلبا جريحا. ليس بعد الآن. فقد تحالفت التكنولوجيا والسياسة ومصادر التمويل مع بعضها بعضا لنقل ذلك إلى التيار الرئيس، لتصبح الطاقة الشمسية المصدر الأسرع نموا للكهرباء في الولايات المتحدة.
لعقود كانت صناعة الكهرباء تجارة حذرة ومتحفظة، لكن الأسعار المنخفضة للألواح الشمسية التي تراجعت بواقع الثلثين خلال السنوات الست الماضية، عملت على إيقاظ القطاع بصوت كالفرقعة. شركات الطاقة الشمسية النشطة المتخصصة في أسطح المنازل دخلت إلى السوق، محدثة التغيير الأكثر جذرية لإمدادات الكهرباء منذ ولادة الصناعة في القرن التاسع عشر. وهي توصف بأنها المكافئ لثورة الاتصالات المتمثلة في الهاتف الجوال، أو الكمبيوتر الشخصي في مجال الحوسبة.
إن التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري ونحو الطاقة المتجددة سيكون قضية جوهرية في محادثات المناخ التي تجريها الأمم المتحدة في باريس، والتي تبدأ في وقت لاحق هذا الشهر. وعلى الرغم من أن البلدان ستتوصل إلى التزامات للحد من انبعاثات غازات الدفيئة في المستقبل، إلا أن تحليل التعهدات حتى الآن يشير إلى أنها من غير المرجح أن تكون كافية للوفاء بالهدف المتفق عليه دوليا، المتمثل في إيقاف ارتفاع درجات الحرارة عالميا أكثر من درجتين مئويتين عن المستويات التي كانت عليها قبل الثورة الصناعية. الأمل هو أن تفعل البلدان المزيد، بما في ذلك تطوير المزيد من الطاقة المتجددة.
على الصعيد العالمي، لا تزال الطاقة الشمسية ضئيلة، إذ توفر فقط نحو 1 في المائة من الكهرباء في العالم، وفقا للوكالة الدولية للطاقة، المؤسسة البحثية المدعومة من حكومات البلدان المتقدمة. رغم ذلك، من الواضح الآن أن لديها الإمكانية لتسهم بأكثر من ذلك بكثير. الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البرية هما الشكلان الأكثر فاعلية من حيث التكلفة بين مصادر الطاقة المتجددة، لكن الطاقة الشمسية لديها القدرة الأكبر على خفض التكاليف أكثر من ذلك. يقول جيرار ميستراليه، الرئيس التنفيذي لـ “إنجي”، مجموعة الطاقة الفرنسية: “طاقة الرياح هي ميكانيكية أساسا، والطاقة الشمسية إلكترونية. والتقدم الذي يتم إحرازه هناك أسرع بكثير، وسيواصل ذلك”. وتمتاز الطاقة الشمسية أيضا بالمرونة في حجمها: يمكنها تشغيل آلة حاسبة، أو مدينة.
لكن بالنسبة لبعضهم لا تكون الإمكانات التخريبية للطاقة الشمسية وعودا بقدر ما هي تهديد. تواجه المرافق الكهربائية القائمة تحديات لم تكن تخطر على بالها قبل نحو خمس سنوات. ويبدأ كثير من الشركات في الدفع إلى الوراء. إنها معركة تشكل مستقبل هذه الصناعة – ومن الممكن مناخ العالم.
إذا كانت لاس فيجاس مرتعا غير محتمل للتطرف، فإن بليك جْوين يكون بالمثل محاربا بيئيا غير محتمل. أول الأشياء التي تراها عندما تدخل بيته هي صورة لجده، كيني جْوين، الحاكم الجمهوري لولاية نيفادا من عام 1999 إلى عام 2007. يقول: “أعتقد أن الناس يشعرون بالصدمة عندما يكتشفون أنني جمهوري”.
السبب في أن يكون هذا أمرا مثيرا للصدمة هو أن جْوين، وكيل سابق للعقارات، ألقى بنفسه في مهنة جديدة مدافعا عن الطاقة الشمسية. وقميص شركته يميزه كموظف في شركة للطاقة الشمسية لأسطح المنازل “سولار سيتي” ـ جْوين واحد من أرفع موظفي المبيعات فيها. يقول: “لديّ إيمان السوق الحرة. لدينا شركات مختلفة لصناعة الهواتف الخلوية، وشركات مختلفة لصناعة السيارات، وكلما ازدادت المنافسة لديك، ازداد انخفاض تكلفة الأشياء فيها. ولديّ إيمان أيضا بإيجاد فرص العمل. هذا هو ما نفعله هنا”.
عندما يروج الطاقة الشمسية للعملاء، تظهر عادة الفوائد البيئية، بحسب ما يقول، لكن “في نهاية المطاف، يكون المهم هو المال في المرتبة الأولى وقبل كل شيء”. تكون تكلفة الكهرباء التي تولدها الألواح الشمسية في شركة سولار سيتي إلى حد كبير أقل لكل كيلوواط ساعة من الأسعار التي تفرضها شركة الطاقة في ولاية نيفادا. عادة يستطيع العملاء توفير 20-25 في المائة من فواتير الكهرباء لديهم فيما لو استخدموا الطاقة الشمسية.
هذا العائد – ليس شعورا دافئا بالخير، إنما توفير بالمال البارد – أدى إلى ارتفاع الأعمال التجارية المتعلقة بالطاقة الشمسية في لاس فيجاس. في كانون الثاني (يناير)، افتتحت سولار سيتي مستودعا جديدا كقاعدة لخمس طواقم تركيبية مكونة من خمسة أشخاص. وبحلول تشرين الأول (أكتوبر)، كان 15 طاقما متمركزين هناك، مع خمسة طواقم أخرى من المتوقع انضمامها في تشرين الثاني (نوفمبر). وهم مشغولون جدا إلى درجة أنهم مضطرون إلى تنفيذ جميع أعمال الصيانة لشاحناتهم ليلا، لأنهم لا يستطيعون تحمل تعطل إحداها على الطريق خلال النهار.
في بداية السنة كان هناك تقريبا 30 شخصا يعملون في المستودع، أما الآن فهناك ما يقارب 200 شخص. تعتبر الوظائف طفرة مرحبا بها تدعم المدينة التي تعرضت للضرر بسبب انهيار العقارات والأزمة المالية في الفترة 2007 – 2009. وتم جلب الطواقم الخبيرة من الولايتين المجاورتين، كاليفورنيا وأريزونا، وبعض المستخدمين الجدد هم عمال سابقون في حقول النفط من ولايتي تكساس وأوكلاهوما، تم تسريحهم في أعقاب انهيار أسعار النفط.
قصة المنشأ لسولار سيتي تمتاز بدرجة التناسق التي تجدها في الأسطورة. ليندون رايف، صاحب المشاريع التسلسلي الذي هاجر إلى كاليفورنيا من بلده الأصلي جنوب إفريقيا، كان قد أصيب بالملل بسبب شركته المتخصصة في البرمجيات التجارية، وكان يبحث عن شيء ما ليفعله بعد ذلك. وبينما كان يحاول اتخاذ قراره، كان هو وعمه، إيلون مسك، مسافرين بالسيارة إلى مهرجان “الرجل المحترق” في صحراء ولاية نيفادا. أخبره مسك الذي جنى الكثير من المال من أسهمه في “باي بال” وتفرغ بعد ذلك إلى فرع للسيارات الكهربائية مع شركة تيسلا والصواريخ مع شركة سبيس إكس، بأن الفرصة الكبيرة المقبلة هي في الطاقة الشمسية.
يتذكر رايف، الطويل ذو الشعر الناعم، مع سلوكه الذي يبدو كبطل من وادي السليكون: “كان يعلم أن هناك الكثير من الاستثمار في التكنولوجيا، وقد تنخفض التكلفة. لقد كان الموضوع حقيقة مجرد مسألة وقت قبل أن تنخفض تكلفة الطاقة الشمسية”.
مبدئيا، كانت الفكرة غامضة: فقط القيام بشيء ما في مجال الطاقة الشمسية. في الوقت الذي كان يناقش فيه الخطة مع أخيه بيتر، توصل رايف إلى القرار الذي من شأنه أن يحقق الأرباح للشركة. يقول: “أدركنا أن كل شخص كان مركزا على الصناعة التحويلية: صناعة المعدات. لم يركز أي أحد على التسليم”. تخيل فيما لو انخفضت تكلفة الطاقة الشمسية كما كان يتوقع مسك وغيره: “كيف يمكن تطبيقها؟ كانت هذه هي المشكلة التي كان علينا حلها”.
الإجابة كانت في شركة لم تفعل أي شيء سوى شراء المعدات من كل أنحاء العالم، وجعلها متاحة للمستهلكين. دعم مسك حدسه بأن أصبح رئيس مجلس الإدارة وأكبر المساهمين. القرار بعدم تصنيع الألواح تبين أنه ضربة معلم عندما أصبح التصنيع في مجال الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة محطما بسبب فيض الواردات الرخيصة من الصين.
أصبحت سوليندرا، التي لديها منتج ابتكاري لكنه معيب إلى حد كبير، أبرز مثال على فشل قطاع التصنيع في الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة عندما أعلنت إفلاسها في عام 2011، حين عجزت عن تسديد قرض يبلغ 535 مليون دولار تكفله الحكومة الأمريكية. وبالنسبة لسولار سيتي كان انخفاض أسعار الألواح بشرى سارة، لأنه جعل الطاقة الشمسية متوافرة بأسعار ميسورة. وتستأجر الشركة الآن أحد مباني وادي السليكون القديمة المملوك لسوليندرا. وتعمل أيضا على الدخول في قطاع التصنيع للمرة الأولى، إذ أعلنت الشهر الماضي أنها تخطط لبناء ألواحها الخاصة بها فيما يمكن أن يكون واحدا من أكبر مصانع الطاقة الشمسية في العالم، في ولاية نيويورك.
الإسهامات الحاسمة المقدمة من سولار سيتي وغيرها من شركات التركيب، مثل صن رن، وفيفينت سولار، وسنوفا، لم تأت في تكنولوجيا الألواح وإنما في الطريقة التي يتم بها بيعها وتركيبها وتسديد ثمنها. انخفض سعر الألواح حتى الآن، بحيث إنها الآن أقل من ربع تكلفة النظام بعد التركيب. والتكاليف الأخرى، بما في ذلك تكاليف المبيعات والتركيب، هي التي أصبحت عاملا حاسما، وقد كانت الشركات تعمل بجد لجعل العملية أكثر سلاسة وأسرع. يقول بريان ميلر من شركة صن رن: “التكلفة التي تحتل المرتبة الأولى في مجال الطاقة الشمسية هي جعل العميل يرى أن رخص التكاليف ممتاز فعلا وليس وهما. وكلما ازداد عدد الزبائن الذين يرون أن جيرانهم يفعلون ذلك، كان من السهل إقناع الناس”.
قبل ثلاث سنوات كان يمكن أن تستغرق عملية التركيب العادية يومين أو ثلاثة أيام، أما الآن فيمكن تنفيذها عموما في غضون يوم واحد وإذا كان التركيب مباشرا، يمكن لطاقم واحد إنجاز عملية واحدة في الصباح وعملية أخرى بعد الظهر.
الابتكار المهم الآخر هو في التمويل. تيريزا هوبس – إنسيرا وزوجها، أنتونيو، هما أقرب لهواة الطاقة الشمسية النمطيين من عديد من جيرانهم في لاس فيجاس، مع وجود ملصق “أوباما بايدن 2012” على سيارتهما الناقلة. عندما تسأل هوبس – إنسيرا لماذا ركبت الألواح الشمسية، تكون إجابتها الأولى هي: “نحن نحاول بذل ما بوسعنا لمساعدة البيئة”. رغم ذلك، كان من الممكن أن تكون نوايا هذين الزوجين الطيبين بلا فائدة إذا لم يكن الحساب صحيحا. تبلغ قيمة النظام 31 ألف دولار بعد التركيب التام، وهي تكلفة من الممكن أن تعتبر باهظة. نجحت لديهما الطاقة الشمسية لأنهما لم يضطرا إلى دفع أي شيء مقدما. لا تزال سولار سيتي تمتلك النظام، وعائلة إنسيرا تدفع فاتورة شهرية مقابل الطاقة الشمسية التي تتولد لديها، بسعر أقل من الذي تدفعه لما تبقى من الكهرباء في المنزل ـ التي لا تزال تأتي من شركة الطاقة في ولاية نيفادا. تبلغ مدة العقد 20 عاما، لكن بعد خمس سنوات سيكون أمامهم خيار شراء النظام مقابل قيمته بعد الاستهلاك، أو مجرد الاستمرار في العقد المبرم مع الشركة. في الوقت نفسه، تحصل سولار سيتي على الإيرادات من الأنظمة المثبتة في صناديق التمويل المهيكلة، التي تستثمر فيها شركات مثل جوجل وبانك أوف أمريكا وبنك كريدي سويس.
لكن رغم كل الأفكار المشرقة التي جلبتها شركات تركيب الطاقة الشمسية للصناعة، لا يزال أنموذجها في الأعمال يعتمد على اثنتين من السياسات الرئيسة: الإعفاء الضريبي الاستثماري من الحكومة الفيدرالية لبعض الأنواع من الطاقة المتجددة، التي تبلغ قيمتها 30 في المائة من تكلفة النظام السكني، وقواعد الولاية بالنسبة لما يعرف باسم “القياس الصافي”. بموجب القياس الصافي يدفع زبائن الطاقة الشمسية الفواتير استنادا إلى الخدمة المقدمة لهم شهريا مقابل الكهرباء التي استخدموها، مطروحا منه كمية الكهرباء التي أنتجتها الألواح لديهم. عندما يولد الزبائن كمية طاقة أكبر من التي يستخدمونها، يبيعون الفائض للشبكة بالسعر نفسه الذي يدفعونه.
لكن كلتا السياستين معرضة للخطر. من المقرر أن ينخفض الإعفاء الضريبي الاستثماري إلى صفر بالنسبة للاستثمارات السكنية و10 في المائة لمشاريع التطوير الأوسع في نهاية العام المقبل. في الوقت نفسه، في نيفادا يحاول منظم الطاقة تحديد ما يمكن عمله بعد أن أصبحت شعبية الطاقة الشمسية تعني أن “القياس الصافي” اخترق السقف المنصوص عليه في قانون الولاية. هناك مناقشات مماثلة حول مستقبل الطاقة الشمسية في عديد من الولايات الأخرى. المستقبل غير المؤكد لتلك السياسات هو أحد الأسباب في أن كثيرا من الناس لا يزالون متشككين فيما يبدو وكأنه عرض لمال مجاني من قبل شركات الطاقة الشمسية. تقول هوبس – إنسيرا: “إن الناس حقا متشككون. من المدهش أنهم كذلك، على اعتبار أن الطاقة الشمسية موجودة منذ فترة طويلة”.
وتستند الألواح الفولتية الضوئية إلى عدة أنواع من فيزياء أنظمة التوليد الكهربائي الأخرى. وتتألف الخلية الكهروضوئية من طبقات من مواد أشباه الموصلات. والضوء الساطع عليها يولد مجالا كهربائيا عبر الطبقات، ما يسبب تدفق الكهرباء كما هي الحال في البطارية. ومزيد من الضوء المكثف يزيد من الطاقة.
ولوحظ هذا المفعول للمرة الأولى في مواد الحالة الصلبة في 1875 من قبل العالم البريطاني وليام جريلز آدامز وطالبه رتشارد إيفانز داي، لكن استغرق الأمر 80 عاما للعثور على تطبيق عملي.