كلير شكر في صحيفة “السفير”:
قبل دقائق من وصول النائبَين ابراهيم كنعان وجورج عدوان الى عين التينة للقاء الرئيس نبيه بري، بحثاً عن مخرج لائق يحفظ للميثاقية الطائفية قيمتها ويعيد المعترضين الى بيت الطاعة التشريعي، بعد الأخذ بعين الاعتبار مطالبهم بإدراج قانون الانتخابات على جدول الأعمال احتراماً لمبدأ الشراكة… كانت كتلة «التنمية والتحرير» تنهي اجتماعها الاستثنائي لتؤكد انعقاد الجلسة التشريعية في موعدها، والأهم من ذلك، بمن حضر.
هذا يعني أمراً واحداً وهو أنّ الرئيس بري استبق الطروحات الموضّبة في جعبة ضيفيه، لينذرهم بعدم استعداده التراجع خطوة الى الوراء، ولو من باب حفظ ماء الوجه. يتكئ الرجل الى دعامة التأييد التي يؤمنها «تيار المستقبل» بعد الانقلاب على الموقف الذي كان سجّله الرئيس فؤاد السنيورة برفض «الجلسة المبتورة» بتشجيع من رئيس المجلس، والى وقوف «حزب الله» الى جانبه في الحماسة للسير بالجلسة التشريعية، حتى لو أدى عقدها الى كسر حليفه ميشال عون.
طبعاً، لا تقف الضاحية الجنوبية مكتوفة الأيدي لتتفرّج على الاشتباك الحاصل بين مريدي التشريع وكارهيه، والذي صبّ الزيت على نار التوتر المشتعل أصلاً بين عين التنية والرابية، وإنما تحاول من جهتها تليين بعض المواقف على قاعدة المشاركة في الجلسة ودعم رئيس المجلس في موقفه بعد سحب «التيار الوطني الحر» من مربع الرفض.
ومع ذلك، فإنّ إصرار بري على عقد جلسة تشريعية، رغم اختلالها الطائفي بفعل ممانعة المسيحيين ورفضهم المشاركة فيها، لأنّ «الفاخوري» ارتأى تركيب «اذن الجرة» كما يريد، حتى لو كانت مفاعيلها ضارة على موقف العماد ميشال عون، فإنّ ذلك لا يُعتبر خروجاً عن المسار الذي يسلكه رئيس المجلس في تعاطيه مع «تكتل التغيير والاصلاح»، كما يرى مسيحيون مؤيدون له.
الرجل يتسلّح بـ «النقار» في علاقته مع الجنرال، وجولات الاشتباك مع «التيار الوطني الحر» لا تعدّ ولا تحصى وتتغلب قيمةً وكمًّا على جولات التنسيق والتفاهم بينهما. ولهذا لم يأتِ موقفه اليوم بتجاوز المفهوم الذي وضعه بنفسه للميثاقية، بأي جديد من شأنه أن يثبت بالوجه الشرعي أنّه لا يتحمس كثيراً لطروحات «حليف الحليف» ولاعتباراته، الا اذا التقت معه على الفاصلة والنقطة.
عملياً، ما يثير استغراب بعض المسيحيين المؤيدين لميشال عون، هو موقف «حزب الله» بالتحديد. أن تكون الضاحية الجنوبية متحمسة للجلسة، فهذا أمر بديهي ومبرر، كما يقول هؤلاء، ولكن أن تترك الرئيس بري يتصرّف على سجيته فيسيّر سفينة التشريع كما تشتهي رياحه، من دون الأخذ بالاعتبار متطلبات الجمهور المسيحي، فهو أمر غير مفهوم.
لا ينظر هؤلاء الى المسألة على أنّها خلاف بسيط على جدول الأعمال يجوز القفز فوقه على طريقة تمرير الطابات، وانما يتعاملون معها على أنها في صلب الشراكة الوطنية التي تعبّر عنها الميثاقية التي سرعان ما تتحول الى خط أحمر يستحيل تجاوزه حين تكون القضية مرتبطة بمجلس الوزراء، منعاً من أي تجاوز أو تسجيل سابقة… وتصبح وجهة نظر قابلة للاختلاف حين يكون مجلس النواب هو المعنيّ بها.
يعود هؤلاء الى محاضر النقاشات بين قوى «8 آذار» حين تحمّس الرئيس بري لتجاوز آلية العمل في مجلس الوزراء نتيجة تهديد «تكتل التغيير والاصلاح» بمقاطعة الجلسات، فكان «حزب الله» له بالمرصاد، ليس دفاعاً عن الحليف البرتقالي فقط، وإنما حماية للميثاقية، التي إذا استبيحت يوماً على حساب المسيحيين، قد تدور يوماً آخر على الشيعة.
يقول هؤلاء إنّ الضاحية الجنوبية حمت توازن الحكومة برموش العينين، وإذ بها اليوم تشيح نظرها عن توازن مجلس النواب، من دون أن تقدّم للرابية مبررات مقنعة تدفعها الى تغيير موقفها. ولهذا لا يزال الجنرال حتى اللحظة عند قراره الرافض المشاركة في الجلسة اذا لم يُدْرَج قانون الانتخابات في جدول الأعمال.
بنظر هؤلاء، فإنّ هذا الموقف الذي يصيب موقع «التيار الوطني الحر» في صميم وجدانه المسيحي اذا ما تخلى عن مطلبه، يفتح جردة حساب العلاقة بين «حزب الله» والمسيحيين، لا العلاقة بين «حزب الله» و «التيار العوني» كونها محمية بورقة تفاهم يصعب أن تهتز بسبب هذا التباين، إذا استمرّ.
الا أنّ مساندة «حزب الله» لحليفه الشيعي في تقريشه الميثاقية وفقاً لميزان حساباته، تسبب انزعاجاً لدى أوساط مسيحية يفترض أنها مؤيدة لـ «تفاهم مار مخايل»، بعدما تبيّن أنّه من غير المسموح دخول المسيحيين حتى لو كانوا حلفاء، على خطّ الشراكة في البرلمان، سواء على مستوى وضع جدول الأعمال، أو على مستوى النصاب الميثاقي.
يعتبر هؤلاء أنّ «حزب الله» لم يبد خوفه على ميزان الميثاقية كون المجلس ممسوك من حليفه نبيه بري، ولا خشية بالتالي من لحظة انقلاب قد تستخدم لمصلحة خصومه، بخلاف القاعدة التي يتعامل فيها مع الحكومة، لا بل يتعامل الجناحان الشيعيان مع مجلس النواب وكأنه «محمية» توضع قواعدها وفق حسابات «أستاذها»، فيقفلها ساعة يشاء ويفتحها ساعة يريد.
هكذا تقود الجردة التي نبشها هؤلاء المسيحيون للإشارة الى أنّ الضاحية الجنوبية غالباً ما تهمل مصالح حليفها المسيحي حين تكون مصلحتها على المحك، وليس بالضرورة مصالحها الاستراتيجية التي يحترمها حليفها البرتقالي، وانما مصالحها التكتية. وها هي اليوم تتجنّب أي صدام ولو مكتوم مع الرئيس بري وهي الأكثر دراية بأهمية تعديل قانون الانتخابات بالنسبة للمسيحيين، لإنتاج سلطة أكثر تمثيلاً. ومع ذلك لا تبذل أي جهد اضافي كي تحرك مياهه الراكدة.
يقرّ هؤلاء أنّ نقطة ضعف القوى المسيحية تكمن في عدم تمكنها الى اليوم من انجاز اقتراح مشترك لقانون الانتخابات، وإن نجحت في تكريس فيتو رافض من دون القدرة على المبادرة المشتركة. ولكن في المقابل، لا يشعر هؤلاء أنّ الضغط الذي يمارس عليهم بحجة القوانين المالية في محله، ذلك لأن معظم هذه الاقتراحات ينام في الأدراج منذ أشهر، وبالتالي ليست الأطراف المسيحية هي المسؤولة عن هذ التأخير، كما أنّ الجنرال وعد بأنه مستعد للنزول الى المجلس للمشاركة في جلسة تكون المشاريع المالية هي البند الوحيد فيها.
ما يعني، بالنسبة لهؤلاء، أنه ـ عون ـ قدّم كل التسهيلات الممكنة كي لا يكون حاجزاً أمام هذه القوانين، ولكن في المقابل هو يطالب باسم الشراكة أن يكون قانون الانتخابات، وكما وعد الرئيس بري في جلسة التمديد الثانية، على جدول الأعمال.
هكذا، يرى هؤلاء أنّ ما يحصل اليوم له تفسير واحد: كسر ميشال عون لإبعاده عن حلبة الرئاسة. وما وقوف سمير جعجع الى جانبه الا لاقتناعه أنّ إضعاف الجنرال سيؤدي حكماً الى إضعاف بقية المسيحيين.