Site icon IMLebanon

لماذا لا تزال اللامركزية الإدارية قابعة في الأدراج ومتى أوان تحريكها؟  

serail

 

كتبت مي عبود ابي عقل في صحيقة “النهار”:

سنة ونصف سنة، وأكثر من 45 اجتماعاً، تطلبها انجاز مشروع قانون اللامركزية الادارية الذي ساهمت في وضعه مجموعة كبيرة من الاختصاصيين، وأُطلِق من قصر بعبدا في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان. والسؤال: لماذا لا يزال هذا المشروع الاصلاحي قابعاً في ادراج الحكومة ولم يرسل الى مجلس النواب لاقراره بعد، لا سيما انه تم التوافق على اللامركزية الادارية وعلى ضرورة اعتمادها في مؤتمر الطائف؟ ألم يحِن الوقت ليدخل لبنان نادي دول اللامركزية التي تؤمن للمواطن حياة كريمة؟

تضمنت “وثيقة الوفاق الوطني” في فقرة الاصلاحات بنداً ينص على “وجوب اعتماد اللامركزية الادارية الموسعة على مستوى الوحدات الادارية الصغرى”. منذ ذلك الحين لم تعد اللامركزية الادارية مطلبا لفئة من اللبنانيين، انما أصبحت اصلاحاً أجمع الأطراف اللبنانيون على أن الشروع في تطبيقه حاجة وطنية جامعة.

وتشرح المستشارة القانونية السابقة في رئاسة الجمهورية الدكتورة ريان عساف التي ساهمت في وضع مشروع القانون أن “اللامركزية تقوم على منح صلاحيات ادارية واسعة لمجالس محلية منتخبة مباشرة من الشعب وتتمتع بالاستقلال المالي والاداري، فتنشأ الى جانب البلديات التي سوف تشكل المستوى الاول للامركزية، وحدات محلية ذات رقعة جغرافية أكبر”، وترى أنه “من الافضل ان تشكل الأقضية القائمة اليوم هذه الوحدات لأن لها شرعية تاريخية أولا، ولأن اي اعادة نظر في التنظيم الاداري الحالي قد تعرقل اقرار قانون اللامركزية ثانيا، كما أنّ اعتماد الأقضية يتوافق مع ما ورد في وثيقة الوفاق الوطني لناحية اعتماد “القضاء وما دون” وحدة لامركزية”.

يتألّف مجلس القضاء، كما ورد في المشروع الذي وضعته “اللجنة الخاصة باللامركزية الادارية” والذي اعتمد القضاء وحدة لامركزية، من هيئة عامة ومجلس ادارة. تتمثل في الهيئة العامة كل البلدات داخل القضاء، وفقا لشطور تُحتسب على اساس عدد السكان في كل بلدة، وهي لا تقوم على اساس طائفي او مذهبي، وينبثق من هذه الهيئة العامة مجلس ادارة لقضاء مؤلف من 12 عضوا وتكون بيده السلطات التنفيذية.

وتعدد عساف الحسنات الكثيرة للامركزية الادارية “فهي تشكل الحل لمختلف المشكلات الحياتية التي يعانيها اللبنانيون، وتوفر الخدمات التي لم تنجح الدولة بتأمينها منذ عشرات السنين مثل الماء والكهرباء ومعالجة النفايات وتأهيل الطرق، وتطوّر السياحة المحلية وتهتم بالبيئة وبالسلامة المرورية. وتدير المجالس المنتخبة الأقضية، فتقيم مشاريع انتاجية وخدماتية واستثمارية لها طبيعة اقتصادية وذات منفعة عامة تؤمن فرص عمل في المناطق، الأمر الذي سيحد من تنقلات المواطنين، ويخفف زحمة السير. كذلك تدخل اللامركزية الديموقراطية الى الادارة، اذ يدير القضاء مسؤولون منتخبون من الشعب، فتصبح ممارسة المواطنين لواجبهم بالمحاسبة والمساءلة أسهل بفعل قربهم من ادارتهم”.

الدولة المركزية والفيديرالية

وردا على تخوف البعض من ان تكون اللامركزية الادارية إلغاء للدولة المركزية وقناعا للفيديرالية تجيب عساف “ان تبديد المخاوف من اعتماد اللامركزية يتم من خلال الاضاءة على مفهومها وعلى ايجابياتها، والحلول التي ستقدّمها على المستوى الخدماتي والحياتي. فبتأمينها للانماء المتوازن والازدهار في مختلف الأقضية، تساهم اللامركزية في تحقيق الاستقرار وبالتالي قد توحّد اللبنانيين. من جهة اخرى لا يلغي تطبيق اللامركزية الادارية دور الدولة المركزية، فمن ناحية أولى، وبخلاف الفيديرالية، تبقي اللامركزية السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بيد الدولة المركزية، إضافة الى مسائل الدفاع والنقد والخارجية والعدل، ومن ناحية ثانية من الضروري والصحي بموازاة اقرارها تطوير وتعزيز اللاحصرية التي تفترض تمثيل كل ادارات الدولة في الوحدات المحلية تسهيلاً لمعاملات المواطنين وتلبية لحاجاتهم، ومن ناحية ثالثة، يفترض تطبيق اللامركزية الصحيح ونجاحها وجود دولة مركزية قويّة تمارس الدور الرقابي الملقى على عاتقها، وتشرف على مبدأ الإنماء المتوازن واحترام الدستور. فينبغي في أي قانون لامركزية، من أجل ضمان نجاح التجربة، ايجاد الآليات اللازمة للرقابة ولتأمين الشفافية والجدية في عمل مجالس الاقضية، اضافة الى الرقابة الشعبية التي يفترض ان يمارسها المواطنون من خلال صندوق الاقتراع”.

وتؤكد عساف أن “تطبيق اللامركزية الادارية وتولي المجالس المحلية ادارة الأقضية، من شأنه الحؤول دون تعطيل المشاريع التنموية والامور الخدماتية في البلد، وتعريض دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية لهذا الانكماش والجمود الرهيب، ويساعد الى حد كبير على أن لا يكون للتجاذبات السياسية على مستوى الدولة المركزية هذا الأثر الكبير على اتخاذ القرارات وسير الخدمات في المناطق، وهذا يعود بالدرجة الأولى الى استقلالية هذه المجالس الادارية والمالية”. وهي تعتبر ان اللامركزية الادارية “قد تكون الحل للمشاكل الانمائية والحياتية التي يعانيها لبنان منذ عشرات السنين، ومن الضروري اقرارها بأسرع وقت تطبيقاً لاتفاق الطائف”.

لا ضرائب ولا صندوق بلدي

يُفترض في أي قانون لامركزية ادارية ان يحترم المبادىء الآتية الواردة في الدستور:

1 – الانماء المتوازن.

2 – لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك.

3 – لا تجزئة ولا تقسيم.

4 – لا فرز للشعب على اي اساس طائفي او مذهبي.

الى ذلك، من الأهمية بمكان أن يؤمّن أي قانون لامركزية ادارية يتمّ اقراره، الموارد المالية لمجالس الاقضية لتمكينها من القيام بمهماتها بالشكل الصحيح. وأقر المشروع الذي وضعته اللجنة مالية مستقلة للمجالس، مدعومة بواردات تجيز لمجلس القضاء الاضطلاع بالمهمات الكثيرة العائدة له. ولهذه الغاية لم يفرض ضرائب ورسوما جديدة (باستثناء الضريبة على الربح العقاري)، انما أعاد توزيع استيفائها تبعاً لانتقال المهمات (وبالتالي جزء كبير من المسؤولية الانمائية) من المركز الى الاقضية. بالموازاة، استبدل المشروع “الصندوق البلدي المستقل” بـ”الصندوق اللامركزي” الذي يراعي ضرورات الانماء المتوازن، ويتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلالين الاداري والمالي، ويحرر أموال المجالس المحلية من التجاذبات السياسية التي تحكم اليوم آلية توزيع أموال “الصندوق البلدي المستقل”، ويُخضِع التوزيع لمؤشرات واضحة موضوعة مسبقاً، الغاية منها تأمين الانماء المتوازن وتصحيح أي خلل أو اعوجاج قد ينشآن من وجود أقضية غنيّة وأقضية فقيرة.

وختاما، ترفض عساف الربط بين مشروعي اللامركزية الادارية والانتخابات النيابية، “إلا انه قد يكون لإقرار قانون اللامركزية تأثير على اعتماد الدوائر الانتخابية في قانون الانتخاب، اي قد يتم الاتفاق على اعتماد القضاء وحدة لامركزية ودائرة انتخابية، وتالياً من المفيد دراسة الموضوعين بالتوازي. من ناحية أخرى، وفي اطار القول بأن تنفيذ بنود الطائف كلّ مترابط، فإن موضوع اللامركزية الادارية يرتدي طابعاً تقنياً وانمائياً، ولا يجب ربطه بأي موضوع سياسي آخر ويجب بالتالي السير به ومن دون ابطاء”.

فبدلا من الجدل القائم والمعرقل حول بدعة جلسة “تشريع الضرورة” وبنودها، ماذا ينتظر النواب لاقرار مشروع قانون اللامركزية الادارية، الذي قد يحلّ معضلة قانون الانتخاب باعتماد تقسيماتها الادارية دوائر انتخابية ويوجِد الحل لمشكلاتنا الحياتية في آن؟