كتب انطوان خوري في صحيفة “الجمهورية”:
حين يسطع نجم الحراك العسكري، تنحني الأخلاق والمبادئ الإنسانية، على إيقاع مجازر تتكرّر خبزاً يومياً، في سوريا، أو وقوداً متواصلاً مِن فِعل غارات السوخوي.الميدان السوري بجديدِه، مع فكّ النظام بمساعدة روسيّة جوّية وأرضية من الحرس الايراني و»حزب الله»، الحصارَ الداعشي عن مطار كويريس العسكري في الريف الحلبي، ليس إنجازاً عسكرياً، بالمعنى الحرفي، بمقدار ما هو تحريك للجمود الميداني المنعكس تصلّباً سياسياً، بحسب ديبلوماسي غير عربي، معنيّة بلادُه بالأزمة السورية، ويُفضي /على ذمّته/ إلى اختراق روسي في جدار التوازن، ما يسَهّل سبيلَ العبور إلى «نص نهائي لمسوّدة الوثيقة»، التي تقدّمها موسكو للنظام السوري وبعض المعارضة، لإطلاق ورشة إصلاحات دستورية، تحتاج ثمانية عشر شهراً للنضوج، تعقبها انتخابات رئاسية مبكرة.
الاقتراح الروسي بنقاطه الثماني، ليس وليد اللحظة الراهنة، وإن كان يسبق جولة فيينا الثانية، نهاية الاسبوع، وأهميته، أنّ على الاطراف السورية الاتفاق على الخطوات في مؤتمر تنظّمه الأمم المتحدة في المستقبل، وجوهرُه، أنّ رئيس النظام بشّار الأسد، لن يرأس عملية الإصلاح الدستوري، وإن كانَ باب مشاركته في الانتخابات المبكرة، لم يُغلق كلّياً.
وهذه النقطة تحديداً، ورقة مساوَمة قوية في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيال المعارضة السورية، والغرب في آنٍ واحد، بحسب الديبلوماسي. غير أنّه يجزم بأنّ خطة موسكو، تجاوَزت الأسد بشخصه، وباتَت تفاصيل الحلّ في رموز النظام «المستمر» وأسماء شخصيات المعارضة القابلين بالمتابعة، مع النظام وبشروط بوتين.
الانسحاب الاميركي من الحلول المباشرة للأزمة السورية، يترجَم فعلياً، بحسب الديبلوماسي، بما يتّفق على اعتباره «تنازلات» وزير الخارجية الأميركية جون كيري، التي مهّدت لصيغة بيان فيينا الاوّل، وطليعتُه إزالة «خريطة طريق» للمرحلة الانتقالية، والتمييز بين مرحلة التفاوض والتحوّل السياسي، في مقابل تسليم موسكو أوراقَ الحل، والحفاظ على النظام وهيكلية الدولة السورية، ونواة الجيش، لتفادي الانطلاق من الصفر في إعادة التأهيل، وإبعاد ترّهات ما يَشهده العراق، الذي عبر في أزمة مماثلة بعد إنهاء مفاعيل»البعث» وفرطِ عَقد الجيش.
ولفهمِ الموقف الأميركي، يجب التنبُّه لِما نُقل عن مسؤول في إدارة سيّد البيت الابيض، باعتقاده أنّ بوتين قضَم أكثر ممّا يستطيع مضغُه في سوريا، وأنّ واشنطن تريد رؤيتَه وهو يُخفق في سوريا، بما يَدفعه الى القبول بضرورة تنَحّي الأسد، كجزء من أيّ انتقال سياسي للسلطة.
ولا يحدّد الديبلوماسي سقفاً زمنياً للسير بالخطة الروسية، إنّما يواكبها بجَسّ نبض، مرفَق بالمساعي التي لا تتعب من التكرار المتزامن مع تكتيكات الميدان السوري، نقطة نقطة، والتي تختصر عناوينها العريضة، بتأهيل النظام مقابل كلّ تقدّم تفاوضي، مع المعارضات «الشرعية» وليس المصنّفة إرهابية.
وهنا بيت القصيد، لدى الديبلوماسي، فالدول الداعمة للمعارضة السورية، خصوصاً الخليجية، تلقّفت ما تخلّى عنه كيري لتعاود في فيينا، لتحصين رصيدها في الاجتماع الوزاري السبت المقبل، في مقابل سعي كلّ من موسكو وطهران، إلى رسم لائحة موحّدة للتنظيمات الإرهابية، ولائحة ثانية للمعارضات الشرعية، تنال موافقة موسكو وواشنطن ودول إقليمية.
برَبط الحراك في فيينا، مع مكّوكية المبعوث الأممي ستيفان دو ميستورا، قد تتّضح الصورة الراهنة، وسقفُها، توفير أهداف قابلة للتحقيق للشعب السوري، وأحدُها تخفيف العنف… والنقطة تتقاطع مع سياسة أوباما، الرامية إلى وجوب أن تؤدّي محادثات فيينا إلى وقف لإطلاق النار، وفتح الطريق امام حلّ سياسي. وما يُوحي بشيء من التفاؤل، أنّ الدول الخمس عشرة الأعضاء في مجلس الأمن، برئاسة لندن، تدعَم تماماً الجهود الأممية، على الأقل في حدّها القليل: وقف النار.