Site icon IMLebanon

فرنسا «محصّنة» أمام الصادرات اللبنانية

AtelierDuMiel-lebanon-honey
محمد وهبة
في آذار الماضي دخلت اتفاقية الشراكة بين لبنان والاتحاد الأوروبي حيّز التنفيذ الكامل بعد مرور 12 سنة على توقيعها، أي إن الرسوم الجمركية أصبحت صفراً بين الطرفين. وبرغم وجود بعض السلع المستثناة أو التي تخضع لفترات سماح، بات بإمكان غالبية السلع الأوروبية الدخول إلى لبنان من دون رسم جمركي أو بمستويات متدنية جداً.

وكان يفترض أن يسري هذا الالغاء على الصادرات اللبنانية إلى دول الاتحاد الأوروبي، لكن الصادرات اللبنانية لم تتمكن بعد من تجاوز القيود الفنية على مواصفات السلع التي تضعها الدول الأوروبية.

هذا الوضع كان محور النقاش في اجتماع عمل عقد في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، دُعي إليه السفير الفرنسي الجديد إيمانويل بون، وعدد من أعضاء مجلس إدارة الغرفة وممثلي هيئات أصحاب العمل وبعض المصدرين. كان الاجتماع مخصصاً للبحث في تقوية العلاقات الاقتصادية الثنائية وتعزيز التعاون بين القطاع الخاص في البلدين. قدّم السفير الفرنسي نفسه من موقع سفير «الأم الحنون» او «العرّاب»، الذي يجب أن يلجأ إليه رؤساء الهيئات ورجال الأعمال، وفق تعبير أحد الحاضرين، الا انه لم ينجح في تقديم الاجوبة المنتظرة، اذ اصطدم النقاش بالافق المسدود امام تنمية التبادلات التجارية بين لبنان وفرنسا، وكرر المشاركون أن اتفاقية الشراكة فتحت الحدود اللبنانية أمام السلع الأوروبية وبينها السلع الفرنسية، إلا أنها فشلت في فتح الحدود الفرنسية أمام السلع اللبنانية بسبب تلك القيود التي تضعها فرنسا على المواصفات، وخصوصاً في مجال الصناعات الغذائية.

التبادل التجاري بين فرنسا ولبنان هو لمصلحة فرنسا منذ سنوات طويلة. كذلك لم يتبيّن بعد أن لبنان استفاد أو سيستفيد من اتفاقية الشراكة الأوروبية في أي مجال صناعي أو زراعي أو خدماتي. فبحسب الإحصاءات الجمركية، إن واردات فرنسا إلى لبنان بلغت في عام 2014 نحو 1.3 مليار دولار، فيما بلغت صادرات لبنان إلى فرنسا 61 مليون دولار، أي ما يوازي 4% من الواردات الفرنسية! وفي الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية بلغت قيمة الواردات الفرنسية 714 مليون دولار في مقابل صادرات لبنانية إلى فرنسا بقيمة 28 مليون دولار فقط. حصّة فرنسا من مجمل الواردات إلى لبنان تبلغ 6%، وتمثّل حصّتها من مجمل الواردات الأوروبية الى لبنان نحو 15%، علماً أن فرنسا وإيطاليا وألمانيا تصدّر إلى لبنان بما قيمته 4.2 مليارات دولار، أي ان حصة هذه الدول الثلث تبلغ 21% من مجمل الواردات الى لبنان البالغة 20 مليار دولار و48.8% من مجمل الواردات الاوربية البالغة 8.6 مليارات دولار، مقارنة بـ 2.4 مليار دولار لواردات الصين الى لبنان، التي تمثّل 12% من مجمل الواردات.

يستورد لبنان من فرنسا المشتقات النفطية والأدوية والعطور ومستحضرات التجميل. ويمثل البنزين والغاز أويل والفيول النسبة الأكبر من الواردات الفرنسية، فيما تمثّل الأدوية ما نسبته 10% من مجمل التبادل بين البلدين، والعطور ومستحضرات التجميل 4%. على الضفّة المقابلة، تُعدّ الاسمدة الزراعية من أهم الصادرات اللبنانية إلى فرنسا وتمثل 22%، و3% نبيذ و3% أدوية و2% مياه معدنية.
لماذا يفشل المصدرون اللبنانيون في اختراق الاسواق الاوروبية، ولا سيما الفرنسية منها؟

الإجابة تكمن في أمرين؛ الأمر الأول يتعلق بعدم قدرة المنتجين اللبنانيين على الإيفاء بالمواصفات الأوروبية التي تزيد الكلفة عليهم. فهناك متطلبات تتعلق بالصحة والصحة النباتية وسلامة الغذاء وصولاً إلى المقاسات والتعبئة والتغليف… فيما هذه المواصفات ليست مفروضة على الجانب الفرنسي، لا بل إن أي إجراء يتخذ لحماية أي سلعة لبنانية تستوجب تحرّكاً عدائياً من سفراء الدول الأوروبية للاعتراض على الرسم الحمائي، تماماً كما حصل عندما قرّرت وزارة الاقتصاد فرض الحماية على صناعة الورق (تحديداً مصنع OPP المملوك من نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش). في المقابل، فإن شركة ليبان ليه التي تعمل بترخيص فرنسي الأصل، لم تتمكن حتى اليوم من إدخال ليتر واحد من الألبان والأجبان إلى أي من الدول الأوروبية. وبحسب رئيس جمعية الصناعات الغذائية منير البساط، فإن العسل يتطلب 80 فحصاً لإدخاله إلى أي من الدول الأوروبية، والألبان والأجبان تتطلب فحوصا تتبع سلسلة طويلة من الإجراءات التي لا تنتهي، وكذلك اللحوم إذ تفرض الدول المستوردة أن تعرف نوعية العلف للحيوانات وصولاً إلى كيفية التربية، وهناك بعض العرقلة في زيت الزيتون… «كل هذه الإجراءات المبالغ فيها لا هدف لها سوى تقييد الصادرات، وكل الدول تستخدم موضوع المواصفات لتخفف من الصادرات الأجنبية إليها ولتحمي منتجات محليّة مماثلة».

أزمة لبنان ليست مع الدولة الفرنسية وسفيرها الجديد الساعي إلى «تعزيز التبادل»، بل هي تكمن في السقف الذي حدّدته لنفسها ولصناعاتها وزراعاتها… أي باختصار لهويتها الاقتصادية التي تبني على اساسها علاقاتها التجارية الخارجية. فعندما تطرأ أي مشكلة تتعلق بمصير موردين أوروبيين خاضعين للاتفاقات التجارية مع أوروبا، يهبّ السفراء الأوروبيون لمطالبة الجهات اللبنانية بالتراجع عن الحماية أو المواصفات التي تعوق تدفق السلع الأوروبية، وتنصاع الجهات اللبنانية المعنية تحت ضغوط الدول الكبيرة برغم أن التبادل لمصلحة هذه الدول (تمثّل الدول الأوروبية نحو 42% من الواردات إلى لبنان). أما عندما تطرأ أي مشكلة تتعلق بمصير موردين يعملون إنطلاقاً من الدول العربية مثل السعودية والإمارات ومصر وسواها… فتقوم الدول العربية بالتذرّع بالمواصفات والقيود التي تمنع إدخال البضائع رغم أن الهدف هو حماية بضائعهم… وينصاع لبنان لهذا الأمر لأن وارداته إلى معظم الدول العربية تكاد توازي صادراته إليها.

المعايير غائبة في لبنان، فالحماية الوحيدة الموجودة هي حماية الأقوى أوروبياً وعربياً، وهذا يسري على فرنسا بالتأكيد. والهوية الوحيدة التي يعرفها لبنان في تجارته الخارجية هي الاستجداء. أما المنتجون اللبنانيون، فليس لديهم من يدافع عن حقوقهم في وجه التجّار، وليس لديهم من يهتم بتخفيض أكلافهم.