ساندي الحايك
تواجه دول العالم تحدياً الكترونياً، يتمثل بتضاعف الجريمة على الشبكة العنكبوتية. فبعدما شرع الفضاء الرقمي المساحات على مصراعيها أمام الأشخاص والشركات والبلدان، للتلاقي والتعاون، في المجالات الاقتصادية والتجارية والمالية، باتت الحاجة إلى ضبطه (الفضاء) عبر قوانين وتشريعات حديثة، ضرورة قصوى، لضمان أمن المتعاملين فيه.
اليوم، نتيجة الاستخدام المفرط للانترنت، المترافق مع التطور الهائل في مجالات البيانات الالكترونية، المستخدمة أحياناً على نحو غير مسؤول، طفت إلى الواجهة أنواع جديدة من الحروب والنزاعات، أبرزها وأخطرها “الحروب الالكترونية”. وبحسب احدى الدراسات التي قدمها “بنك الاعتماد اللبناني” في “ملتقى مكافحة الجرائم الالكترونية” الذي عُقد في فندق “فور سيزنز” الخميس، ونظمته “هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان” و”مكتب مكافحة الجرائم الالكترونية وحماية الملكية الفكرية” لدى المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، بالتعاون مع “مجموعة الاقتصاد والاعمال” تحت عنوان “الاحتيال والقرصنة الالكترونية في القطاعين المصرفي والتجاري في لبنان”. تبيّن بحسب الدراسة أن أكثر من 18 ألف مشترك (شخصي ومعنوي) حول العالم تتعرض حساباتهم – على اختلافها- للخرق والقرصنة يومياً.
أجمع المشاركون في الملتقى على أن السبب الأساسي الكامن في استغلال الانترنت للقيام بعمليات القرصنة الالكترونية والاحتيال المالي، هو ضعف التشريعات والعقوبات المخصصة لهذه الانماط الجديدة من الجرائم حول العالم. وهو ما أكد عليه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بقوله إن “معظم التعاملات المصرفية والتجارية أصبحت تتم عبر وسائل الانترنت، ما زاد من وتيرة الجرائم الالكترونية والاحتيال التي تطال المؤسسات المصرفية والشركات والأفراد في العالم”، مشيراَ إلى أنه “بحسب تقرير اقتصاد المعلومات الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) تحت عنوان (إطلاق إمكانات التجارة الإلكترونية في البلدان النامية)، حلّ لبنان في المرتبة السابعة بين البلدان العشرة الأولى المتقدمة في مجال التبادلات الالكترونية، في منطقة آسيا للعام 2014”.
وأضاف سلامة أنه “بالرغم من النتائج الايجابية التي يحققها لبنان في مجال الاقتصاد الرقمي، فإنه لا يزال يفتقر إلى البنية التشريعية مع غياب القوانين التي تصب في مجال التجارة الالكترونية وحماية المعلومات والبيانات، ومكافحة جرائم الانترنت وجرائم سوء استخدام أنظمة الكومبيوتر”.
اين موقع لبنان التشريعي على مستوى الاقتصاد الرقمي؟
يعيش لبنان حالة من “الفراغ التشريعي” على مستوى الاقتصاد الرقمي وما ينتج عنه من جرائم الكترونية. ويوضح الخبير في قانون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات انطوان عيسى خلال الملتقى أن “أول مشروع قانون قُدم إلى المجلس النيابي حول هذا الموضوع كان مع بداية العام 2000. وظلّ نائماً في ادراج المجلس. بعدها قدم عدد من الاختصاصيين رزمة من القوانين الناظمة للمعاملات الالكترونية والتواقيع والبيانات والاثبات والدفع والفكرية الالكترونية، مرتكزة على تجربة (مشروع التجارة الالكترونية 2004). كما قدم وزير الاتصالات بطرس حرب قانوناً مشابهاً مرتكزاً على الاتفاقية عينها، فدُمج القانونان معاً على يد لجنة (التكنولوجيا والمعلومات) في المجلس النيابي المشرفة على دراسة مشروع القانون، بالتعاون مع لجنة وزارية الفها رئيس الحكومة تمام سلام عام 2012 لصياغة القانون بصورته النهائية بعد الانتهاء من درسه في اللجان المختصة”.
وبانتظار ان تُثمر جلسات اللجان قانوناً، سعى “مصرف لبنان” الى التعويض عن المصارف والزبائن والشركات والافراد، العاملين في السوق المالي الالكتروني، عبر الحد من خطر وقوعهم ضحية الجرائم الالكترونية ولاسيما القرصنة والاحتيال المالي. وبحسب عيسى “قام المصرف المركزي عام 1999 بطلب تعديل مادة في قانون (النقد والتسليف) تتعلق بتوسيع مهامه فيما يتعلق بحق تنظيم اسس التعامل الالكتروني. وأصدر على الاثر عدداً من التعاميم التي سكبت صفة قانونية على حركة التعاملات الالكترونية في البلاد”. وسّع المصرف مهامه في مجال الصيرفة الالكترونية بما أتاح له إصدار تعاميم تنظيمية لتطوير وسائل وأنظمة الدفع، وبصورة خاصة العمليات المجراة عن طريق الصراف الآلي وبطاقات الإيفاء أو الدفع أو الائتمان، وعمليات التحاويل النقدية بما فيها التحاويل الالكترونية، وعمليات المقاصة والتسوية العائدة لمختلف وسائل الدفع والأدوات المالية. بالاضافة الى اصداره التعميم رقم 69 بتاريخ 30/3/2000 الذي عرف العمليات المالية والمصرفية بالوسائل الالكترونية بشكل موسع، وحصر ممارسة العمليات المالية والمصرفية بالوسائل الالكترونية بالمصارف وسائر المؤسسات المسجلة لديه. كذلك حظر منذ حزيران 2013 إصدار النقود الالكترونية (Electronic Money) من أي كان والتعامل بها بأي شكل من الأشكال، كذلك بالنسبة الى ما يعرف بالـ”BIT COIN” نظراَ لضعف قيمتها في الاسواق. كما نظم في حزيران 2013 عمليات التحاويل النقدية بالوسائل الالكترونية، سواء كانت داخلية أو خارجية، التي تقوم بها المؤسسات غير المصرفية. وفي 2014 حظر قبول التوقيع الالكتروني إلا عند توافر العديد من الشروط مجتمعة.
54 نوعاً من الجرائم الالكترونية
“اﻟﺟﺭﻳﻣﺔ ﺍﻹﻟﻛﺗﺭﻭﻧﻳﺔ ﺗﺗﻣﺛﻝ ﻓﻲ ﻛﻝ ﺳﻠﻭﻙ ﻏﻳﺭ ﻗﺎﻧﻭﻧﻲ يقوم على ﺍﺳﺗﺧﺩﺍﻡ ﺍلأﺟﻬﺯﺓ ﺍلإﻟﻛﺗﺭﻭﻧﻳﺔ، ﻳﻧﺗﺞ ﻣﻧﻪ ﺣﺻﻭﻝ ﺍﻟﻣﺟﺭﻡ ﻋﻠﻰ ﻓﻭﺍﺋﺩ ﻣﺎﺩﻳﺔ ﺃﻭ ﻣﻌﻧﻭية”، بحسب ما عرفتها رئيسة مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية والملكية الفكرية في قوى الأمن الداخلي الرائد سوزان الحاج حبيش.
وأوضحت انه “يوجود 54 نوعاَ من الجرائم الالكترونية، لكن الحديث في الملتقى يتركز على الجرائم المالية التي يمكن اختصار اهمها بـعملية السرقة الإلكترونية كالاستيلاء على ماكينات الصرف الآلي والبنوك، تزوير البريد الالكتروني ومراسلة الشركات او المصارف باسم العملاء المعتمدين لديها، وقرصنة البرمجيات”.
وكشفت الحاج أن “أكثر من 100 شركة في لبنان تعرضت لمحاولة احتيال مالية وقرصنة في 18 شهراً”، مشددةً على “ضرورة العمل جدياً للحد من مخاطر الجرائم الالكترونية وخصوصا عبر ايجاد قوانين مناسبة”.
وقدمت فيلماَ أعده مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، يعرض احدى الحالات الجرمية التي وقعت، وكيف تم التعامل معها. وأوضحت الحاج ان عددا من الشركات المالية حول العالم تكبدت خسارة بلغت قيمتها ثمانون مليون دولار أميركي بعملية احتيال واحدة شملت أكثر من دولة في وقت واحد، وكان من بين الشركات المستهدفة بعملية الاحتيال هذه احدى الشركات اللبنانية، . مشيرة الى ان “الحالة الجرمية المرتكبة تعد من الحالات الاخطر التي شهدناها، ولكن بسبب عدم وجود تشريعات مناسبة يجد القضاء نفسه مرتكباً في كيفية اسناد الجرم الى مادة مناسبة من قانون العقوبات”، معتبرة ان “حالة الاحتيال الواردة في الفيلم كانت تتطلب انزال عقوبات مشددة بحق المرتكبين واستعادة الاموال، ولكن عوضاَ عن ذلك حُكم عليهم بناءَ على قانون العقوبات بالسجن ثلاث سنوات فقط”.
وذكرت أنه “فيما يتعلق بالجرائم التي تحصل على مستوى البلدان ويكون للبنان حصة فيها، لا نتمكن غالباً من متابعتها قضائيا بسبب مطالبتنا من قبل الاجهزة القضائية الدولية بوضعهم في صورة القوانين والتعاريف القضائية السارية المفعول لدينا، الامر الذي يركبنا ويربك القضاء اللبناني وبالتالي يمنعنا من التنسيق مع المكاتب الاخرى، ما يؤدي الى عرقلة سير العدالة”.
الى ذلك، اعلنت قوى الامن الداخلي ان “الجريمة الالكترونية ازدادت في السنوات العشر الأخيرة بنحو 680 في المئة، فيما بلغ حجم الخسائر المالية 544 مليار دولار اميركي. و75 رسالة احتيالية تصل يومياً لحوالي 2000 ضحية. و90 في المئة من الشركات و60 في المئة من الاشخاص يقعون ضحية العمليات الاحتيالية”، بالاضافة الى ان “600,000 حساب على موقع (فايسبوك) يتعرض للقرصنة يومياً”. الأرقام الخطيرة تلك تتطلب من الدول النامية تعزيز قدراتها في مجال الحماية وصناعة أمن المعلومات، وتبني سياسات وطنية للربط بين التشغيل والحماية والصناعة والكوادر البشرية.