ذكرت صحيفة “الجريدة” الكويتية انه لا يمكن فصل التفجير المزدوج الذي تعرض له معقل “حزب الله” اللبناني في الضاحية الجنوبية، أمس الأول، وراح ضحيته المئات بين قتيل وجريح، عن سياقات المشهد الإقليمي المشتعل عشية جولة المحادثات الثانية في فيينا بشأن الأزمة السورية.
فالبعض يرى في هذه التفجيرات جرس إنذار عالي الخطورة تجاه التموضعات الجاري تكريسها في المشهد الإقليمي.
ومع اندلاع المعارك على أكثر من جبهة من العراق إلى سوريا، بدا واضحاً أن الصراع مقبل على مرحلة جديدة، وبدأ العد العكسي لتثبيت أسس تلك التموضعات.
أوساط أميركية رأت في تلك التفجيرات رسالة بالغة الأهمية إلى إيران التي بات مطلوباً منها إعادة النظر في سياساتها ومشاريعها الإقليمية، من العراق إلى اليمن، في ظل اختلاط المرجعيات التي تدير عمليات هذا التنظيم.
وأضافت الأوساط أن معركة تطويق “داعش” بدأت، بينما فكرة إقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية بدأت تلقى اهتماماً في أوساط البنتاغون.
ومع تأكيد هذه الأوساط أن تلك المنطقة ستمولها حكومات أوروبية على رأسها ألمانيا، واستعداد تركيا للدفع بعشرة آلاف جندي لتأمينها، وعدم معارضتها من قبل موسكو، على الأطراف الأخرى أن تبادر إلى تقديم اقتراحاتها، ليس في اجتماع فيينا الثاني، بل في منتدى أنطاليا بتركيا، حيث ستعقد قمة الدول العشرين.
وأشارت الأوساط إلى أن موسكو تبدو في طور إعادة تحديد عناوين تدخلها في سورية، بعدما كشفت واشنطن عن أوراقها تجاه مستقبل القتال ضد “داعش”، بينما تولت مستشارة الرئيس الأميركي سوزان رايس التأكيد مباشرة على أن واشنطن لن تقبل بأي دور لبشار الأسد في أي عملية انتقالية بسورية. وهو ما يفسر سحب الورقة الروسية كخريطة طريق لاجتماع فيينا، وظهور الخلافات بين موسكو وطهران حول دور الأسد.
معركة تحرير سنجار التي يقودها مستشارون أميركيون بشكل مباشر في غرفة عمليات قوات البيشمركة، وبدعم جوي من طائرات التحالف الدولي، يقابلها تأكيد على تعديل طرق تسليم السلاح والمساعدات للقوات السورية العربية والكردية التي تخوض معارك مباشرة مع تنظيم داعش من الحسكة إلى الرقة.
بهذا المعنى تكون واشنطن قد رسمت خطوطاً حمراً أمام بقية اللاعبين، عبر تأمين الغطاء والحماية لقواتها وحلفائها، بعد تشديدها على أن مقاتلة تنظيم داعش أولوية رئيسة، وتأكيد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس الأول على أن “داعش” والأسد وجهان لعملة واحدة، التخلص من الأول سيقود حتماً إلى التخلص من الثاني.
وإذا كانت التوقعات تشير إلى أن مرحلة رسم حدود “الدويلات المؤقتة” في سورية تسير وفق هذا السيناريو، فما هو موقع إيران وحصتها فيه؟ وماذا عن مستقبل ذراعها الإقليمية العابرة للحدود المتمثلة بـ”حزب الله”؟
فالاعتراضات الإيرانية التي أخذت في المرحلة الأخيرة أشكالاً متعددة، سواء في علاقتها مع موسكو أو في عودة خطابها المتشدد داخلياً وتجاه ملفات المنطقة، تعكس في الواقع ارتباكاً في تحديد التكاليف التي ستتكبدها طهران إذا أصرت على سياساتها، أو في تحديد الخسائر والمدة التي ستحتاج إليها لـضبط “حزب الله”، مع ظهور عمق الاتفاق الروسي- الإسرائيلي، والأميركي- الإسرائيلي تجاه مستقبل هذا الحزب في المعادلة السورية واللبنانية والإقليمية المقبولة.