IMLebanon

ماذا يُخطّط “داعش” للبنان؟

lebanon-explosion

لم يغلف الغموض مرة أي استهداف ارهابي للبنان وابعاده ومداه كما حصل حيال الاستهداف الأخير الذي نكبت به منطقة برج البراجنة بحصيلة دموية هي الأشد ثقلاً ووجعاً على مجمل اللبنانيين كما على مجمل الواقع السياسي والأمني والعسكري الذي نشأ عقب هذا التطور البالغ الخطورة. ذلك ان واقع الساعات الأربع والعشرين الفائتة التي اعقبت التفجير المزدوج في برج البراجنة كان وحده كفيلاً بتظهير معالم صدمة هائلة اصابت مجمل الأفرقاء السياسيين كما المواطنين بعد مرحلة طويلة من انحسار العمليات الارهابية والتفجيرات ناهزت تقريباً السنة ونصف سنة برزت خلالها معالم مناعة امنية وعسكرية داخلية لا يمكن تجاهلها بدليل ان مختلف الأجهزة الأمنية بلغت حدوداً متقدمة جداً في مكافحة الخلايا الارهابية ومواجهة التنظيمات الارهابية، سواء على الحدود الشرقية مع سوريا والمناطق المتاخمة لها أم في العمق الداخلي اللبناني. وهي صدمة لا تعود الى ما شكله التفجير المزدوج المفاجئ في برج البراجنة من عامل مباغتة في النمط الاستهدافي الارهابي فقط، وانما ايضاً الى تداخل كبير في التقويمات الأمنية والسياسية الداخلية حيال عنصر أساسي مثير للكثير من المخاوف والغموض يتمثل في الدخول الدموي الصارخ لتنظيم “داعش” الى ساحة الاختراقات الأمنية الارهابية في لبنان بمثل هذا العرض المتوحش الذي شهدته برج البراجنة.

في هذه النقطة الأساسية اولاً تعارضت الى حد واسع التقويمات وتالياً التوقعات الداخلية حيال اهداف “داعش” وما اذا كان اقتحامه الدموي لإحدى المناطق الأكثر اكتظاظاً في الضاحية الجنوبية لبيروت عنوان اشعال مواجهة مباشرة مع “حزب الله” لدواع تتعلق بقتال الحزب في سوريا، أم أن أهدافه تتسع الى الأبعد أي إطلاق أولى رسائل التنظيم في اتجاه اختيار لبنان ساحة اضافية من ساحات الاختراق والقتال. ويمكن القول ان وجهتي نظر أساسيتين تمحورت حولهما القراءات والتقويمات السياسية لهذا التطور وما يمكن ان ينطوي عليه من احتمالات مقبلة، يمكن اجمالهما بالآتي:

وجهة النظر الأولى تنظر بخطورة فائقة الى العامل المتمثل بدخول “داعش” على خط الاستهدافات الارهابية والتفجيرية في الساحة اللبنانية من منطلق توجس بان يكون تفجير برج البراجنة انذاراً دموياً صاخباً للبنان وعبره لمختلف الدول المنخرطة في مكافحة الارهاب الأصولي بتوسيع رقعة المواجهة وعدم حصرها بعد الآن بالمواجهة العسكرية في سوريا والعراق بل تمددها الى دول أخرى من بينها لبنان. ويعتقد اصحاب هذه الرؤية ان وتيرة المؤشرات الارهابية التي سبقت تفجير برج البراجنة تشي بان “داعش” أزاح من طريقه سائر التنظيمات الارهابية الأخرى التي كانت تعبث بالأمن اللبناني مثل “جبهة النصرة” وسواها واحتكر تالياً التخطيط والتنفيذ للعمليات الاستهدافية في المرحلة الأخيرة. ولم يكن ادل على ذلك من كثافة العمليات التي نجحت الأجهزة الأمنية من خلالها في توقيف عدد وافر من رؤوس خلايا هذا التنظيم في مناطق لبنانية عدة كان آخرها وابرزها توقيف رأس بارز في “داعش” في طرابلس قبل ساعات قليلة من تفجير برج البراجنة متزامناً مع تعطيل عبوة ناسفة في المدينة وتقدم التحقيقات الأمنية والقضائية في ربط توقيف هذا “الداعشي” وما كان يخطط له بتفجير برج البراجنة. هذا الخيط المهم في التحقيقات يقود اصحاب وجهة النظر انفسهم الى التخوف من ان يكون ثمة هدف استراتيجي لـ”داعش” بنقل عمليات الاختراق الأمني والاستهدافات الى لبنان حتى لو تعذر على التنظيم، أو لم يكن لديه النية في محاولة اختراق الحدود الشرقية اقله في المدى المنظور نظراً الى اعتبارات كثيرة ميدانية واستراتيجية وايديولوجية مختلفة. ولكن ذلك لا يقلل خطورة ان يغدو لبنان هدفاً مركزاً في “بنك الأهداف” الداعشية.

أما وجهة النظر الأخرى، فلا يرى أصحابها في التفجير الأخير مؤشراً حتمياً الى دخول ثابت واستراتيجي لـ”داعش” الى الساحة اللبنانية مقدار ما يشي هذا التطور بضيق التنظيم امام ملامح مرحلة جديدة ومتقلبة في الميدانين السوري والعراقي لجأ معها التنظيم الى سلاح الترهيب الدموي في ساحة جديدة حين سنحت له الفرصة. ويعتبر هؤلاء أن ثمة في الواقع اللبناني نقاط قوة ونقاط ضعف تفرض دوماً التحسب لاستهدافات إرهابية كما كان حصل عام 2013 في سلسلة التفجيرات التي استهدفت مناطق في الضاحية الجنوبية وغيرها وعادت الآن مع تفجير برج البراجنة، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة التسرع في الاحكام تحت وطأة الذعر لأن المعطيات الاقليمية والدولية، كما المعطيات الميدانية في سوريا والعراق، لا تجعل أي هدف محتمل لـ”داعش” في توسيع عملياته الارهابية نزهة سهلة خصوصاً وسط وجود قرار دولي مثبت بمنع اتساع الحرب الى لبنان ودعم الجيش بكل السبل الكفيلة لمواجهة هذا الخطر. في هذا المعنى يرى اصحاب هذا التقويم ان “داعش” يدلل على عمى سياسي حقيقي حين يدفع اللبنانيين بكل فئاتهم الى الاستنفار الأقصى في مواجهته بما يقلل الى حد بعيد فرضية ان يكون هناك أي تواطؤ خارجي يظلل امكان العبث بالاستقرار اللبناني. ولذا يرجح هؤلاء فرضية الاستهدافات الارهابية المتصلة بتطورات الميدان السوري، مما يتعين معه على لبنان الاستنفار الحتمي تحسباً لمرحلة قد تطول وقد لا تطول، ولكنها تستبعد قدرة “داعش” على ما يتجاوز تصيد فرص دموية كتلك التي حصلت أخيراً والتي تفرض استراتيجية أمنية وسياسية استثنائية يملك لبنان على رغم كل شيء إمكانات التصدي لها.