كتبت منال شعيا في صحيفة “النهار”:
وفي اليوم الثاني، بانت التسوية الحقيقية. كانت مجرد انعقاد للجلسة، لا لمضمونها. حدود التسوية انهارت على خطوط الكهرباء وتحرير اموال البلديات. فالمشروع الاول أقر مع شروط والثاني سقط، وتوصية سحب قانون الانتخاب لم يصوت عليها.
وفي اليوم الثاني، استكملت عملية الصرف المالي. 12 مشروع قانون، اكثر من نصفها قروض، اقرها مجلس النواب امس. صدّق المجلس نحو 4 مليارات دولار وسط غياب الموازنات، فكان التشريع مجرد انفاق بلا ايرادات، في دولة بلا حكومة، فحلّ المجلس بديلا ومرّر سلة من القوانين، ابرزها ادرج تحت عنوان مالي عريض: “ادخال لبنان الى عالم الشرعي الدولي المالي”.
هو نقاش مالي بامتياز سمح باقرار مشاريع تتعلق بنقل الاموال عبر الحدود وبتبادل المعلومات الضريبية ومكافحة تبييض الاموال، الى جانب قرض تأهيل معملي الزوق والجية وقرض نقل مياه الليطاني الى الجنوب.
التشريع لم يمنع النواب من استمرار تسجيل ادانتهم للتفجير الارهابي. وكانت لافتة كلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري في مستهل الجلسة اذ دعا “جامعة الدول العربية ومنظمة العمل الاسلامي ومجلس الأمن واجتماع فيينا غدا (اليوم) الى اعلان لوائح سود باسم اعضاء العصابات التكفيرية، واعلان حرب عالمية عليها وعلى مواردها البشرية ومصادر تمويلها وتسليحها وممراتها عبر الحدود السيادية للدول. إن لبنان يواجه حربا ارهابية جديدة على حدوده السيادية، وهو ما يستدعي دعم كل اشقائه الذين يعانون ايضا ارهابا مماثلا”.
وأكد أن “القوى الامنية والعسكرية اللبنانية تحتاج الى الاسلحة والاعتدة”.
وأضاف ان “المطلوب خريطة طريق لحل يعتمد على قاعدة الاتفاق على كل بنود الحوار الوطني الذي دعونا اليه، والانطلاق من انتخاب رئيس للجمهورية”.
وأعلن ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتصل به معزيا بشهداء انفجار الضاحية الجنوبية، “وكذلك الاخ خالد مشعل الذي أكد ان الفلسطينيين الانتحاريين ليسا من لاجئي لبنان، وان السوري أيضا غير مسجل بين اللاجئين في لبنان، وان الفلسطينيين ماتا منذ اكثر من سنتين في سوريا، وقد أكد لي هذا الامر دولة الرئيس اسماعيل هنية من غزة”.
وتلاه رئيس الحكومة تمام سلام معتبرا ان ” مواجهة الارهاب لا تكون بالامن فقط، وانما بمواقف انتاجية على صعيد السلطة التنفيذية”.
وشارك الرئيس فؤاد السنيورة بري وسلام الادانة، مؤكدا انه ” لا يكفي الرد على هذه الجريمة بالتعبير عن الالم بل بوقف الشحن والوقوف صفا واحدا”.
وباسم ” القوات اللبنانية”، تحدث النائب جورج عدوان في السياق نفسه.
تبييض الاموال
تشريعيا، بادر السنيورة الى اعلان تأييده مشروع نقل الاموال عبر الحدود، قائلا: “نحن اليوم في عالم مختلف وعلينا التصرف بحكمة، وهذه القوانين هي التأشيرة التي تدخلنا العالم الشرعي الدولي”.
كادت النقاشات في القوانين المالية الملحة ان تنحصر بين السنيورة ووزير المال علي حسن خليل ونواب كتلة “الوفاء للمقاومة” الذين سجلوا الكثير من الملاحظات، من دون ان يظهروا بمظهر المعارض للمشاريع او المعرقل. بدا واضحا انهم تحلوا بالهدوء والنقاشات المحددة.
فعند النائب علي فياض سلسلة من التساؤلات، اذ انتقد في مسألة نقل الاموال “الذهاب الى اقصى ما تطالب به مجموعة غافي، مقترحا ان تكون قاعدة البيانات الكترونية سرية”.
وفيما سأل النائب سيمون ابي رميا عن مدى تأثير هذا المشروع على السرية المصرفية، اوضح الوزير بطرس حرب ان “العالم كله يعتبر ان الدولة المحافظة على السرية هي دولة خارجة عن القواعد، حتى سويسرا خرجت من السرية”.
وعلق النائب ابرهيم كنعان بأن “لبنان ملتزم مجموعة غافي التي تضم 180 دولة، وهذا القانون ينظم نقل الاموال ولا يؤثر على السرية، بل يحدد العملة النقدية التي تدخل وتخرج”.
إلا ان هذا المشروع طرح اشكالية غياب المجلس الاعلى للجمارك، وهنا انتقد النائب سيرج طورسركيسيان ان تكون السلطات الجمركية هي المولجة التفتيش، ودعا الى ان يتولى مصرف لبنان او هيئة معينة هذا الامر، وسأل عن “مصير الاموال المحتجزة”.
وبعد نقاش، أقر المشروع، واتفق على تحديد المبلغ الذي يجب التصريح عنه بـ15 الف دولار.
وفي مشروع تبادل المعلومات الضريبية لم تؤد النقاشات الى رده، بل صدق كما هو، قبل ان ينتقل النواب الى مشروع تبييض الاموال.
هنا، سجل النائب نواف الموسوي ملاحظاته، قائلا: “ثمة اضافات واسعة مثل الجرائم البيئية وشؤون اخرى، فنريد ان نعرف اهمية هذا التوسع وغايته. أليس في الامر تكبير للحجم؟ أنا مع كل اجراء يطال المخدرات والارهاب والاتجار والجرائم؟”.
أجاب كنعان شارحا عمل اللجنة الفرعية التي درست المشروع، فأوضح ان “مجموعة غافي هي التي تضيف هذه الابواب التي تعتبرها اعمالا غير مشروعة وتخدم الارهاب، وبالتالي اتى المشروع مراعيا لهذه المعايير، ضمن المنظومة الدولية”.
لم يقتنع الموسوي، واقترح حصر المشروع بشؤون الارهاب، على ان تدرج المسائل الاخرى في قوانين خاصة، كما جرى في ما يتعلق بتبادل المعلومات الضريبية.
خلال هذا النقاش، اخذ خليل والموسوي الحيز الاكبر من الكلام، فيما بقي كنعان وحيدا على المقلب الاخر. بدا خليل حريصا على موافقة الموسوي، ومناقشة المشروع المؤلف من 21 مادة، مادة مادة، مما اطال الوقت وتشعبت المداخلات لتشمل الجهة القضائية المخولة اتخاذ التدابير العقابية وتجميد الحسابات، فتضاربت الاراء بين المدعي العام التمييزي ومصرف لبنان. وفي النهاية، ادخلت تعديلات تأخذ في الاعتبار القوانين اللبنانية ذات الشأن، اي ما يتصل مثلا بقانون المحاماة. ورغم ” الثرثرة” والمزايدات صدق المشروع، بعد اكثر من ساعة من الكلام.
“تكهربت” الجلسة
شق كهربائي كاد ان “يكهرب” الجلسة. في الاساس، بدأت التسوية تهتز في منتصف الجلسة، وكان بري يسعى مرارا الى إمرار القطوع. تحدث النائب محمد الحجار عن الازمة المتمادية في الكهرباء، فسأل: “لماذا نريد أخذ قرض اعادة تأهيل محطتي الزوق والجية؟ لان كل الممارسات السابقة كانت خاطئة، وهناك تعثر فاضح”.
كثر الكلام. النواب جمال الجراح وروبير غانم وكاظم الخير، وساد هرج ومرج داخل القاعة وبدأت الانتقادات تعلو بين النواب ضد الوزير جبران باسيل الذي كان غادر القاعة، لا الوزير الحالي ارتيور نظريان.
وقطع بري الجدل: “لست في وارد مناقشة أزمة الكهرباء الآن”.
تولى بعض نواب من “تكتل التغيير والاصلاح” مهمة الدفاع، ولاقاهم الوزير الياس بو صعب. انما اكثر ما لفت هو كلام الوزير أكرم شهيب الذي اخبر كيف حاولت مصر معالجة أزمة الكهرباء بمبلغ اقل بكثير من القرض، وبكمية ميغاواط اكثر، داعيا الى “التمهل في الأخذ بهذا القرض”. وأيده النائب غازي يوسف. انتفض نواب “التكتل”، وتحدث نظريان بشكل خجول شارحا اهمية تأهيل المعملين في هذه الفترة الحالية.
بدا نواب “تيار المستقبل” مصرين على اخذ تعهد بتعجيل التنفيذ، على الرغم من اقتناعهم بجدوى التأهيل لمعملين قديمين. وعلى الرغم من هذا التخوف، أقر قرض اعادة التأهيل مع اضافة تعهد “بتأليف لجنة نيابية مختصة تضع خريطة طريق لأزمة الكهرباء وتراقب تنفيذ القرض وتأهيل المعامل وتطبيق قانون الكهرباء”.
فجأة انهارت “التسوية”، ما ان وصل الحديث الى اقتراح تحرير أموال البلديات. عادت لعبة تصفية الحسابات. ووقف السنيورة ليقول علنا: “لا اتفاق جرى معنا في خصوص هذا الاتفاق”. هو رد على بري الذي حاول امرار الاقتراح، ملمحا الى انه كان من ضمن سلة الاتفاقات او التسويات. رفض السنيورة، وصمت نواب “القوات”، وغضب نواب ” التكتل”.
عارض خليل الاقتراح. ولاقاه شهيب وحرب، ومعهم سلام الذين أكدوا أن ثمة مرسوما في هذا الاطار، وبالتالي لا حاجة الى السير باقتراح القانون.
انحصرت النقاشات حول عنصر التوزيع وتحويل الاموال مباشرة الى البلديات والعائدات الاتية من الهاتف الخليوي. اقتنع كنعان بأن لا جو سياسيا وراء اقرار الاقتراح، وسحب بري يده بعدما ظهر انه أدّى قسطه للعلى. أكمل البنود الاخرى بعجلة، ورفع الجلسة، فيما كانت “خطوط التوتر” تشتعل بين النواب، وتعيد احياء لعبة الاصطفافات.
حوري لباسيل: “مش هيك قلت”
على هامش الجلسة، علّق النائب عمار حوري على كلام الوزير جبران باسيل حول قانون استعادة الجنسية، فقال: “استغرب قول الوزير ان الارهاب اتى في لحظة اقرّ فيها مجلس النواب قانون استعادة الجنسية”.
صمت باسيل، وانبرى الوزير الياس بو صعب الى الدفاع، قائلا: “سماع منيح. مش هيك قال”.
أجابه الرئيس نبيه بري: “ليش انت عم تحكي؟”.
بقي باسيل صامتا لدقائق، وبعدما انتقل النقاش الى مسألة اخرى، وقف ليوضح: “انا قلت ان ابلغ جواب عن الارهاب كان في لحظة اقرار المجلس قانون استعادة الجنسية والتوافق الذي جرى حوله”.
ضحك حوري وقال: “لأ. مش هيك قلت. يمكن هيك قصدت”.