ريهام مقبل
يعيش العاملون في قطاع السياحة بشرم الشيخ أجواء قلق وخوف من المستقبل، في ظل مؤشرات عديدة على تداعيات سلبية لحادث الطائرة الروسية. ورغم ظهور مبادرات محلية وعربية لإنقاذ الموسم السياحي فان أجواء الخوف هي سيدة الموقف.
م. أ، صاحب فندق في شرم الشيخ يتحدث مع DWعربية شريطة عدم ذكر اسمه عن وضع الفندق. معرباً عن مخاوفه من عدم القدرة على دفع الرواتب للموظفين في الشهور المقبلة، وعن عدم تحمل تكلفة الصيانة لخدمات الفندق اذا توقفت عائداته. وأشار إلى أنه يفكر في إعطاء إجازات للموظفين لإعادة حساباته وترتيب فرص الإقامة بغرف أقل. وحث على أهمية وجود الأجانب في شرم الشيخ للحصول على العملة الصعبة. وأضاف: “ما يميًز شرم الشيخ عن غيرها قرب المسافة بينها وبين الدول الأوروبية”. ولكنه يشير إلى أنه لم يخسر كل السياح الروس بسبب استمرار رحلات عبر خطوط جوية أوكرانية، وإن كانت الأسعار مضاعفة، كما أن الأجانب سيكونوا من طبقة غنية لقدرتهم على تحمل تكلفة مثل هذه الرحلات.
مخاوف صاحب الفندق وآخرين مثله، تزداد حاليا في ظل المخاوف من تداعيات سلبية لحادث الطائرة الروسية وتراجع أعداد السياح الأجانب. وفي غضون ذلك ظهرت مبادرات مصرية وعربية لتشجيع السياحة في شرم الشيخ، ولكنها تظل محاولات محدودة لتنشيط السياحة لا سيما في ظل غياب العملة الأجنبية، وهو ما أكده عدد من العاملين في قطاع السياحة بشرم الشيخ في حوارات مع DWعربية معربين عن قلقهم البالغ حول وضعهم هناك.
أزمة غير مسبوقة
وليد بكر، مدير قسم الاستقبال في “منتجع الأحلام” في شرم الشيخ، يصف الوضع في شرم الشيخ بعد سقوط الطائرة لـ DW: قائلاً: “بداية عقب الإعلان عن سقوط الطائرة، لم يكن هناك أي تأثير في شرم الشيخ، وحتى بعد إعلان التنظيم الإرهابي مسؤوليته لم يلتفت الأجانب إليه، واثقين أن التنظيم يسعى إلى تحقيق الشهرة”. وتابع: “ولكن بعد نشر تقارير تفيد إمكانية حدوث عمل إرهابي، انقلب الوضع رأساً على عقب، لأنه ببساطة يعني عدم توفر الأمان”في البلد.
ويبدي بكر تخوفه من إمكانية غلق فنادق كثيرة في شرم، موضحا بقوله: “سمعت أن هناك فنادق كثيرة ستغلق خاصة التي كانت تعتمد على سياح من جنسية واحدة، وكذلك الشركات السياحية المؤجرة كحق إدارة، وبعد هذا الحادث من المؤكد أنهم سيتركون الفنادق”.
وأوضح أن الفندق الذي يعمل فيه تراجعت طاقة التشغيل فيه من 83 إلى 35في المائة، وهو رقم يتوقع أن ينخفض أكثر إذا لم تحل الأزمة. وعن الجنسيات الموجودة الآن في الفندق، أشار بكر إلى “مجموعة من الروس والإيطاليين والأوكرانيين والبولنديين والهنود”. مشيرا أن الهند سوق جديدة بالنسبة لمصر.
وفي حديثه عن تداعيات الأزمة التي يرى بأنها”الأكبر في تاريخ السياحة في مصر”، يرى أن “القرار من الخارج والأزمة سببها مبهم”. فالأزمة كانت أكبر من الثورات المصرية، لأنه كان معروف أن مصر تمر بأزمة وستحل في وقت ما بمجرد هدوء الأوضاع، وكان معروف أن هناك أماكن آمنة منها شرم الشيخ”
. واستطرد بالقول: “حتى عندما تزايد الإرهاب في شمال سيناء، ربط بعض الأجانب شرم بسيناء، ولكن نجح الإعلام في الترويج أن شرم هي البحر الأحمر وبأنها بعيدة عن الأحداث في سيناء”. وتابع: “التقرير النهائي(للتحقيقات في سقوط الطائرة) سيحدث فارقا كبيرا في قطاع السياحة خاصة في حالة براءة مصر”. معتبرا أنه في هذه الحالة”لن يكون هناك حجة للدول الغربية بمنع الطيران”.
المبادرات الداخلية لن تحل الأزمة
وعن المبادرات الداخلية، يقول بكر: “تشجيع السياحة الداخلية سيساعد في حل أزمة العاملين فقط وليس السياحة”. مؤكدا أن المصريين يدفعون أكثر من الأجانب ولكنهم في المقابل يحتاج البلد إلى أجانب بسبب العملة الأجنبية. وأضاف: “هناك مشكلة أخرى متمثلة في إنشغال بعض المصريين بالامتحانات، وبالتالي من يفكر في القدوم إلى شرم سينتظرون حتى إجازة نصف العام الدراسي”.
ويربط بكر حل الأزمة بقرارات من الخارج أهمها شركة “مصر للطيران”، مشيرا إلى قصة سائحة هولندية قالت له أن “مصر للطيران” طلبت منها 500 يورو لعودتها إلى بلادها. وأشار إلى عائلة أخرى كان متبقيا من إجازتهم عشرة أيام، وفضلوا الإنتظار. وعبرت العائلة لوليد بكر عن استيائها من “اتسغلال شركة مصر للطيران قرارهم للمطالبة بـ 800 يورو ثمن للتذكرة”. لذلك طالب بكر شركة “مصر للطيران” توفير تذاكر طيران بأسعار مخفًضة. ولم يتسن لنا الحصول على رد من الشركة المصرية للطيران على هذه المزاعم.
وفي معرض الختام عن تساؤله بإمكانية ترك السياحة بسبب هذه الحادثة، رد قائلاً: “أنا قضيت 17 سنة أعمل في قطاع السياحة، ولا يوجد لدي بديل سوى الانتظار”.
إبراهيم السيد، سائق تاكسي، يشير في حديثه مع DW، إلى الضرر الذي يتعرض له بسبب خوف الزبائن الأجانب من ركوب التاكسي، مفسرا أسباب هذا الخوف: “بسبب تخيُّله أن الحادث مدبر من مصريين”. قائلاً بنبرة حزن”كل شيء متوقف”. وتوقف في الحديث ثم عاد فجأة بأمل وثقة: “سيعودون مجددا..أمامنا مناسبات أعياد الميلاد واجازات الشتاء، ولاسيما ان الطقس عندهم بارد جدا بينما لدينا طقس دافئ وجميل جدا”. قائلا “منتظرين البلد ترجع تاني”.
بدائل ومحاولات للخروج من الأزمة
وحول تحليل التداعيات الإقتصادية للحادثة وتأثيرها على مستقبل السياحة في مصر، يشير إبراهيم الغيطاني، وهو محلل اقتصادي في المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، إلى أن تعليق الرحلات جاء في وقت لا يشهد فيها قطاع السياحة في مصر طفرة أي أنه “قطاع هش”. متوقعاً أن يفقد قطاع السياحة موارد كثيرة تقارب 2 مليار جنيه ( اليورو يعادل 8.3 جنيه مصري) شهريا من إيرادات السياحة.
وأشار في حديثه لـ DW أن قرار البنك المركزي لرفع قيمة الجنيه المصري عشرين قرشاً، سيكون له تأثير على تراجع وضع الاحتياطي الأجنبي.لكنه استبعد انتعاش السياحة مرة أخرى في غضون الإعلان عن نتائج التحقيقات في حادث الطائرة أو حتى الانتظار لبعد 6 أشهر على الأقل.
وشدَّد الغيطاني على كيفية استجابة الحكومة لتجاوز هذه الأزمة، ووصف رسائل الحكومة بالمخيبة للآمال بسبب طمأنتها للسياحة الداخلية وليس الخارجية. مشيرا إلى الإعلانات التي يراها على شاشات غربية مثل شبكة سي إن إن الأمريكية لقطاع السياحة التايلاندية ودول أخرى. متسائلا: “لماذا لا نرى إعلانات مصرية مماثلة على قنوات غربية”. ومن هنا، يرى أن الحل يكمن في الرسائل الإعلامية وتنويع الأسواق. وأردف: “وتجنب فكرة الاعتماد على السوق الروسي لأن أي هزة ستضر قطاع السياحة، وتنويع مصادر السياحة لتشمل سياحة ثقافية وسياحة المؤتمرات والسياحة الطبية”.
ويتوقع خبراء في مصر بأنه أيا كانت نتائج التحقيقات في حادثة الطائرة الروسية، فان قطاع السياحة في مصر سيتضرر ولا سيما عقب قرار بريطانيا وفرنسا تعليق رحلاتهم إلى شرم الشيخ ونقل السياح إلى أراضيهم. وتحتل روسيا المركز الأول في قائمة الدول المصدرة للسياحة تليها بريطانيا. وقد زار مصر العام الماضي نحو 10 ملايين سائح مقارنة بـ 15 مليون سائح عام 2010، وهذا العدد معرًض للتراجع الحاد بعد حادثة الطائرة.