كريستين لاجارد
حين يجتمع قادة مجموعة العشرين في تركيا، ستكون في أذهانهم صور تعتصر القلوب للنازحين الفارين من بلدانهم، بعد أن وقعوا ضحية الصراع المسلح والضائقة الاقتصادية. وقد ارتفعت أعداد اللاجئين في السنوات القليلة الماضية إلى مستويات غير مشهودة منذ عقود، ومن الممكن أن تزداد هذه الأعداد في المستقبل القريب. ويجب أن تكون الأولوية الآنية هي مساعدة اللاجئين – الذين يحملون العبء الأكبر، وبصورة مأساوية في الغالب – للحصول على مأوى أفضل ومستوى أعلى من الرعاية الصحية والتعليم الجيد.
وكثير من البلدان المجاورة لمناطق الصراع – التي رحبت بمعظم اللاجئين – استنفدت طاقتها القصوى لاستيعاب احتياجاتهم. ولتوفير مزيد من الخدمات العامة للاجئين، لا بد أن تحصل هذه البلدان على موارد مالية إضافية، وهو ما يجب أن يضطلع المجتمع الدولي بدور في تحقيقه. فعلى سبيل المثال، تمكنت الأردن مع الدعم الذي قدمه الصندوق من تعديل أهداف ماليتها العامة للمساعدة في تلبية هذه الاحتياجات.
وتجدر الإشادة بالبلدان التي بذلت قصاراها للترحيب بالنازحين. فقد فتحت بعض البلدان أبوابها لأعداد كبيرة من اللاجئين وبذلت كل ما تستطيع لتزويدهم بالغذاء والمأوى. وهناك بلدان أخرى، خاصة بين البلدان المتقدمة، ينبغي أن تنظر في كيفية توسيع المجال أمام استقبال أعداد أكبر.ولكن في نهاية المطاف، هناك شيء واحد بالغ الوضوح، وهو أنه ما من بلد يستطيع التعامل مع قضية اللاجئين بمفرده. نحن نحتاج إلى تعاون عالمي.
ولا شك أن الهجرة عبر الحدود تتخذ أشكالا عديدة. فهي تشمل اللاجئين الذين يضطرون إلى مغادرة بلدانهم والمهاجرين لأسباب اقتصادية الذين يغادرون طواعية بحثا عن فرص. وقد حدث ارتفاع كبير في الرقم الكلي للمهاجرين خلال السنوات الأخيرة، وهو يمثل الآن أكثر من 3 في المائة من سكان العالم. وبغض النظر عن الدافع، فإن قرار المهاجرين اقتلاع جذورهم من الوطن ومغادرة أراضيه هو قرار صعب وقد ينطوي على مخاطر. ولكن بمجرد اجتياز هذه الرحلة، والعثور على موطن جديد والاستقرار فيه، يمكن أن يكون للهجرة – في وجود السياسات الصحيحة – تأثير اقتصادي إيجابي بشكل عام، سواء بالنسبة إلى المهاجرين أو البلد المضيف أو البلد الأصلي (على النحو المبين في تحليل الخبراء قيد النشر).
فالمهاجرون يمكنهم تعزيز القوى العاملة وتشجيع الاستثمار ودعم النمو في البلد المضيف. وتوضح حسابات الصندوق الأولية أن للمهاجرين في بلدان الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، بعض الأثر الإيجابي في النمو.
والأهم من ذلك أن المهاجرين يمكنهم المساعدة في معالجة تحديات شيخوخة السكان في عدد من البلدان المتقدمة. فأبحاثنا توضح أن بإمكان المهاجرين المساعدة في تخفيف ضغوط الإنفاق على معاشات التقاعد والرعاية الصحية على المدى المتوسط. بينما يكون تأثيرهم الصافي في الميزانية بسيطا نسبيا على المدى القصير.
وماذا عن البلدان التي يتدفق منها المهاجرون إلى الخارج؟ لا شك أن هذه البلدان غالبا ما تفقد أصغر السكان سنا وأكثرهم نبوغا، ما يترك انعكاسات ملموسة على النمو. وقد حدث هذا في بلدان الكاريبي، على سبيل المثال، حيث فقدت 50 في المائة من عمالتها الماهرة بين عامي 1965 و2000. وتساعد تحويلات العاملين في الخارج على موازنة بعض هذه الآثار. بل إن بإمكانها أن تشكل مصدرا بالغ الأهمية للدخل – وهو ما ثبت أنه يقود إلى الإنفاق على التعليم العالي والرعاية الصحية. ففي عام 2014، بلغت تدفقات العاملين إلى البلدان النامية 436 مليار دولار أمريكي، أي أكثر من صافي الاستثمار الأجنبي المباشر الكلي وأكثر بكثير من ثلاثة أضعاف المساعدات الإنمائية الرسمية. وإضافة إلى ذلك، يمكن تحقيق منافع أكبر إذا أمكن إحداث مزيد من الخفض لتكاليف معاملات التحويلات. وتشير التقديرات إلى أن تخفيض تكاليف التحويل إلى 1 في المائة من المبلغ المحول يمكن أن يحرر مدخرات قدرها 30 مليار دولار سنويا، أي أكثر من ميزانية المساعدات الثنائية الكلية لإفريقيا جنوب الصحراء! وفي هذا السياق، ينبغي أن ندعم بقوة التزام مجموعة العشرين بتخفيض تكاليف معاملات التحويلات.
والتحدي الرئيسي في هذا الصدد هو تيسير إدماج القادمين الجدد بصورة سلسة – سواء كانوا مهاجرين لأسباب اقتصادية أو لاجئين. ولا شك أن الأمر سينطوي على مشقة ومصاعب في البداية، منها اللوجستية والمالية والسياسية، لكن هذه المشقة والمصاعب ينبغي الموازنة بينها وبين المنافع التي تتحقق على المدى المتوسط إلى الطويل. صحيح أن القول أسهل من الفعل، ولكن الفعل يظل ممكنا.
إذن ماذا تتضمن سياسات الإدماج جيدة التصميم؟
• أولا، تعزيز قدرة أسواق العمل على استيعاب المهاجرين – عن طريق تمكينهم من السعي بصورة آنية إلى الحصول على فرص عمل وتوفير خدمات أفضل للتوفيق بين المهارات المتوافرة واحتياجات السوق.
• ثانيا، زيادة فرص الحصول على التعليم والتدريب عن طريق تقديم خدمات التعليم والتدريب على اللغات والعمل بتكلفة معقولة.
• ثالثا، تحسين الاعتراف بالمهارات عن طريق اعتماد إجراءات بسيطة وشفافة ومعقولة التكلفة للاعتراف بالمؤهلات الأجنبية.
• وأخيرا، دعم رواد الأعمال المهاجرين عن طريق تخفيض الحواجز أمام المشاريع البادئة وتوفير الدعم من خلال المشورة القانونية والاستشارات والتدريب.
وفي السويد، على سبيل المثال، يوجد برنامج تعريفي للاجئين يتولى إعدادهم للعمل وتدريبهم على اللغة لمدة تصل إلى 24 شهرا، إلى جانب المزايا المالية. وقد بدأ البرنامج يساعد آخر موجة من اللاجئين في العثور على فرص عمل – حتى إن كان الأمر لا بد أن يستغرق وقتا لحين تحقيق النجاح الكامل.
نظرا للقوى الديمغرافية والعولمة وتدهور البيئة، فمن المرجح أن تزداد ضغوط الهجرة عبر الحدود في العقود المقبلة. والتحديات العابرة للحدود تتطلب حلولا عابرة للحدود. وبالتالي، يجب أن تركز جهود السياسات العالمية على تحسين التعاون والحوار بين البلدان المتأثرة. ويشمل هذا تشجيع المشاركة العادلة في الأعباء، وتيسير تدفقات التحويلات من العاملين في الخارج، وحماية حقوق العمالة، وتشجيع تهيئة مناخ آمن ومصون لعمل المهاجرين.
وسيؤدي الصندوق دوره في هذا الصدد أيضا، بما في ذلك ما نقدمه من مساعدات في التمويل وبناء القدرات. وإضافة إلى ذلك، ستصبح تحليلاتنا لهذه القضية جزءا من المشورة التي نقدمها بشأن السياسات على مدار الأشهر القليلة المقبلة للبلدان الأعضاء التي تواجه حركات سكانية كبيرة في إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. الهجرة قضية عالمية. ويجب أن نعمل كلنا معا لمعالجتها.