وليد خدوري
أدى تدهور سعر النفط منذ منتصف 2014، والغموض الذي يكتنف مستقبل الأسعار في الأجل القريب، إلى بروز وجهات نظر متعددة ومتناقضة. هناك دراسات للمصارف الاستثمارية الغربية الكبرى التي توقعت سابقاً سعر 100 دولار للبرميل وأن تستمر زيادة الأسعار إلى 200 دولار، والتي ترجّح الآن تدهور الأسعار إلى 20 دولاراً، وهناك وجهات نظر الدول المنتجة الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والسعودية، حيث اعتاد المسؤولون النفطيون الرسميون عدم إعلان توقعات عن الأسعار.
وفي كلمة له خلال اجتماع الطاولة المستديرة السادس لوزراء النفط والطاقة لدول آسيا، الذي عُقِد في الدوحة الأسبوع الماضي بالتعاون مع منتدى الطاقة العالمي، شرح الأمير عبدالعزيز بن سلمان، نائب وزير البترول والثروة المعدنية السعودي، وجهة النظر السعودية حول ما جرى في الأسواق أخيراً والمتوقّع مستقبلاً.
ترى السعودية أن العوامل الأساسية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار، هي الاتجاهات النفطية البعيدة الأجل (العرض والطلب). فأطروحة الرياض هي أن المعطيات المتوافرة تشير إلى «أن الأساسيات البعيدة الأجل لقطاع النفط لا تزال قوية ومتماسكة». وفي مقارنة بالأساسيات خلال فترة الانهيار الكبير للأسعار في 1985، تراوح حجم الاستهلاك العالمي عندئذ حول 59 مليون برميل يومياً، وكان السبب الرئيس لتدهور الأسعار في حينه الطاقة الإنتاجية غير المستغلّة التي بلغت مستوى قياسياً تجاوز 10 ملايين برميل يومياً، أو نحو 17 في المئة من الاستهلاك العالمي. وكلما ازداد حجم الطاقة الإنتاجية غير المستغلّة، كبُر الضغط السلبي على الأسعار. أما في 2015، فيُقدَّر معدل استهلاك النفط بنحو 94 مليون برميل يومياً، في حين أن الطاقة الإنتاجية غير المستغلة، ومعظمها في السعودية، تُقدَّر بنحو مليوني برميل يومياً، ما يعني أن الطاقة غير المستغلّة تبلغ اثنين في المئة من إجمالي الاستهلاك العالمي للنفط. وتشكّل هذه الطاقة الإنتاجية الضئيلة غير المستغلة، وفق الأمير عبدالعزيز، «عاملاً مهماً وأساسياً للحفاظ على استقرار أسعار النفط والاقتصاد العالمي».
وهناك تغيير في عامل أساسي، هو نمو الطلب على النفط نحو 1.5 مليون برميل يومياً في 2015، على نقيض الثمانينات، حين انخفض الطلب بما يزيد عن 2.3 مليون برميل يومياً بين 1980 و1984. لكنّ هناك مؤشراً سلبياً حالياً: عدم تكرار النمو الكبير الذي شهدته أسواق آسيا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فنمو الطلب على النفط أصبح معتدلاً نتيجة جهود تحسين كفاءة استخدام الطاقة واستخدام بدائل النفط. ومع ذلك، أضاف الأمير عبدالعزيز، على الصناعة النفطية «ألا تغفل عن حقيقة زيادة نطاق العولمة والتصنيع والتحضر والتنمية المتسارعة»، فهذه العوامل تعتمد على الطاقة، وستستمر في تقليص حجم الطبقة الفقيرة، وزيادة حجم الطبقة المتوسطة من مستواها الحالي البالغ 1.8 بليون شخص إلى 3.2 بليون بحلول 2020، ثم إلى 4.9 بليون بحلول 2030، وسيكون لقارة آسيا النصيب الأكبر من هذه الزيادة السكانية. وستتألف الطبقة المتوسطة الجديدة من شريحة الشباب التي تتطلع إلى زيادة استهلاكها. وستساهم هذه التركيبة السكانية الشابة، إضافة إلى رفع مستويات الدخل، في تصاعد اتجاه الطلب على الطاقة.
تطرح هذه الفرضية السعودية حول مستقبل الصناعة النفطية، سؤالين للمراقب. أولهما: في الأجل البعيد، ما هي أبعاد التطورات التقنية على الصناعة النفطية؟ فالسوق الرئيسة للنفط هي قطاع المواصلات، لكن هناك محاولات دائبة لتطوير السيارات الهجينة لتقليص استهلاك البنزين والديزل. وثانيهما: ما هو تأثير التقلبات الاقتصادية في الدول الناشئة في الطلب النفطي المرحلي؟ فهذه التقلبات، كالتي تحدث الآن في الصين والبرازيل، تقلّص الطلب النفطي العالمي ومن ثم تؤثر سلباً في الأسعار. لذلك، فعلى رغم أن زيادة الطلب من الدول الناشئة ساعد وسيساعد كثيراً في تحسين الأسواق العالمية لمصلحة المنتجين، تبقى الصناعة النفطية مهددة بالتقلبات الاقتصادية في الدول الناشئة، وخير مثل على ذلك هو أزمة سوق النفط الآن.
وللصناعة النفطية متطلبات، خصوصاً توافر سعر معقول لإنتاج النفط. قال الأمير عبدالعزيز: «بينت الاستجابة السريعة للصناعة النفطية، لما تشهده السوق في الوقت الحالي من انخفاض في الأسعار، أن استدامة الاستثمارات وزيادة الإنتاج لا يمكن تحقيقهما بأي سعر. فمع أن موارد النفط في باطن الأرض كثيرة ووفيرة، ليست الموارد الفنية والبشرية المطلوبة لتطوير هذه الموارد كذلك». فحوى القول أن الصناعة النفطية تتأثر بالتقلبات الحادة في الأسعار، «فقد ألغي خلال 2015 نحو 200 بليون دولار من الاستثمارات، كما أن الشركات العاملة في الطاقة تخطط لخفض استثماراتها لعام 2016، بنسبة تتراوح بين ثلاثة وثمانية في المئة. كذلك، فالدول المنتجة، وتحت الضغوط المالية المتزايدة، تخفّض استثماراتها في قطاع الطاقة وتراجع خططها التطويرية في هذا الشأن». وسيؤدي «خفض النفقات الاستثمارية إلى تأثيرات كبيرة وبعيدة الأجل في إمدادات النفط المستقبلية… فقد حصل تأجيل أو إلغاء لمشاريع مخصصة لإنتاج نحو خمسة ملايين برميل يومياً».
النتيجة أن بعد ثلاث سنوات من النمو الإيجابي، يُتوقَّع «أن تنخفض إمدادات الدول المنتجة من خارج منظمة أوبك في 2016، أي بعد سنة فقط من خفض الاستثمارات. أما بعد 2016، فسيحصل انخفاض إمدادات الدول المنتجة من خارج أوبك بوتيرة أسرع، لأن إلغاء المشاريع الاستثمارية وتأجيلها، سيظهر تأثيرهما في الإمدادات المستقبلية، كما سيتلاشى تدريجاً تأثير الاستثمارات في مجال إنتاج النفط التي جرت خلال السنوات الماضية». هذا يعني أن من الممكن تحسّن وضع الأسواق ابتداء من 2016 نظراً إلى انخفاض مستوى الإمدادات، ما سيؤدي بدوره إلى انخفاض مستوى المخزون التجاري العالي. وهكذا تؤكد السعودية مرة أخرى، المنطلقات الأساسية لسياساتها النفطية، في وقت تُجرى اتصالات مع بقية الدول المنتجة داخل «أوبك» أو خارجها قبل الاجتماع الوزاري المقبل لمنظمة «أوبك».