IMLebanon

مؤشرات على انتهاء حفل العقارات التجارية في لندن

london

كلير باريت

إلى أين تتجه سوق العقارات التجارية في المملكة المتحدة؟ كان هذا هو السؤال الذي طرحته على أكثر من 200 شخص خلال قمة العقارات السنوية التاسعة لـ “فاينانشيال تايمز” في لندن – والإجابات التي قدمتها مجموعات مشاهير عالم العقارات ستكون مهمة بالنسبة للذين يستثمرون في الشركات العقارية والصناديق العقارية وحتى الشراء للتأجير.

إن محور الاستثمار في العقارات هو معرفة توقيت الدورة. هذا هو الجزء السهل – أما الجزء الصعب فهو معرفة متى ستوشك الموسيقى على التوقف. وفي قطاع حيث تتكرر الأحداث نفسها في الغالب، يميل الناس لأن يكونوا متفائلين كثيرا وأصحاب ذاكرة قصيرة.

أول عمل صحافي لي كان في مجلة مختصة بالعقارات التجارية، حيث تسببت في أضرار لا حصر لها في كبِدي وأنا أغطي ازدهار العقد الأول من القرن الحالي، ومن ثم بعد فاصل قصير لتغطية الممتلكات الدولية انضممت لمجلة “وقائع المستثمرين” في عام 2008، تماما عندما هبطت أسعار السوق هبوطا حادا.

أثناء الاستماع إلى المتحدثين في مؤتمر “فاينانشيال تايمز” الأسبوع الماضي، كان الأمر يبدو من نواح عديدة وكأن أحداث عام 2007 تتكرر مرة أخرى. كان هناك شعور بالعصبية يراودني بأن الحفلة على وشك الانتهاء.

انخفضت عائدات الاستثمار على العقارات التجارية إلى مستوياتها التي كانت عليها في عام 2007، وتقلصت أكثر حتى من ذلك في كثير من المواقع في جميع أنحاء أوروبا. لكن الأحداث التي جلبت ذلك التحول الدوري على وشك أن تتغير.

كانت سنوات أسعار الفائدة التي وصلت إلى القاع والكميات الضخمة من التسهيل الكمي هي نظام الدعم الحيوي لقطاع صناعة العقارات، ما سبب كسادا اصطناعيا لعائدات السندات وجعل العقارات الأشد خطورة تبدو جذابة في أعين عدد أكبر من الناس. أصبحت لندن ملعبا عالميا للمستثمرين الأجانب، ما أدى إلى رفع أسعار الأصول إلى مستويات أعلى حتى من قبل، وانخفاض العائدات إلى مستوى أدنى من أي وقت مضى. لكن الآن يتطلع الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة، ويبدو احتمال حدوث مرحلة أخرى من برنامج التسهيل الكمي أمرا ضئيلا.

مايك برو، محلل العقارات المخضرم في جيفريز، صاغ مصطلح “سياح العقارات” ليشير إلى المستثمرين الأجانب الذين يقضون فقط عطلاتهم في قطاع العقارات (على الرغم من أنهم كانوا مسؤولين تقريبا عن 60 في المائة من حجم الاستثمار في لندن خلال السنوات الأخيرة). أصبح برو تشاؤميا حيال الصناديق الاستثمارية العقارية الكبرى المدرجة في البورصة هذا الصيف بعد أن ارتفعت قيمة القطاع بمقدار الضعف خلال أربع سنوات.

هناك آخرون يصبحون متحمسين إزاء آفاق النمو في أجور العقارات، لكن في رأي برو دورة العقارات على النحو الذي نعرفه هي الآن “معطوبة” وما يسمى “الجدار المالي العظيم” الآتي من صناديق الثروة السيادية، الذي يستهدف العقارات الفاخرة في وسط لندن، تمت إزالة عدد من طبقاته. تجلى هذا الشعور بالتأكيد من خلال المندوبين الذين قابلتهم واجتمعت بهم الأسبوع الماضي – على الرغم من أنه (كما هو شائع في اجتماعات العقارات) لم يكن أي أحد يريد استخدام كلمات مثل الانهيار، أو التصحيح.

الانهيار، أو “التصحيح”. لقد قلتها – لكن هل أحدهما على وشك الحدوث؟ ليس للأسباب نفسها كما حدث آخر مرة. العوامل التي تسبب القلق للصناديق الاستثمارية العقارية الكبرى المدرجة في المملكة المتحدة ومستثمري صناديق العقارات تشتمل على أدلة متزايدة على أن “السياح” يسعون للخروج من سوق لندن، وكذلك سلسلة الأحداث التي يمكن أن يطلقها ذلك.

أخبرني مستشارو العقارات أن عملاءهم الآسيويين على وجه التحديد كانوا يتبادلون أحاديث تتعلق ببيع واختبار السيولة الأسطورية لسوق الاستثمارات في لندن – ما يوحي بأن السبب في هذا كان تقلبات أسعار العملة وتغير الاحتياجات الاستثمارية في الوطن. وتقدر بيانات وردت الأسبوع الماضي من شركة جريت بورتلاند ستيتس Great Portland Estates أن مكاتب الحي المالي في لندن التي تستحق أكثر من 6.1 مليار جنيه استرليني معروضة الآن للبيع في السوق الاستثمارية “إذا كان هذا صحيحا، فهو يعني زيادة نسبتها 510 في المائة منذ أيار (مايو)، وأكبر كمية منذ خمس سنوات” ما يشير إلى أن ضغط العائدات اقترب من نهايته. إذا كان السياح يرحلون، من الذي يشتري؟

لا نعلم حتى الآن ما إذا كنا نشهد بداية عملية إعادة تسعير بالجملة للعقارات التجارية – لكن الفارق الكبير هذه المرة هو أن مصارف المملكة المتحدة ليست مكشوفة لهذا الأمر في أي مكان. انتشرت صناديق الثروة السيادية والأسهم الخاصة – ولا سيما من الولايات المتحدة – وصناديق السندات الجديدة من أجل سد الفجوة المالية.

وبغض النظر عن الطريقة التي سيتكشف بها كل هذا، كان الموضوع الرئيسي الآخر المنبثق عن المؤتمر هو اللامركزية.

تحول المستثمرون المحليون الكبار بما في ذلك “إم آند جي”، الذين لم يكن في مقدورهم دفع الأسعار المطلوبة في لندن، إلى تطوير مكاتب المضاربة في المدن الإقليمية الست الكبرى – إدنبرة، وجلاسكو، ومانشستر، وليدز، وبريستول، وبيرمنجهام – بحثا عن عائدات. إنها استراتيجية محفوفة بالمخاطر (ناهيك عن أنها استراتيجية تتوقع مكافأة أوائل الوافدين من خلال عائدات بأرقام من خانتين) لكن الندرة النسبية لتطوير المكاتب الجديدة في تلك المراكز أدت إلى إيجارات جديدة بأسعار معقولة لشركات التكنولوجيا ومجموعات الخدمات المهنية الكبيرة.

انتقلت بيرمنجهام في غضون عام واحد من المرتبة الـ16 إلى المرتبة السادسة في قائمة المواقع المرغوبة من قبل مستثمري العقارات. وتم التأكيد على هذا من خلال قرار بنك “إتش إس بي سي” نقل مقر مصرفية التجزئة الخاص به إلى المنطقة (علينا ألا ننسى أن بنك ميدلاند ولد في تلك المنطقة في المقام الأول). ولم تصبح منطقة وسط لندن فقط مكلفة لمستثمري العقارات والمطورين – بل أيضا للشركات التي تدفع لاحتلال تلك الصروح.

تعتبر إيجارات المكاتب جزءا واحدا فقط من المعادلة – تعلم الشركات أن القدرة على تحمل تكاليف إيجارات المساكن وتكلفة التنقل من الأمور الحاسمة أثناء عملية توظيف الأشخاص والاحتفاظ بهم. ووفقا لمطوري العقارت، بدلا من عدد أماكن اصطفاف السيارات، كان موضوع توظيف الشباب الموهوبين في قمة أولويات جميع الشركات الكبرى التي تحدثوا عنها، والتي سعت لإيجاد مقرات جديدة لها. ذكروا أن خريجي اليوم أشخاص أكثر قدرة على التحرك ويعتبرون العمل في لندن أو مانشستر مشابها للعمل في برلين وبرشلونة.

بعض من أكثر الجلسات ازدحاما في المؤتمر تناول سكن الطلاب وإيجارات قطاع الأفراد، أو الكيفية التي يمكن لشركات التطوير العقاري أن تستفيد بها من الطلب من الجيل المولود في الثمانينيات والتسعينيات من خلال بناء مساكن للإيجار بالجملة. صندوق PRS من شركة إم آند جي لديه طابور من رأس المال في الوقت الذي يتدافع فيه المستثمرون للدخول في القطاع، كما قيل لنا. هذا يفترض فيه أن يعطي بعض الغوث لمستثمري “الشراء من أجل التأجير” في بيرمنجهام وما وراءها.