كتبت ثريا شاهين في صحيفة “المستقبل”:
يكتسب تعيين الإدارة الأميركية السفير ريتشارد جونز قائماً بالأعمال للسفارة الأميركية في بيروت اهمية خاصة، ولو أنّ الأمر يأتي طبيعياً بعد انتقال السفير دايفيد هيل إلى باكستان، وانتظار تعيين سفير جديد خلفاً له.
الأهمية الخاصة لذلك، وفقاً لمصادر ديبلوماسية في واشنطن، أنّه بعدما غادر السفير هيل مركزه في بيروت بصورة مبكرة، وقبل نحو سنة من الموعد الذي كان مفترضاً لمغادرته، وتعيينه سفيراً في باكستان، فإنّ الإدارة لا ترغب في إرسال رسالة خاطئة إلى لبنان، بتركه دون تعيين سفير، مع ما يعني الأمر من تراجع في مستوى الاهتمام، وبالتالي قصدت الإدارة بتعيين جونز للمرحلة الانتقالية، إرسال رسالة واضحة بأنّ الولايات المتحدة لم تترك لبنان، ولم تتراجع عن الاهتمام بقضاياه، وأنّه لدى الإدارة مسار ونظام محدّد من أجل أن يتم تعيين سفير جديد وأن يتسلّم هذا السفير منصبه. وكل ذلك يأخذ وقتاً، فضلاً عن التجاذبات بين الجمهوريين والديموقراطيين. لذا تم تعيين جونز وأتت به الإدارة من التقاعد وهو يتميّز بصفات عالية من الديبلوماسية والخبرة في ملفات الشرق الأوسط، وتم تعيينه كقائم بالأعمال، وهو معروف من لبنان، وقد عمل سفيراً في بيروت بين عامَي 1996 و1998، وكذلك عمل سفيرا لدى كل من الكويت وإسرائيل.
وجونز سيتمتّع بأداء يعكس سياسة إدارته ككل سفير، وسيتبع تعليماتها حرفياً. كذلك انه ككل سفير لديه ظروفه السياسية من وجهة النظر الأميركية.
وخلال مدة عمله في بيروت التي قد تمتد إلى مطلع الصيف المقبل، سيؤكد سياسة بلاده تجاه لبنان، وأبرز ما تشدّد عليه، الدعم الدائم والمستمر للبنان ولسيادته ووحدة أراضيه، كذلك دعم الإدارة الأميركية للاستقرار اللبناني ولتحييد لبنان عن الأزمات المحيطة به، فضلاً عن دعم الجيش، والنظام المصرفي، ومساعدة لبنان في عملية إيوائه اللاجئين السوريين. وقد بلغت قيمة الدعم الأميركي للجيش اللبناني في السنوات العشر الأخيرة ملياراً و200 مليون دولار وهي كناية عن تجهيزات وأسلحة وتدريب وذخيرة دقيقة وذكية وتعاون مخابراتي، وستقدم واشنطن للجيش بعد نحو سنة طائرات من نوع “سوبر سوكامو”.
وأوضحت المصادر انّ الولايات المتحدة تحضّ اللبنانيين دائماً على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت. لكنها لم تقم بجهد استثنائي للضغط في اتجاه انتخاب رئيس، لأنّ المسألة لبنانية داخلية أولاً، ثم انها مدركة ان الوضع اللبناني لا يسمح بانتخاب رئيس، كما أنّها مدركة أيضاً أنها ليست وحدها على الساحة وهناك أطراف اخرى مؤثرة. وبالتالي، ليس الوقت الآن مناسباً بالنسبة إلى واشنطن لكي تتباحث مع بقية الأطراف المؤثرة في انتخاب رئيس للجمهورية.
على أنّ الولايات المتحدة تعتبر أنّه من الآن وحتى إنضاج الظروف المؤاتية لانتخاب رئيس، يجب على لبنان أن يحافظ على استقراره، وعلى انتظام عمل المؤسسات وتحديداً البرلمان ومجلس الوزراء، وتفعيل ذلك. وهناك دعم أميركي لرئيس مجلس الوزراء تمام سلام. وقد كانت الولايات المتحدة على علم بالمبادرات الفرنسية لانتخاب رئيس وهي كانت داعمة لفرنسا وللاتحاد الأوروبي في مساعيه مع إيران لتسهيل انتخاب الرئيس. لكن أي تجاوب إيراني لم يحصل لانّ إيران تربط الملف اللبناني بأية مكتسبات ترى أنها يجب الحصول عليها في الملف السوري.
وأهمية دعم عمل المؤسسات، من أجل أن لا تنفرط، بحيث أنّ أي انفراط يؤدي إلى التأثير سلباً في مسار الاستقرار القائم.
كما أنّ بين الولايات المتحدة ولبنان تعاوناً في مكافحة الإرهاب، وهذا كان محور الزيارة التي قامت بها لبيروت الأسبوع الفائت نائبة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الحدّ من التسلّح والأمن الدولي روز غوتيمولر. وتدرك واشنطن انّ لبنان وفي اطار محاربة الإرهاب معني بمحاربته لا سيما المتأتي من “داعش” والذي ضرب لبنان قبل أيام، ثم ضرب فرنسا قبل يومين، ولبنان على تواصل مع دول تحاربه، مع الإشارة إلى أنّ امكانات الدول الكبرى ليست متوافرة لدى لبنان الذي يتعرّض لخطر الإرهاب في الداخل وعلى الحدود. في كل الأحوال لدى لبنان جهوزية لمكافحة الإرهاب ولديه رؤية واسعة وخطط كاملة، والجيش حريص كل الحرص في كل هذه العملية، على السلم الأهلي والعيش المشترك، والزيارات الأميركية الرسمية ستستمر لدى كل أمر يتوجب ذلك.