Site icon IMLebanon

معالجة “الديون المتعثرة”.. إنقاذٌ إقتصادي أم تأمين “مصالح”؟

Banque-du-Liban-2
الإقراض المصرفي يحمل في طياته العديد من المخاطر، من ضمنها تعثر بعض التسليفات والقروض. وتتسبب الديون المتعثرة بقلق القطاع المصرفي، اذ تؤثر بصورة مباشرة على المركز المالي للمصرف ونتائج أعماله، وتحد من قدرته على الاقراض وممارسة دوره في عملية التنمية، ما قد ينعكس سلباً على الإقتصاد ككل. فيما تنعكس معالجة الديون المتعثرة ايجاباً على النتائج المالية للمصرف.

ضمن إطار المعالجة، طالب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بمعالجة ملف الديون المتعثرة للمؤسسات والأفراد، “خصوصاً بالنسبة إلى المؤسسات المتعثرة، القابلة للإستمرار في عملها، تحسباً لتوقفها عن الإنتاج وصرف عمالها وموظفيها ومستخدميها”. وبناءً عليه، أصدر المصرف تعاميم تنظم آليات تعامل المصارف مع عملائها المتعثرين. لكن للمصارف حق تقرير مَن هم العملاء المتعثرين القابلين للإستمرار، ومصرف لبنان يتوافق مع جمعية المصارف على التعامل بمرونة وموضوعية، خصوصاً مع الذين يجدون صعوبة في الإيفاء بالتزاماتهم المستحقة للمصارف.

في المبدأ، فإن “النيّة” في مساعدة المؤسسات المتعثرة، يُنظر إليها من باب الإيجاب، لكن للمسألة أبعادا أخرى، تحديداً عند التدقيق في عملية ترك الخيار للمصارف في تحديد من يستحق المساعدة، دون سواه. على مستوى النيات، يكون مصرف لبنان قد ساهم في حلحلة أزمات المؤسسات المتعثرة، والتي تزداد أزماتها في ظل الظروف الصعبة التي يعانيها الاقتصاد اللبناني اليوم، خاصة وان “المشكلة الاساسية لهذه المؤسسات هي المصاريف اليومية، والتي قد يكون حلها الأنسب، عن طريق إعادة جدولة القروض”، وفق مصادر “المدن” في وزارة المالية. والى جانب الموقف الايجابي، ترك سلامة نافذة يمكن استعمالها بشكل سلبي، وهي التركيز على المؤسسات التي لديها امكانية الاستمرارية، لأن هذا التخصيص، يعني استنساب المصارف للمؤسسات، وبالتالي انقاذ النسبة الأقل من المؤسسات، ما سيفتح الباب أمام “تشغيل” الواسطات والمعارف، وبالتالي ستؤدي الممارسة الى ظلم الشريحة الأكبر من المؤسسات التي ستواجه ضرورة دفع ديونها، والا “يضع المصرف يده على الضمانة”، أي على المرهون.

هذا الاجراء قد يكون إيجابيا إذا “استطاعت المصارف إنقاذ معظم المؤسسات المدينة واسترداد القسم الاكبر من أموالها، عبر الضمانة الموضوعة، ويكون سلبيا إذا عمدت المصارف الى اتباع سياسة قاسية جدا عندما تقوم بتحصيل الضمانات”، تضيف المصادر. وهنا قد تقع المصارف في إشكالية منعها من التملّك بشكل مباشر، “فإذا أعطى المصرف قرضا لفرد لشراء سيارة وتوقف عن سداد دينه لا يمكن للمصرف تملّكها بل يقوم ببيعها بأي ثمن قد يحصل عليه”. والاشكالية تضع مصرف لبنان امام امتحان الدور الايجابي و”الانقاذي” لحوالي 70% من مؤسسات لبنان، اما في حال حصول العكس، فتكون العملية عبارة عن لعب المصارف “لدورها في الانظمة الرأسمالية”. وتشير المصادر الى ان نجاح الخطوة، يعني “استباق التصنيف الإئتماني للبنان” بشكل ايجابي.

المسألة ما زالت غامضة حتى الآن، ويزيد ربط التقييم بالمصارف من هذا الغموض. وهو ما يزيد احتمال مساعدة مؤسسات “الأصدقاء”، على حساب المؤسسات الأخرى التي تحتاج فعلاً الى مساعدة. وحاكم مصرف لبنان، لا يريد حقاً “كسر” الشركات المتعثرة، والتي تمثل الطبقة الوسطى بالنسبة للمجتمع الاقتصادي.

وسط هذا الغموض، سُجّل تراجع في النشاط التسليفي للمصارف، وردت المصادر سببه الى أنه “عند الرغبة في أخذ قرض يكون وضع المدين مترديا بالمطلق بسبب الاحوال الاقتصادية السيئة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك شروط تفرضها المصارف لإعطاء القرض. هذه المصارف تتشدد خوفا من التعرض لمخاطر القطاع الخاص، فالمصارف تعرّضت بشكل كبير لمخاطر القطاع العام عبر شرائها سندات الخزينة، لذلك لديها مخاوف كبيرة من التعرض لمخاطر القطاع الخاص، لأنه إذا حصلت “هزّة” إقتصادية أكبر من الحاصلة حاليا، ستكون المصارف أول من يُفلس، على عكس الدولة، لذا هي تقلل من احتمال تعرّضها للمخاطر عبر التشدد في إعطاء القروض”.

من المفيد اليوم الحديث عن معالجة الديون المتعثرة، فذلك يساعد المجتمع الاقتصادي الداخلي، عبر اعادة ضخ الحياة في المؤسسات، ويساعد المجتمع العالمي عبر تعزيز الثقة بالاقتصاد، تحديداً تعزيز الثقة بالمحافظة على الاستقرار النقدي والإئتماني.