زارت لبنان مؤخراً بعثة من صندوق النقد الدولي، ضمن مهة استطلاعية حول تطورات الوضع بالنسبة إلى الاستقرار المالي واداء القطاعات، واجتمعت مع المسؤولين في مصرف
لبنان وهيئة الرقابة على المصارف ضمن مهمة «fsap» (فساب) المعنية بالتطورات المالية. وعلمت «السفير» أن البعثة ستعود إلى لبنان في شهر شباط المقبل، لمتابعة التطورات المالية والنقدية، واعداد تقرير حول المؤشرات ونتائج القطاعات في ضوء تطورات النشاط المالي والمصرفي. وكانت مهمة وفد الصندوق، خلال زيارته الأولى، اعداد تقرير حول الاستقرار المالي، ويرتقب أن تعد التقرير مع الهيئات الرقابية ولجنة الرقابة على المصارف .
اثيرت خلال اللقاء الشهري الأخير، بين حاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف جملة أمور أساسية، تتعلق بالتضييق الخارجي على المصارف اللبنانية، والتي ذلل قسم منها، بعد اقرار المجلس النيابي بعض مشاريع القوانين الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب، ومكافحة تبييض الأموال، وتطبيق الاتفاقية الدولية الرقم 1999، كذلك تطبيق تعديلات القانون 318 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال. بعدما كان لبنان غائباً عن اطر المكافحة الدولية والتزام معاييرها. هذه التشريعات حدت من تزايد الضغوط الخارجية على لبنان، إلى حد ما، من دون رفع لبنان من تحت منظار المراقبة.
وفي هذا الاطار كان موضوع المصارف اللبنانية العاملة في العراق موضوع تضييق جديد، نتيجة الكتب التي تلقتها جمعية المصارف ومصرف لبنان حول هذا الأمر، حيث تتعرض المصارف اللبنانية (عددها حوالي 9 مصارف) من البنك المركزي في بغداد إلى تدابير ومواقف غريبة وغير مسبوقة. فقد اعلم البنك المركزي العراقي المصارف اللبنانية أن فروعه في أربيل والسليمانية لم تعد ترتبط به ادارياً وتنظيمياً أو مالياً، بل ترتبط بوزارة المالية في الإقليم، وانه لايعترف بالمبالغ المودعة لدى هذه المصارف بالدولار الأميركي وبالدينار العراقي. ومعروف في هذا الاطار أن المصارف اللبنانية تودع لدى المصرف المركزي في المنطقتين حوالي 90 مليون دولار.
مما يعني أن المصارف اللبنانية العاملة هناك مضطرة لتكوين مؤونات بحوالي 90 مليون دولار قبل نهاية العام الحالي، لحفظ حقوق المودعين والمتعاملين قبل نهاية العام الحالي .
وأكد مصرف لبنان أنه تلقى كتاباً مشابها من المصرف المركزي العراقي، وان الأمر يفرض زيادة كبيرة على رساميل المصارف اللبنانية العاملة في العراق، من الآن وحتى شهر حزيران من العام 2016. وهذه خطوة جديدة على تضييق العمل على المصارف اللبنانية التي يتوجب عليها تكوين مؤونات بحوالي 90 مليون دولار.
من جهة ثانية، توقع حاكم مصرف لبنان ان تكون التحويلات من الخارج إلى لبنان هذا العام حوالي 7.5 مليارات دولار، وهي تحويلات تراجعت نتيجة الاوضاع في المنطقة، وتراجع اسعار النفط في الخارج حيث تأثرت تحويلات اللبنانيين العاملين في دول الخليج العربي بشكل خاص.
ضغوط مالية واقتصادية وسط تراجع المؤشرات
وتأتي هذه الضغوط المتصاعدة على القطاعات المالية والاقتصادية، وسط استمرار تراجع المؤشرات الأساسية، التي تشكل عناصر النمو الاقتصادي، مع استـــــمرار الهدر والفساد في المرافق العامة والبوابات الجمركية، تبعاً لحجم المحاسيب وغياب الرقابة بحدودها الدنيا.
في المؤشرات تكفي الإشارة إلى ان الصادرات الصناعية والزراعية تراجعت خلال الفصول الثلاثة من العام أكثر من 10.6 في المئة للصناعة، وحوالي 6.8 في المئة للقطاع الزراعي. أما النقطة الأبرز التي تدل على حركة الرساميل وتراجعها، فتتمثل في تراجع حركة الرساميل، من حوالي 11.4 مليار دولار حتى أيلول 2014 إلى حوالي 8.1 مليارات دولار في نهاية أيلول 2015، أي بتراجع 3.2 مليارات دولار، ومانسبته حوالي 28.5 في المئة، وهذه أمور تدل على انعدام امكانية قيام استثمارات تخلق فرص عمل جديدة، مما ينذر بنمو ملحوظ لحجم البطالة في ظل انغلاق ابواب الهجرة وفرص العمل في الخارج.
عجز ميزان المدفوعات
النقطة الأبرز التي تدل على خروج الرساميل من لبنان، تتعلق بالعجز الكبير في ميزان المدفوعات، الذي يبلغ حتى اليوم حوالي 1771 مليون دولار، مقابل حوالي 302 مليون دولار للفترة ذاتها من العام 2014، وهذا يعني مضاعفة العجز في ميزان المدفوعات. يشار إلى ان المستوردات اللبنانية للسلع تراجعت حوالي 16.1 في المئة، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2014، على الرغم من أن العام الماضي لم يكن جيداً، كذلك تراجع عجز الميزان التجاري حوالي الملياري دولار خلال تسعة أشهر، وهذا عنصر يفترض أن يعزز ميزان المدفوعات، لولا خروج الودائع المصرفية، وسحبها من قبل المقيمين بحوالي 500 مليون دولار في شهر أيلول وحده .
انخفاض المبيعات العقارية
دليل جديد على تراجع النشاط يتمثل في استمرار تراجع النشاط العقاري وتجارة الابنية، حيث انخفضت المبيعات العقارية خلال الفترة المنقضية من العام 2015 حوالي 13.5 في المئة من حوالي 6.7 مليارات دولار في تسعة أشهر إلى حوالي 5.7 مليارات، هذا مع العلم أن القطاع العقاري كان الانشط خلال السنوات الماضية.
وهذا التراجع مرده إلى غياب المستثمرين من الدول العربية خصوصا، حيث قام بعضهم ببيع عـــــقاراته في لبنان، نتيجة الظروف السياسية والأمنية المستمرة في الدول المجاورة، ونتيجة عدم الاستقرار الداخلي.
ارتفاع توظيفات مصرف لبنان
بالنسبة إلى النشاط المصرفي، هو القطاع الذي مازال يمول القطاعين العام والخاص، وهو الذي يساهم في تمويل احتياجات الدولة، من خلال الاكتتاب بسندات الخزينة بالليرة وبالعملات .وهو ما بات ينعكس من خلال تفضيل المصارف ايداع الزيادة في الودائع لدى مصرف لبنان، لقاء فوائد مفضلا بذلك توظيفها مع المركزي وليس مع الدولة، في حين أن توظيفات مصرف لبنان بالسندات والشهادات زادت بنسبة كبيرة منذ بداية العام، وارتفعت أكثر من 5 مليارات دولار، ناهيك عن التوظيفات بسندات الخزينة البالغة أكثر من 27 الف مليار ليرة من سندات الليرة.
وربما ستكون هذه التوظيفات موضوع ملاحظات صندوق النقد، في خلال زيارته إلى لبنان المرتقبة، في الفترة المقبلة، وخلال الزيارة الحالية للدولة اللبنانية.
ولابد من الإشارة هنا إلى النشاط في المرافق العامة، حيث تراجعت حركة عدد السفن في مرفأ بيروت بما نسبته حوالي 10.6 في المئة تقريباً كذلك تراجع البضائع الداخلة من المرفأ حوالي 3 في المئة، مقارنة بالعام الماضي وهو تراجع يعكس تراجع حركة المستوردات وكذلك حركة تراجع الصادرات اللبنانية، وهي أحد عوامل تحقيق النمو الاقتصادي الذي يجهد ليكون نصف في المئة خلال العام، بسبب تراجع عناصر تكوين النمو، والأكثر تأثيراً من الصادرات الصناعية والزراعية المتراجعة بشكل كبير أكثر من 10 في المئة، وحركة الاستثمارات المضروبة بشكل كبير، والنشاط السياحي الذي يعاني من غياب العنصر السياحي منذ السنة الماضية، وهو يقوم على اللبنانيين الذين لا يشغلون قطاعات الفنادق والشقق المفروشة والخدمات الأخرى.