في الوقت الذي تنشغل فيه السلطة السياسية في البحث عن امكانية تصدير النفايات، مصورةً أن حل هذه الأزمة كان منوطا بقبول خيار المطامر، ومتجنبة خيار الفرز وتفعيل معامل ومراكز المعالجة للتخفيف من حدة التداعيات البيئية، فاضت مراكز تخزين النفايات بالكميات المتكدّسة على مرّ اشهر، الامر الذي اضاف المزيد من المخاطر، ولا سيما ان ازمة النفايات خلقت نحو 760 مكبا عشوائيا بحسب تقديرات وزير البيئة محمد المشنوق.
يقول عدد من البيئيين المتابعين للملف ان الهدف من «سلوك» السلطة «الضغط على الناس» لقبول أي حل يندرج ضمن استراتيجيتها غير البيئية المنتهجة منذ «الأزل»، ومتخوفين من امكانية اعادة طرح المحارق كوجه ثان لعملة المطامر.
منذ يومين، توقّفت بلدية برج حمّود عن جمع النفايات في بعض شوارع المنطقة، بعدما «غصّ» العقار المخصص لـ «ركن» النفايات ولم يعد بمقدوره إختزان المزيد منها. لا خيارات بديلة متاحة امام البلدية لتجنّب خطر بعثرة النفايات بين المنازل. يقول نائب رئيس بلدية برج حمود جورج كريكوريان إن مشكلة البلدية « أكبر وأسوأ من غيرها من البلديات، إذ لا نمتلك مشاعات كغيرنا»، لافتا الى لجوء البلدية الى «استحداث مساحات جديدة عبر كبس النفايات»، ومشيرا الى ان البلدية عمدت الى «تسييج النفايات الموضوعة في عقار برج حموّد بأسلاك حديدية لفصلها عن الكرنتينا ونهر بيروت، كذلك لفصلها عن البحر».
يضيف كريكوريان أنه حتى لو أرادت البلدية إستئجار عقارات «فإن المعاملات البيروقراطية، من شأنها أن تؤخر الحل الطارئ الذي تستلزمه الازمة التي نقع فيها».
وإذا كانت بلدية برج حمّود تتخوّف من تكرار مشهد «طوفان» النفايات الذي حصل في منطقة سدّ البوشرية إذا لم تتمكن من ايجاد بديل عن العقار «المُتخم»، فإن بلدية الجديدة-البوشرية-السدّ، «الملسوعة» من فيضان الأمطار، تعمد حاليا الى «إفراغ العقار المخصص لنفايات المنطقة منذ مدة بعدما امتلأ كليا»، وفق ما يقول رئيس البلدية طانيوس جبارة، وذلك إفساحا للمجال لاستيعاب كميات جديدة تجنبا لخطر إبقائها بين البيوت. أين تُوضع النفايات القديمة التي تعمدون الى إفراغ العقار منها؟ نضعها في أكياس ونرميها في «مطارح بعيدة»، يقول جبارة، لافتا الى «أن خيار الرمي في الاحراج أو البحر او غيرهما سيّئ الا ان الأسوأ إبقاؤها بين الناس».
أمّا واقع النفايات المكدّسة في الكرنتينا، «معقل» نفايات بيروت الإدارية، فهو ليس افضل حالا، حيث تتراكم النفايات حتى باتت جبلا يزداد ارتفاعه يوميا. من يزر العقار الذي لا تتجاوز مساحته الـ10آلاف متر مربّع، بحسب تقديرات مصادر في بلدية بيروت، فسيُشاهد شاحنات محمّلة بالأتربة تعمد الى تغطية النفايات المكدّسة، يزعم اصحاب القرار في البلدية أن هدف الاتربة التخفيف من «وطأة» هذه النفايات، و»طمس» رائحتها، فيما يعتقد اهالي المنطقة هناك، ان الهدف هو إقامة «جبل جديد للنفايات»، متخوّفين من تحويله الى مطمر غير صحي. مصادر بلدية بيروت تقرّ بأن هذا «العقار لم يعد بمقدوره ان يحتمل المزيد»، هل تبحث البلدية عن عقارات جديدة؟ تذهب المصادر الى ابعد من ايجاد عقارات بديلة وتقول: «سنتّكل على أنفسنا إذا لم تقرّ خطة وزير الزراعة اكرم شهيّب»، لافتة الى ان هناك لجنة مؤلفة من المجلس البلدي تعقد اجتماعات دورية مع وزير الداخلية والمحافظ، وتناقش الكثير من «الإحتمالات المفتوحة». هل تتضمّن هذه الإحتمالات خيار المحرقة؟ نعم، تقول المصادر قبل أن تُسهب في الحديث عن «المعايير البيئية العالمية» وعن «النماذج القائمة في الدول الأوروبية».
الضغط لـ «تعميم» محارق؟
«في ظلّ الغياب الكلي لللدولة وللخطة الطارئة للنفايات، يتقدّم موضوع المحارق ليصبح في واجهة النقاشات»، هذا ما يقوله الخبير البيئي ناجي قديح في حديث لـ «الأخبار»، واصفا الواقع الحاصل بـ «العمل على استثمار الأزمة». برأي قديح، أنه بات لدينا الكثير من الدلائل والإشارات على اننا غارقون بأزمة (مطامر ومكبات عشوائية، نفايات في الشوارع وخطر فيضانها بفعل السيول وغيرها…)، الا ان «المطلوب هو اشغالنا بهذه الدلائل كي نغفل عن المسار الخاطئ للحلول التي يقدّمونها وبالتالي قبول أي حل كان». يعتقد قديح ان الاستراتيجية الخاطئة في معالجة الأزمة لا تزال نفسها والتي هي قوامها «التغافل عن استرداد القيمة من النفايات عبر الفرز»، لافتا الى ان هناك حلولا جذرية سهلة تتمثّل بتعميم مراكز معالجة النفايات»، ومشيرا الى ان المحارق والمطامر وجهان لاستراتيجية لا تلحظ معالجات سليمة.
كلام قديح حول محاولات فرض المحارق واقعا يتوافق وما يقوله الناشط البيئي رجا نجيم حول التسويق الذي بدأ يمارسه تجار المحارق امام البلديات، هؤلاء، بحسب نجيم، لا تتضارب مصالحهم مع إبقاء «سوكلين»، «بخلاف ما يُشاع»، لافتا الى ان إبقاء هذا الواقع هدفه «الضغط على الناس من قبل ثلاثة مجموعات»: تجار المحارق، وزعماء المناطق الذين يريدون اخذ حصصهم أنّى كانت الاقتراح، و»سوكلين» وما تمثله من نفوذ في الدولة.
يشير نجيم الى ان الضغط الرامي الى إعادة إرساء المحارق يأتي بعد فشل مبدأ المطامر المركزي والمطامر الطائفية، ولافتا الى انه عندما طالبنا بإلغاء القرار رقم 1/2015 القاضي بانشاء محارق، الذي يبقي المناقصات قوبل مطلبنا بالرفض، «وهو دليل على النية السيئة التي كانت تحكم ادارة الملف منذ بدايته»، فيما يقول قديح ان كل التواصل الذي كان تجريه معنا لجنة شهيب لا يتعدى كونه شكليا لـ «تقطيع الوقت»، لافتا الى غياب «الاستعداد الحقيقي للتخلّي عن السياسة الخاطئة».
من جهته يتساءل الخبير البيئي زياد ابي شاكر عن عدم اعتماد خيار الفرز من المصدر لنفايات بيروت «إذ انه كفيل بتخفيف نسبة كبيرة جدا من حجم النفايات»، لافتا الى وجود الكثير من معامل اعادة التدوير التي تستطيع تولي هذه المهمة.