Site icon IMLebanon

قانون الانتخاب: أربعة أشهر جديدة من الانتظار!

voting-election

 

كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “السفير”:

ما إن حطت الجلسة التشريعية رحالها، حتى أقفل باب المجلس النيابي. الكل واثق أن لا تشريع، تقنياً، قبل آذار المقبل. أولاً لأن الدورة العادية تنتهي مع نهاية العام، وثانياً لأنه لن يكون سهلاً فتح دورة استثنائية في الظروف الحكومية الحالية، وثالثاً، والأهم، لأن الرئيس سعد الحريري أعلن أن كتلة «المستقبل» لن تشارك في أي جلسة لا يكون قانون الانتخاب بنداً أول على جدول أعمالها. وهذا يعني عملياً أن طريق قانون الانتخاب، مع افتراض أنها معبّدة بالورود، لن يكون من السهل السير عليها قبل أربعة أشهر. فالاتفاق ينص على أن تشكّل «هيئة مكتب مجلس النواب» لجنة مصغرة تسعى لإنجاز التوافق على قانون الانتخاب بمهلة شهرين، على أن تقوم بعد ذلك بإحالة نتيجة عملها إلى اللجان المشتركة. عندها سيكون على هيئة المكتب الاجتماع مجدداً لوضع جدول أعمال الجلسة التشريعية. فيما يبقى أمام رئيس المجلس تحديد موعد الجلسة.

الرئيس نبيه بري ذكّر أمس أنه بحِل من أي التزام. أو، بشكل أدق، أنه غير معني بالالتزام الذي قدّمه الحريري قبيل عقد الجلسة الماضية. لذلك أعلن أنه سيدعو إلى عقد جلسة تشريعية جديدة «كلما اقتضت الضرورة ذلك». هو موقف مبدئي أراد بري تسجيله، بالرغم من أنه يعرف جيداً أن أي جلسة لن تكون ممكنة الانعقاد إذا غاب عنها «المستقبل» والأحزاب المسيحية.

باختصار، وإذا لم تنعقد جلسة حكومية، فإن الدولة اللبنانية ستعود مجدداً لتُختصر، بمؤسسة شبه رسمية وحيدة هي اللجنة المصغرة التي سيعينها مكتب المجلس للبحث عن التوافق الصعب فيما يتعلق بقانون الانتخاب. وهذه اللجنة التقنية يُفترض أن تلقى دعماً سياسياً من هيئة الحوار (تعقد اجتماعاً اليوم) التي تضع قانون الانتخاب على جدول أعمالها.

وإذا كانت لجنة التواصل الانتخابي التي عملت على مدى أشهر طويلة قد فشلت في الوصول إلى التفاهم المنشود، وفي ظروف سياسية أفضل من الحالية (قسم من عملها جرى في ظل وجود رئيس الجمهورية)، فهل يعقل أن تصل إلى التفاهم حالياً؟ في البداية، لا بد من الإشارة إلى أنه يتردد أن اللجنة التي سيعينها مكتب المجلس، ستقتصر عضويتها على النواب: جورج عدوان (منسقاً لها)، علي فياض (ممثلاً عن حزب الله وحركة أمل)، أحمد فتفت عن «المستقبل» وألان عون عن «التيار الوطني الحر» وممثل عن «الحزب التقدمي الاشتراكي» (كان النائب هنري حلو في اللجنة السابقة)، فيما لم تُحسم مشاركة «الكتائب» والنواب الأرمن.

يعرف أعضاء اللجنة، وهم جمــيعاً كانــوا جــزءاً من اللجنة السابقة، أن الاتفاق التقــني لن يكــون صعباً إذا ما وُجد القرار السياسي. لكنهم يعرفون أنهم يعــودون الآن، وبعد نحو عام على تعثر اجتماعاتهم الأخيرة، من دون أن يتــغير شيء في هذا القرار. ولذلك، ما يزال على جدول أعمال اللجنة اقتراحان أساســيان هما اقــتراح القانون الذي تقدم به «المستقبل» و«القوات» و«الاشتراكي» (68 مقعداً على أساس النظام الأكثري و60 على أساس النسبي) واقتــراح الرئيس نبيه بري الذي ينقسم مناصفة بيــن الأكثري والنســبي. علماً أن العدد ليس هو نقــطة الخــلاف الوحيــدة، بل ما يجعل الاتفاق يزادد تعذراً هو توزيع المقاعد على الدوائر الانتخابية، بحيــث يعتبر الطرفان أن كل طرف يسعى من خلال هذا التقسيم إلى ضمان فوزه سلفاً، حتى لو اقتضى الأمر تغييراً في المعايير المعتمدة بين دائرة وأخرى.

لم يتقدم حينها أي طرف باتجاه الآخر قيد أنملة، فلا هذا مستعد للتنازل ولا ذاك. أكثر من ذلك، برر حينها نواب «14 آذار» الفشل في الوصول إلى التوافق، برفض ممثل الرئيس بري في اللجنة النائب علي بزي إجراء أي تعديل على اقتراحه، عبر القول إن هذا القانون إما يُقبل كما هو أو يُرفض كما هو، انطلاقاً من أنه يمثل حلاً وسطاً بين مختلف الآراء لا اقتراحاً في وجه الاقتراحات الباقية.

عود على بدء. الجولة الثالثة للجنة المعنية بقانون الانتخاب بلا أفق جدي. وبالرغم من تأكيد أعضاء اللجنة أنه يمكن نظرياً تذليل العقبات لأن الاختلافات قليلة، فإن السؤال يبقى هو نفسه: هل يُعقل أن يكون قانون الانتخاب الخرق الذي سيكسر حلقة الفراغ المسيطرة على المؤسسات؟ بحسب كل المعطيات التي حكمت المشهد السياسي اللبناني حتى الآن، فإن لا أحد يمكن أن يتصور أن يكون قانون الانتخاب، إلا جزءاً من التسوية الشاملة التي لا أحد يعرف متى ستأتي. فقانون الانتخاب هو بالنسبة لكثر أهم من الانتخابات الرئاسية، لا بل هو مسألة حياة أو موت، لأنه من خلاله يتحدد مصير البلد لسنوات مقبلة. ولذلك فإن كل فريق لن يألوَ جهداً في سعيه لشد القانون باتجاهه. لكن من يتابع المسألة يؤكد أن لا حل ممكناً إلا بالوصول إلى قانون يتميز بالغموض، مذكراً أنه عندما تم التوافق على قانون الدوحة كان كل طرف يظن أنه يحقق له الأغلبية.

بعد تفجير برج البراجنة، خرجت بعض الأصوات الداعية إلى التعاضد في وجه الإرهاب من خلال إعادة فتح أبواب التسوية. هل يكون ذلك ممكناً؟ في المبدأ يصعب تصديق الأمر، انطلاقاً من تسليم الجميع أن التسوية في الأساس ليست داخلية. جلسة الحوار اليوم قد تعطي مؤشرات ما، لكن الأكيد، حتى الآن، أن أحداً ليس مستعداً للسير بملف قانون الانتخاب بشكل مستقل عن الملفات الأخرى. علماً أنه حتى لو تحقق ذلك، فإن من تخلى عن أسبقية الانتخابات الرئاسية على قانون الانتخاب في سبيل تمرير الجلسة التشريعية لن يقبل أبداً أن تسبق الانتخابات النيابية انتخاب رئيس الجمهورية.