كتبت ناتالي اقليمس في صحيفة “الجمهورية”:
بين «مِن سابع المستحيلات» و«لعِند ألله مِش عند حَدا»، تنقسم مواقف أهالي العسكريين المخطوفين حيال طلب جبهة النصرة القديم الجديد، بتسليم قريتَي المعرّة وفليطة السوريتين الحدوديتين مع لبنان مقابلَ إطلاق سراح العسكريين. فيما القِسم الأكبر من أمّهات العسكريين ينتظر بفارغ الصبر تحديد موعد زيارة قريبة، لتمرير ما يَلزم لأبنائهم من أغراض تُخَفّف عنهم لسعة الشتاء.على عكس أهالي العسكريين المخطوفين لدى داعش الذين حتى اليوم لم يسمعوا أيّ خبر يُبَرّد أعصابهم، لم ينقطع الاتصال يوماً بين أهالي العسكريين المخطوفين لدى جبهة النصرة والخاطفين، سواءٌ عبر رسائل قصيرة، اتصالات أو زيارات لا يُعلن عنها في حينها، وآخرُها زيارة الشيخ حمزة حمص لابنه وائل منذ 5 أيام، والتي عاد بها محمَّلاً بمطالب «القريتَين». في هذا السياق، يروي حمزة لـ«الجمهورية» تفاصيلَ الزيارة.
قرابة السادسة فجراً غادرَ حمص قريتَه «عيحا» قضاء راشيا مصطحباً معه والد العسكري المخطوف رواد أبو درهمين، باتجاه جرود عرسال، مؤكّداً أنّ الهدف من الزيارة إنساني، بعيداً عن شق المفاوضات، وقد تمّ تأمين الموعد نظراً لنَقص في احتياجات العسكريين.
وقال: «زيارتي ما قبل الأخيرة كانت في 10 من الشهر المنصرم، في تلك الزيارة أخذتُ معي ملابس الشتاء لمعظم المخطوفين، ولاحظت أنّ الجهة الخاطفة تحرَص على متابعة احتياجات العسكريين من ملابس وأدوية».
وأضاف: «يوم الجمعة المنصرم أخذتُ معي مجموعة من المواد الغذائية وفواكه وحاجات خاصة لابني عرفتُ بأنّها تنقصه». شديدَ الحِرص يبدو حمص وهو يتحدّث عن الأجواء التي رافقَت الزيارة، وكأنّه يَعدّ كلماته ويزَيّنها، يصمت برهةً ويقول: «إنّه اللقاء الأقصر في تاريخ زيارات الأهالي لأبنائهم، لم تتجاوز جلستُنا الـ 10 دقائق، بعدما بَدت الأجواء متلبّدة، والطيران فوق رؤوسنا، ونصَحتنا الجهة الخاطفة بعودة أدراجنا بسرعة».
بين الخيبة والتحسّر، سرعان ما عاد حمص أدراجَه، وهو من جهة ينتظر على أحرّ من الجمر موافقةً جديدة مرتقَبة وعَدته بها الجهة الخاطفة، لزيارة العسكريين ومَدِّهم ببعض احتياجاتهم تزامُناً مع الشتاء، ومن جهةٍ أخرى محَمّلاً بمطالب أبرزُها تسليم قريتَي المعرّة وفليطة السوريتين مقابلَ الإفراج عن العسكريين.
كي لا نقول تعجيزية…
مِن جهته، يؤكّد حسين يوسف أنّ الأهالي لم ينقطعوا يوماً عن التصعيد، «لطالما كنّا نعمل على المستويات كافة، من اجتماعات، لقاءات، زيارات، اتّصالات، حتى اللحظة الأخيرة، وفي معظم المرّات لا تصل الأمور إلى خواتيمها».
ولا يُخفي يوسف التململَ الذي يَغمر الأهالي منذ معاودة سماعِهم بمطلب تسليم القريتين، فيقول: «يتردّد في الفترة الأخيرة مطلب تسليم فليطة والمعرّة، لنقلِ اللاجئين السوريين إليها، وهم عبارة عن 13 ألف نازح سوري موجودين في مخيّم عرسال بعد حاجز وادي حميد. ولكنْ نحن على يقين من أنّ السلطة اللبنانية لا تملك القرار والسلطة على هذه القرى».
وأضاف: «بوسعِ دولتنا التعاطي مع ملف العسكريين على مستوى ملفات وقضايا داخلية، والتجاوب على سبيل المثال مع مبدأ المقايضة، والاتفاق على أسماء معيّنة في السجون اللبنانية».
يتردّد يوسف بوصفِ المطالب بالتعجيزية انطلاقاً من مبدأ «تفاءَل بالخير تجده»، فيقول: «المطلب قاسٍ وصَعب، لا نودّ اعتبارَه تعجيزياً»، فناشَد باسمِ الأهالي «ابو مالك التلّي ليتعاطى مع هذا الملف خارجَ هذا المطلب، نظراً لصعوبة تحقيقِه، وانطلاقاً من تحكيم ضميره وتغليبِ حسّه الإنساني». وأضاف: «نناشد ونوَجّه نداءً إنسانياً لأبو مالك التلي، لأنّ المفروض أن يكون على عِلم بأنّ الدولة اللبنانية تعجَز عن تلبية الطلب».
في موازاة ذلك، أثنى على الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة تمام سلام، قائلاً: «تحدّثنا بمجريات الأمور على نحو واسع، واستعرضنا أجواءَ المفاوضات بمجملها، ووعَدَنا بأنّه لن يألوَ جهداً والأجهزةَ الأمنية في متابعة الملف وتجاوز ما يستجدّ من مطبّات».