كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
لم يتوقّع «التيار الوطني الحر» تعاملا في قانونَي الانتخاب واستعادة الجنسية، أقل «مستوى» مما سبق واختبره في مسلسل الوعود التي تبدأ طنّانة لتنتهي فارغة من مضمونها، من دون مراعاة حتّى لواجب تبرير التقصير بحقه أو القفز فوقه.
النكث بالوعود في الرئاسة والتمديد لمجلس النواب والالتفاف على قانون «اللقاء الارثوذكسي» وتعيين قائد الجيش.. صارت خلف الظهور، لكن ماذا عن قانون الانتخاب؟
هذه المرّة «الزوج المخدوع» ليس فقط «التيار» بل معه «القوات اللبنانية». لكن ما الفرق؟ بدلا من ان تكون الصفعة موجّهة الى قائد سلاح «الاصلاح والتغيير» فإن مفعولها سيكون مزدوجا!
لكن ما يراه البعض صفعة لا يصنّفه المقرّبون من ميشال عون سوى جولة من التنازلات المتبادلة قادت الى «انتصارين» بكل ما للكلمة من معنى: إقرار قانون استعادة الجنسية بما يشكّل هزيمة للرئيس فؤاد السنيورة كونه من أكثر القوانين خطورة على تركيبة فريقه السياسي، وتكريس معادلة «لا قانون انتخاب، لا جلسة لمجلس النواب» مع واقعية زائدة لدى الرابية أنه كان من رابع المستحيلات إقرار هذا القانون في الجلسة التشريعية التي دعا اليها الرئيس بري.
إذا لا شعور بالخسارة في الرابية وفق ما يرغب الخصوم بتكريسه في أذهان من يحمل عدّاد تسجيل النقاط في مرمى ميشال عون.
وعلى من يتوقّع، وفق هؤلاء، ان يذهب «الجنرال» بعيدا في الردّ على من تلاعب بالمسار الطبيعي الذي كان يجب ان يسلكه قانون توزيع أموال الخلوي على البلديات عبر إقراره في مجلس النواب، ان ينتظر استيعابا لـ «ضرب الاحتيال» على قاعدة «ان من شعر بالهزيمة عبر إقرار قانون استعادة الجنسية وجعل قانون الانتخاب شرطا حديديا لاعادة فتح أبواب مجلس النواب، كان عليه ان يعوِّض في مسألة البلديات، وهو المخرج الذي تمّ التوافق عليه بضمانة شخصية من الرئيس تمام سلام، حيث كان يمكن أن يقود التصويت عليه الى خسارتنا المعركة في مجلس النواب، فكان القبول بصدوره بمرسوم عادي من مجلس الوزراء وان ليس بشروطنا المطلوبة».
الوزير جبران باسيل نفسه اعترف بـ «تعرّضنا للخديعة وهذه ليست المرة الاولى التي ينكثون بالوعود معنا». لكن المرسوم الذي تعهّد سلام بصدوره ستكون له المفاعيل نفسها للقانون بحيث يتمّ توزيع كل المبالغ المستحقة بذمة وزارة الاتصالات منذ عام 1994 والتي تتجاوز 2000 مليار ليرة لبنانية، وكل المبالغ التي ستستحق مستقبلاً بشكل دوري، والتي يفترض أن تتجاوز الـ 200 مليار سنوياً، وليس الاكتفاء بدفع المستحقات من 2012 الى 2014 والتي تقدّر قيمتها بنحو 667 مليار ليرة. ويسعى وزراء «التيار» الى ان يتمّ هذا التحويل مباشرة الى البلديات من دون المرور بالصندوق البلدي المستقل الذي هو تحت وصاية وزارة المال.
وهكذا، فإن النكسات في قاموس منتظري عون على الكوع لا تعدو كونها محطة في مسار استكمال باقي المعارك على رأسها قانون الانتخاب.
ومن أجل ذلك يدفع العونيون باتجاه تصوير إقرار قانون استعادة الجنسية بأنه الاساس واستحقاق مفصلي، ومن أجله «اشتغل» الفيتو المسيحي للمرّة الاولى والذي لن يتوقف بعد اليوم.
الوزير باسيل اعتبره أهمّ إنجاز في حياته السياسية ومن خلاله يتمّ تكريس الهوية اللبنانية كوجه أيضا من أوجه مكافحة الارهاب. وهو إنجاز صار باليدّ ولا يجب تحجيمه عبر مقارنته بـ «عصفور» قانون الانتخاب الذي لا يزال على الشجرة لكنه وضع أخيرا على السكة.
وبالتأكيد، فإن التعديلات التي أدخلت الى قانون استعادة الجنسية، والتي جرى التأكيد عليها خلال «الاجتماع الوزاري» في الرياض بحضور الرئيسين تمام سلام وسعد الحريري، قد أفقدته عصب المكسب الدائم حيث ينتهي مفعول الحق باستعادة الجنسية اللبنانية بعد عشر سنوات، فضلا عن «روتوشات» أخرى لم ترق للرابية لكنها لم تقف بوجهها. المهم جَرُّ القوى السياسية الى توافقٍ عَملَ كثيرون في السابق لعرقلته.
على جبهة قانون الانتخاب، يبدو الجميع، بمن فيه «التيار الوطني الحر»، في «جوّ» التأجيل المفتوح على مدّة زمنية غير محدّدة، لكن الاهمّ انه لن تنعقد جلسة ليس على رأسها قانون الانتخاب.
وقد كان لافتا جدا، وعلى «كعب» التعهّد الذي أدلى به الرئيس سعد الحريري بشأن القانون، مسارعة الاخير الى الردّ على مبادرة التسوية الشاملة التي اطلقها السيد حسن نصرالله بوضع ترتيب للاولويات على رأسها انتخابات رئاسة الجمهورية، ثم كرّت السبحة.. قيادات في «تيار المستقبل» شدّدت على هذا التوجّه، كمدخل وحيد للازمة. ثم النائب ولــيد جــنبلاط الذي يعزو التخبّط الحاصل الى عدم مسك طرف خيط الرئاسة الاولى. موقف الرئيس نبيه بري واضح في هذا السياق، أقلّه من خلال إصراره على عقد جلسات انتخابية حتى لو لمجرّد الشكل.
الأهمّ ان التعهّد الذي التزم به الحريري علنا حيال قانون الانتخاب لا يُلزم عين التينة، فالرئيس بري لن يقصّر، وفق المتابعين، بالدعوة الى جلسة تشريع، إذا اقتضت الضرورة القصوى ذلك، حتى لو لم يحصل الاتفاق النهائي على القانون. وهذا الامر لن يتمّ برأيهم إلا بعد التشاور مجددا مع الكتل السياسية.
«حزب الله» بدوره يوافق على أولوية الرئاسة، لكنه يربط قناعته بالضوء الاخضر من جانب ميشال عون. اللافت رصد لهجة جديدة لدى قياديين في الحزب تشير الى «تسوية فيها تبادل للتنازلات والمكاسب». «القوات اللبنانية»، وبمعزل عن المكسب النظري الذي نالته من حليفها الحريري بمقاطعة اي جلسة لا يكون عنوانها قانون الانتخابات، تأمل اليوم قبل الغد حسم الاستحقاق الرئاسي.
هكذا، لن يكون تفصيلا رصد المواقف بالجملة المحيّدة لقانون الانتخاب مقابل ترفيع رئاسة الجمهورية الى رتبة الضرورة الملحّة. وبالتأكيد، فإن المسار الذي ستسلكه جلسات الحوار ستساهم في حسم الاولويات: قانون الانتخاب أولا، او رئاسة الجمهورية، او الاثنان معا. مع العلم ان تفعيل العمل الحكومي، برأي بعض الوزراء، هو الامر الاكثر إلحاحا.
لكن لا يبدو ان المناخات ذاهبة باتجاه التصعيد. قبل حتى حصول إنفجاري الضاحية، تهيّب الجميع تداعيات ما يمكن ان يحصل بانعقاد جلسة غير ميثاقية او عدم انعقادها تحت وطأة ضغط الاستحقاقات المالية، فكان خيار رفع وتيرة الاتصالات المشتركة وخفض السقوف وإرساء التنازلات، ثم جاءت كارثة برج البراجنة لتضفي المزيد من الواقعية والمسؤولية على جدول اعمال المتخاصمين.
أجواء المهادنة انطلقت ويفترض ان تستمر مستظلة تلاقي الحدّ الادنى بشأن النقاش في تسوية السلّة الكاملة التي طرحها «حزب الله». لكن بموازاة ذلك، يستمر الجهد العوني القواتي، الذي بدأ منذ شهرين، لايجاد ارضية مشتركة بشأن قانون الانتخاب يتمّ التعاطي من خلالها مع القوى السياسية الاخرى من منطلق المكوّن المسيحي الواحد وليس من خلال المكوّنين المتناقضين.
يعترف الطرفان بصعوبة المهمّة، وإذا قدّر لها ان تأخذ طريقها الى التنفيذ، فإن الصعوبة الكبرى تكمن في جرّ الحلفاء الى ملعب توافقهما الانتخابي.