Site icon IMLebanon

لماذا يُضيّع لبنان فرصة الإفادة من طفرة الغاز الطبيعي في المتوسط؟

Eni-Bouri-Offshore-Oil-Terminal

 

 

كتب ياسين ك. فواز في صحيفة “النهار”:

تلقّى لبنان، في الجزء الأكبر من العقود الأربعة الماضية، الضربة تلو الأخرى. عدد كبير من الجراح التي أُثخِن بها، هو مما اقترفته يداه – الحرب الأهلية، الفتنة المذهبية، الشلل السياسي، الفساد – لكن للخارج أيضاً حصّته في المشكلات التي تعانيها البلاد. فقد خضع لبنان للهيمنة العسكرية السورية طوال سنوات، واجتاحته إسرائيل مرتين، وتلاعبت به إيران، وتهاوى تحت تأثير مقتل رئيس وزرائه السابق رفيق الحريري في تفجير ضخم. والآن يتخبّط هذا البلد الصغير من أجل تأمين المأكل والمأوى والتعليم لما يزيد على مليون لاجئ قدموا من سوريا المجاورة.

هل يمكن أن تسوء الأمور أكثر؟ لقد فوّت لبنان فرصة اقتصادية كبرى، لأسباب خارجة عن إرادته إنما أيضاً لأن البلاد عاجزة عن إدارة شؤونها كما يجب.

قبل عام ونيّف، كان لبنان الذي يحتاج إلى أكبر قدر ممكن من المساعدة، يستعد لإجراء مناقصة من أجل منح التراخيص الأولى للتنقيب عن الغاز في مياهه الإقليمية. كانت نحو 50 شركة دولية كبرى في مجال الطاقة، منها “توتال” و”شيل” و”شفرون” و”إكسون موبيل”، قد تأهّلت في نيسان 2013 للمشاركة في المناقصة للحصول على تراخيص للتنقيب عن الغاز. ومذذاك، عُثر على احتياطات غاز جديدة وضخمة في المياه الإقليمية المصرية والإسرائيلية، ما يزيد من احتمالات وجود احتياطات كبيرة في المياه الإقليمية اللبنانية أيضاً، لكن لم تُتخذ أي خطوات في لبنان. وتوقّفت العملية برمتها.

لماذا لم يتمكّن لبنان من الاستثمار في غازه الطبيعي؟

رئاسة الجمهورية شاغرة منذ أيار 2014، لأن الكتلتَين الكبريين في مجلس النواب – كتلة 14 آذار بقيادة السنّة والكتلة الشيعية المنافسة التي تسيطر عليها ميليشيا “حزب الله” – لم تتمكّنا من الاتفاق على مرشح. وفق تقارير عدّة نُشِرت في الصحافة المتخصصة بتجارة الطاقة، لا تبدي شركات الطاقة الدولية الكبرى التي تملك الإمكانات اللازمة للتنقيب عن الغاز في أعماق المياه قبالة الساحل اللبناني، استعداداً للقيام بأي التزامات في خضم عدم الاستقرار الذي تعانيه البلاد. وأشار خبير إقليمي في مجال الطاقة إلى أنه يتعيّن على مجلس النواب إقرار مرسومَين تشريعيين قبل التمكّن من إجراء المناقصات لتلزيم التنقيب عن الغاز، لكن البرلمان لا يستطيع إقرار القوانين في ظل الشغور الرئاسي.

وقال أحد المحللين: “أظن أنه من غير المرجّح إحراز أي تقدّم” في مسألة التنقيب والإنتاج “قبل التوصّل إلى حل سياسي”، مضيفاً أنه قد لا يكون في الإمكان الخروج من المأزق السياسي في لبنان قبل التوصل إلى تسوية للحرب في سوريا حيث يدعم “حزب الله” الرئيس بشار الأسد.

انخفاض الأسعار والتأثير السلبي على آفاق التنقيب في لبنان

في غضون ذلك، سجّلت أسعار الغاز الطبيعي تراجعاً حاداً، ما يجعل من المستبعد أن تلتزم أي شركة كبرى، في المستقبل القريب، مشروع تنقيب جديد ومكلف مثل التنقيب عن الغاز في لبنان، إذ تشهد صناعة النفط والغاز تقلّبات مستمرة في الأسعار، حيث تشكّل الأسعار المرتفعة حافزاً للتنقيب، لكن عندما يؤدّي التنقيب إلى اكتشاف حقول جديدة، تسجّل الأسعار تراجعاً، ما يتسبّب بدوره بإقفال آبار وتسريح عدد من العمّال. ومع تراجع العرض، ترتفع الأسعار من جديد، وتتكرّر الدورة عينها.

لا يحتاج لبنان، الذي لا يتجاوز عدد سكانه 6.2 ملايين نسمة، إلى كل كميات الغاز الطبيعي التي قد يتم إنتاجها، في حال كان يملك، كما يعتقد علماء الجيولوجيا، موارد كبيرة في مياهه الإقليمية شبيهة بتلك الموجودة في المياه الإقليمية الإسرائيلية والمصرية. غالب الظن أن لبنان سيسعى إلى تصدير فائض الغاز للمساهمة في تسديد نفقات الخدمات العامة والمساعدات للاجئين، لكن هنا أيضاً، قد يقع ضحية المتاعب التي يتخبّط فيها جيرانه.

ليس ثمة من بلد مجاور يمكن نقل الغاز اللبناني إليه بواسطة خط أنابيب، لا سيما في الوقت الحالي في ظل الأزمة التي تعانيها سوريا، لذلك سيكون على لبنان تصدير الغاز عبر البحر كي يتمكّن من تحقيق الأرباح. لكن يجب تسييل الغاز الطبيعي لنقله في صهاريج معدّة خصيصاً لهذا الغرض، ولبنان لا يملك المنشآت اللازمة للقيام بذلك. حتى لو كانت هذه المنشآت متوافرة، سيُضطر لبنان إلى التنافس في السوق العالمية مع مموّنين ذوي أكلاف منخفضة في بلدان أخرى، منها الولايات المتحدة، حيث يسجّل سعر الغاز أدنى مستوياته منذ نحو أربع سنوات.

يمكن الحكومة جني أكثر من 600 مليار دولار مع مرور الوقت

لا يملك لبنان احتياطات مثبتة من الغاز أو النفط في اليابسة، وعليه استيراد كل مصادره من الطاقة. لكن وزارة الطاقة والمياه أشارت إلى احتمال وجود 96 تريليون قدم مكعب من احتياطات الغاز و865 مليون برميل من النفط في المياه الإقليمية اللبنانية، ما يمكن أن يحقق أرباحاً للحكومة تفوق 600 مليار دولار مع مرور الوقت، وفق دراسة أجراها بنك عودة. أما التقديرات الأكثر تحفّظاً فتفترض وجود 25 تريليون قدم مكعب من احتياطات الغاز، وهي كمية لا بأس بها أيضاً. لكن حتى لو انتهى المأزق السياسي غداً، وانحسر العنف في سوريا، وارتفع سعر الغاز من جديد، وعثرت شركات الطاقة على الاحتياطات التي تعتقد أنها موجودة في المياه الإقليمية اللبنانية، سيستغرق الأمر سنوات عدة قبل أن يبدأ إنتاج الغاز ونقله. وكل تأخير تترتب عنه كلفة باهظة.

أظهر لبنان قدرة لافتة على الصمود والاستمرار خلال مراحل الاضطرابات؛ لا يزال المستثمرون يوظّفون أموالهم في فنادق ومبانٍ مكتبية جديدة، وقد تحدّثت صحيفة “نيويورك تايمز” قبل فترة وجيزة عن ترميم وبناء متاحف طموحة في بيروت، لكن الآفاق ليست في صدد التحسن في المديين القصير والمتوسط. فالشباب الواعدون يغادرون البلاد، ويلقي الشلل الحكومي بظلال ثقيلة على الأوضاع، فيما رأى سكّان العاصمة بأم العين مشاهد النفايات التي جرفتها الأمطار الغزيرة عبر الشوارع.

إذا أراد لبنان أن ينقذ نفسه ويكون له مستقبل حيوي في خضم عدم الاستقرار المزمن الذي تعانيه المنطقة، فيجب وضع الخصومات بين مختلف الأفرقاء جانباً، أقلّه لفترة تكفي لانتخاب رئيس، والشروع، ولو متأخراً، في تطوير موارد الطاقة في البلاد.