Site icon IMLebanon

جنبلاط… وحبّ “النكاية” بعون وجعجع؟!

walid-jumblatt

كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:

لو قُدِّر لوليد جنبلاط أن يحمّل اليوم القادة المسيحيين مسؤولية كل الكوارث السياسية، بما فيها فضيحة النفايات ومطامرها الضائعة، لفعلها.

عملياً، هو لا يقصّر في فعل ذلك حين يخرج عن أصول التخاطب السياسي. مؤخّراً، وقبل أن تحط تسوية التشريع رحالها، غرّد “البيك” فردّ عليه سمير جعجع “على الحامي”.

توقفت المبارزة الكلامية عند حدّ تحذير جنبلاط المسيحيين من “حفلة المزايدات التي توصل الى الانتحار الذاتي” واكتفاء جعجع بجواب ساخر.

ليست المرّة الأولى التي تُشغّل خطوط التوتر العالي بين معراب والمختارة. سبق لجعجع، الذي يحاذر دوماً عدم استفزاز “البيك”، أن انتقد المتباكين على وضع المسيحيين في لبنان والشرق الذين يستغلّون هذا “الكليشيه” لتخويف المسيحيين. ومن هذا الانتقاد الذي يطال أكثر من طرف طَمأن “صديقه”، كما يناديه، بأن المسيحيين “لم يكونوا يوماً ولن يُصبحوا هنوداً حمراً”، هذا إذا سُمح لهم أن يبقوا حاضرين ضمن المعادلة اللبنانية وفي المنطقة.

والتوتر على الخفيف بين “البيك” و “الحكيم” ترجم في مراحل سابقة جولات من العراك والصدام بين الاول وميشال عون. جنبلاط “ينقّ” دائماً على القيادات المسيحية “التي لا تفكّر إلا في مصالحها الشخصية”.

لم يغيّر رئيس “اللقاء الديموقراطي” رأيه يوماً، لكن هذا الامر لم يمنعه من الدخول شخصياً على خط إزالة أحد الألغام من أمام انعقاد الحكومة بسعيه لوضع تسوية الترقيات العسكرية موضع التنفيذ. لم تنجح مساعي “البيك”، فعادت الامور الى نقطة الصفر.

سُمِع “ينقّ” مجددا من “التهوّر” المسيحي في لحظة مصيرية على أبواب الجلسة التشريعية، فدخل على خط التسوية التي حيّدت ساحة النجمة عن الاصطدام الداخلي المباشر. اليوم يتكامل موقفه بشكل تام مع الرئيس سعد الحريري: نعم للسلّة المتكاملة التي طرحها السيد حسن نصرالله لكن البداية من رئاسة الجمهورية، وليس قانون الانتخاب.

وليد جنبلاط، هو أحد الذين يبصمون أن لا رئيس للجمهورية في المدى القريب، وما بعده. بكل بساطة، لأن لبنان ليس على جدول أولويات أي عاصمة مقرِّرة. يمكن له أن يسرد أطروحات في مكامن الخطر على الساحة الداخلية، خصوصاً أن “الدولة الاسلامية” على الحدود. ولا يرى نفسه يغالي كثيراً حين يَستحضر وجه الشبه مع القسطنطينية التي كانت عاصمة الأمبراطورية الرومانية ثم عاصمة الدولة البيزنطية الى ان دخلها محمد الفاتح، وأطلق عليها إسلامبول أو الآستانة، وأصبحت عاصمة السلطنة العثمانية.. لكن المصيبة أننا أمام “داعش” لا محمد الفاتح!

بشيء من القناعة، يحيّد جنبلاط سليمان فرنجية عن الزعماء المسيحيين الذين لم يقتنعوا برأيه بعد بنظرية الرئيس التوافقي، فقط لأنهم لا يزالون يرون فرصة في وصولهم المحتمل الى بعبدا.

لا يرى أمامه نموذجاً آخر لكميل شمعون أو بيار الجميل أو ريمون إده الذين سكنتهم الواقعية حيال فرص انتخابهم رؤساء للجمهورية، فكانت انتخابات 17 آب 1970 التي توّجت سليمان فرنجية رئيساً بفارق صوت واحد عن الياس سركيس.

وبطبيعة الحال، ليس وليد جنبلاط من مؤيّدي نظرية الرئيس القوي التي أنتجت في الماضي حروباً وصراعات ولا يمكن إلا أن تنتج اليوم المزيد منها إذا أصرّ أصحابها، كما يقول، على التمسّك بها.

في جلسات الحوار التي فنّدت مواصفات رئيس الجمهورية و “أصله وفصله”، كان جنبلاط من أكثر المقلّين في الكلام، تماماً كما حيال باقي المسائل المطروحة. أطول مداخلة لا تتخطّى الدقيقتين. يضع ملاحظاته على ورقة صغيرة. يُدلي بما لديه باقتضاب ويذهب مباشرة نحو صلب الموضوع متجنّباً المطوّلات.

وكان عليه تذكير الموجودين دائماً أننا قد نتفق وقد لا نتفق، لكن بمطلق الأحوال قد يصعدوننا مجدداً الى أحد الطوابق في فندق ما في عاصمة ما كما فعلوا في الدوحة، حيث تآلفنا مع روائح السيجار وفرضوا علينا التسوية.

“لطشة” جنبلاط جاءت في غمرة الحديث عن تعديل الدستور وخروج المتحاورين بقرار رفض تعديله. أما رؤية “البيك” لمواصفات الرئيس ففيها ما قلّ ودلّ “يملك حيثية وطنية وقوة جذب للآخرين”.

طبعاً لن يقدّم رأياً مقنعاً إذا سُئل عمّا إذا كان مرشحه هنري حلو ينتمي الى نادي الحيثية وقوة الجذب، لكنه متمسّك بهذا الترشيح ما دام الخيار الثالث المتوافَق عليه لم ير النور بعد. وحتى يحين أوان التسوية، يُصرّ جنبلاط على تحميل المسيحيين مسؤولية الشغور الرئاسي من جراء خلافاتهم المعلنة والمستترة، محيّداً بالكامل سليمان فرنجية من دائرة المغضوب عليهم، وذاهبا الى حدّ ترشيحه لرئاسة الجمهورية. الآخرون لا يرون في هذا الاعلان الجنبلاطي سوى “حبّ النكاية بعون وجعجع”.

وليد جنبلاط وسليمان فرنجية وأسعد حردان من أوائل الواصلين دائماً الى جلسات الحوار. فسحة صغيرة قبل بدء النقاشات الجدية، التي كثيراً ما يقطع رئيس “اللقاء الديموقراطي” حبل تسلسلها بمداخلة من خارج السياق أو تعليق ساخر، قرّبت المسافات وكسرت الحواجز الجغرافية والسياسية بين “بيك المختارة” و “بيك زغرتا”، خصوصاً بعد شهادة الأول أمام المحكمة الدولية وقوله يومها ان رئيس “تيار المرده” كان يتصرّف كـ “رئيس عصابة” (إبّان الوجود السوري).

ما ساعد أكثر في تليين خط التواصل بين الطرفين، نظر جنبلاط بشيء من التقدير الى تمايز فرنجية عن حليفه عون في أكثر من محطة، وتحييد نفسه مؤخراً عمّا يعتبرها حفلة مزايدات مسيحية بين عون وسمير جعجع.

أما بعد التوصّل الى تسوية التشريع، فإن جنبلاط يشارك تماما مع فرنجية مقولة “المعركة لم تكن تحرز كل هذا الصخب السياسي”. ومع ذلك، كان زعيم المختارة الى جانب سعد الحريري من الذين تعهّدوا بوضوح ان تكون الاولوية الاساسية بعد التشريع المالي بتّ قانون الانتخاب.

مع عون العلاقة أكثر تعقيداً ودقة. وبالرغم من لائحة المآخذ بسبب التزام رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” بسياسة السقوف العالية في الرئاسة والحكومة ومجلس النواب، قام جنبلاط بجهد استثنائي لإنجاح تسوية توخّى منها إعطاء ميشال عون “شيئا ما”. وفي هذه الحال فلتكن قيادة الجيش والتعيينات العسكرية، وذلك بعد الزيارة التي قام بها عون الى المختارة في 17 آذار الماضي.

لكن أمام حلف بري ـ “حزب الله” ـ “المستقبل” ـ جنبلاط الثابت الذي قضى بالسير بجلسة التشريع المالي، لم يكن “وليد بيك” معنيا بأي وساطة يكرّس من خلالها مكسبا مباشرا لميشال عون، فأتت تسوية اللحظة الاخيرة على قاعدة التعادل الايجابي الخاضع للاختبار، في وقت يكثر فيه زعيم المختارة من المواقف المحذّرة للمسيحيين من السير على حافة الهاوية.

وبرأيه، المزايدات المسيحية لم تقف عند باب مجلس النواب فقط بل عند براميل الزبالة. خلال المفاوضات الشاقة لإيجاد مطامر، أبرز جنبلاط استعداده لتحمّل جزء كبير من النفايات في ضهر البيدر على أن يتحمّل قضاءا المتن وكسروان الجزء المتبقي. لكن القضاءين المسيحيين بقيا طوال فترة النقاش خارج “جدول” المطامر…

آخر أنواع “الحساسية” الجنبلاطية “تغريدة” لجنبلاط على “تويتر” تستهدف مباشرة جبران باسيل عبر سؤالين: “ما هي سياسة لبنان الخارجية ومن يرسمها؟ هل يستأذن الوزراء بالسفر وفق الاصول ام لا والخزينة مفلسة؟”.