سابين عويس
بعد تحركه الاخير من أجل إقناع السلطات اللبنانية بضرورة إبرام القروض المعقودة للبنان، تحرك البنك الدولي مجدداً في زيارات شكر للمسؤولين على إقرار هذه القروض، بعدما أفضت التسوية السياسية إلى انعقاد الهيئة العامة للمجلس تحت مسمى “تشريع الضرورة”.
الشكر كان يجب أن يصدر عن اللبنانيين على تفهم المؤسسة الدولية وطول باعها في تحمل المزاجية السياسية اللبنانية في التنصل من المسؤولية وتهديد لبنان بخسارة الدعم الدولي لمشاريع تنموية حيوية.
ومع انقضاء اولى محطات الضغط، مفرجة عن مشاريع تفوق قيمتها الـ600 مليون دولار ويفيد منها نصف سكان لبنان في مجال المياه أو البيئة أو الاصلاح المالي، تفتح حقبة اخرى أمام لبنان لإطلاق دينامية جديدة في العلاقة مع المؤسسة الدولية، بدءا من إطار الشراكة للسنوات الخمس المقبلة، الذي يرسم إستراتيجية التنمية للمرحلة المقبلة والذي استعاد زخمه بعد توقف قسري فرضته القروض العالقة في البرلمان.
على هامش زيارته للبنان حيث التقى رئيسي مجلسي النواب والحكومة، تحدث نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا حافظ غانم إلى “النهار”، عارضاً حصيلة لقاءاته ومجدداً تأكيده دعم مؤسسته للبنان ولمشاريع التنمية فيه.
في مستهل الحديث، أكد غانم أن الهدف الرئيسي يرمي إلى تهنئة المسؤولين “لأنهم نجحوا في الاجتماع تحت قبة البرلمان وأقروا المشاريع العالقة، إذ بات يمكن مباشرة التنفيذ وإطلاق المناقصات”.
يتحدث غانم وكأن حملا ثقيلا أزيح عن كاهله. فبعد إقرار المشاريع، بات ممكنا للبنك الدولي أن يبدأ مع المسؤولين اللبنانيين البحث في المشاريع المقبلة والتفكير في المستقبل. ويقول: “مهمتنا في البنك تكمن في مكافحة الفقر وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية مهما إستغرق الامر من وقت”.
لكن ألم ييأس البنك من لبنان ومن سوء تعامله مع المؤسسة الدولية؟ يجيب منتفضاً: “لن نصل إلى اليأس. نحن هنا لنبقى. وهذه مسؤوليتنا، ونعي ان مسائل التنمية لا تخلو من المشاكل. ولكن يمكن القول ان لدينا قلقا على مستقبل المشاريع والقروض المقبلة. فالمعلوم ان البنك يستمهل لمدة أقصاها 18 شهرا، وبعدها تسقط القروض وتلغى. ولو لم يعمد البرلمان إلى إقرار القروض الاخيرة، لكانت حتما ستلغى وسيخسرها لبنان، وسنضطر إلى أن نتتظر فرصة ثانية”. ويذكر غانم في هذا السياق أن قرضين ألغيا في تموز الماضي بعد سقوط مهلهما.
ولا يغفل الاشادة بـ”دور رئيس المجلس في تحضير الجلسة التشريعية لأنه كان يرى محاذير عدم إقرار المشاريع”.
يأتي الحديث مع غانم عشية اجتماع مهم سيعقد غدا في باريس، وهو ترجمة لما تم التوافق عليه في الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين في ليما. ويكشف عن الاجتماع الذي حصل على المستوى السياسي وضم الامين العام للأمم المتحدة ورئيس البنك الدولي ورئيس البنك الاسلامي للتنمية، حيث تركز البحث على سبل تمويل المشاريع التنموية في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا في ظل الاضطرابات وأزمة النزوح. وقال إنه تم الاتفاق على عقد إجتماع على المستوى التقني، يضم دولا اوروبية وعربية وممثلي المؤسسات الدولية من أجل وضع آليات التنفيذ، على ان يعقد الاجتماع الثالث في الدول المستفيدة مثل لبنان والاردن.
ويكشف ان ثمة آلية من شقين يجري البحث فيهما: التمويل الميسر من خلال خفض الفوائد إلى معدلات تقارب الصفر، والطلب الى الدول المعنية دعم ضمانات لاستخدامها لبيع سندات في السوق المالية وصكوك من البنك الاسلامي. ولفت إلى ان ثمة سيولة فائضة في الاسواق يمكن الافادة منها، كاشفاً عن إنشاء صندوق للمنطقة لدعم التنمية.
ويؤكد ان هذا الصندوق الذي يخص لبنان ايضا لكونه احدى اكبر الدول الحاضنة للنازحين، لا يلغي الصندوق الائتماني الذي أقرته مجموعة الدعم الدولية، ولا يتعارض مع إطار الشراكة الذي يحكم العلاقة بين البنك الدولي ولبنان.
وفي حين يتحفظ عن تقدير حجم التمويل المرتقب للسنوات المقبلة، يؤكد أن الامر يتوقف على 3 عناصر: المشاريع، السياسات الحكومية والقدرات الاستيعابية للبلاد. ويقول إن الاولوية ستكون حتما لمشاريع الطاقة والتعليم وما سيعرضه لبنان من مشاريع أخرى.
ويخلص الى التشديد على دعم البنك للبنان وأنه يبقى ضمن الاولويات نظرا الى حاجاته. ويقول: ” نضاعف قدراتنا لمساعدة كل الدول. المهم ان يحدد لبنان مشاريعه، وقد بدأنا مع وزارة المال والحكومة العمل على ذلك”.