Site icon IMLebanon

«الشمول المالي»: لزوم ما لا يلزم

BanksAssociation3

محمد وهبة
المزيد… هو التعبير الوحيد عن مفهوم «الشمول المالي». المزيد من العملاء، في سبيل البحث عن المزيد من الأرباح. في لبنان ليست هناك ضرورة لهذا البحث ولهذه الكلفة، طالما أن القسم الأكبر من أرباح المصارف يولّدها الدين السيادي!
افتتح أمس المؤتمر المصرفي العربي السنوي في دورته العشرين بعنوان «خريطة طريق للشمول المالي 2015 – 2020». تعريف مفهوم «الشمول المالي» ينطوي على عناوين كثيرة، برزت منها في المؤتمر كيفية إدخال الفئات التي تصنّف مهمّشة مالياً أو الفئات التي تصنّف من ذوي الدخل المالي المتدني الذي لا يسمح لها بالانخراط في عمليات النظام المصرفي. إسقاطات تعريف «الشمول المالي» في لبنان، كثيرة ومتعدّدة. كل جهة ترى الأمر وتفسّره من زاويتها. حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قال إن «الشمول المالي ينطلق من إيجاد ثقة بالقطاع المالي وبالنقد الوطني. وهذا ما عملنا عليه في مصرف لبنان قبل أن نطلق عددا من المشاريع والهندسات التي أعطت نتائج مهمة.
وفي لبنان وصل عدد المقترضين اليوم إلى أكثر من 800 ألف. هنالك أكثر من 100 ألف قرض سكني و50 ألف قرض للتعليم». مكوّنات الشمول المالي لا تقتصر على ذلك، فهي أيضاً تتعلق بـ«ملاءة الدولة الجيدة. صحيح أن الدين العام مرتفع وهو يمثل 140% من الناتج المحلي، لكن إذا حذفنا من هذا الدين العام ما هو مملوك من مصرف لبنان، تكون هذه النسبة أقلّ من 100%».
بالنسبة للمصارف فإن الشمول المالي يتعلق بالفئات التي يجب إدخالها إلى النظام المصرفي وتحويلهم إلى عملاء ينخرطون في التسليفات والإيداعات ويسهمون في الأرباح.

وبحسب رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه، فإن الدراسات تشير إلى أن 38% من البالغين في العالم، أي نحو ملياري نسمة، لا يزالون خارج الأنظمة المصرفية، وغالبيتهم موجودون في دول جنوب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كذلك تبيّن أن 75% من الفقراء لا يتعاملون مع المصارف بسبب ارتفاع التكاليف وبُعد المسافات والمتطلبات المرهقة. من شأن تعميم الخدمات المالية أن يساعد الأفراد ذوي الدخل الضئيل على مواجهة الفقر والتعاطي بصورة أفضل مع حالات المداخيل غير المنتظمة والمستحقات الكبيرة الموسمية، ويوفّر للمؤسسات الصغيرة الأموال التي تحتاجها لتأسيس مؤسسة ما وتوسيعها».

في الواقع، تشير الإحصاءات التي تنشرها جمعية المصارف إلى أن حجم التوظيفات السيادية، أي في الدين العام ولدى مصرف لبنان، ارتفعت إلى 106 مليار دولار في أيلول 2015، من أصل موجودات إجمالية للمصارف تبلغ 181.3 مليار دولار. أما التسليفات للقطاع الخاص، فهي تبلغ 46.8 مليار دولار. أي إن نحو 59% من الموجودات موظّفة لدى الدولة و25.8% لدى القطاع الخاص. هامش الربحية بين مجمل توظيفات المصارف في لبنان، ومجمل كلفتها بلغ 0.83% على الليرة اللبنانية و1.34% على الدولار. مصدر الأرباح الكبيرة، اذا، ليس القطاع الخاص.
هذا هو «الشمول المالي» في لبنان. أما المشاريع والإجراءات التي يقول مصرف لبنان إنها تغذّي «الشمول المالي»، فتفيد النظام المالي أولاً لتستمر التدفقات الخارجية إليه، ثم يعاد توزيعها داخلياً لتصبح مصدر أرباح للمصارف ثانياً، وتتحول إلى مصدر مكلف للتمويل ثالثاً.
إذاً، أين يقع الفقراء وذوو الدخل المحدود في «زوبعة» الشمول المالي؟ كيف يستفيدون؟ هل يمكن النظام المالي في لبنان أن يوفّر لهم إغراءات تدخلهم إليه؟
فقراء لبنان يعيشون تحت خطي الفقر الأدنى والأعلى. نسبتهم تزيد عن 30% (بعد دخول اللاجئين السوريين ارتفعت نسبة الفقر تحت الخط الأعلى كثيرا) وهم يعيشون بأقل من 4 دولارات يومياً. وبحسب المحامي بول مرقص، فإن 8% فقط يحصلون على التمويل رغم كل إجراءات مصرف لبنان ومبادراته في الدعم.

يثير الأمر سؤالاً: هل ثمة وعيٌ كافٍ لدى مصرف لبنان ولدى المصرفيين بمبررات اجتناب الفقراء للمصارف؟ لا شكّ أن النسبة الكبيرة من الفقراء لا تثق بالمصارف رغم سريتها المصرفية التي تحمي «الكبار» ولا تهمّ الفقراء المعدمين. هم يرون أن لا قدرة ولا ضرورة لدفع عمولات وفوائد للمصارف مقابل قروض أو مقابل أي خدمات مالية. المفاجئ أنهم يعلمون الكثير عن فرض العمولات واقتطاع الرسوم بلا اذن الزبون، وغياب الشفافية عن الأكلاف… يعلمون كل ذلك من الإعلانات عن قروض بصفر في المئة، وعن إعفاءات غير موجودة إلا في خيال مصممو الإعلان للمصرف… الثقة بالقطاع المصرفي، لا يمكن تقديمها من الجهات الناظمة التي تكتفي بإدارة وتشغيل نظام مالي يعتمد على التدفقات من خارج لبنان لتمويل عجزه في المبادلات التجارية مع الخارج، ويمنح في سياق ذلك مكافأة تسمى «أرباحاً» للمؤسسات المجنّدة في إطار هذا النظام… انتفاء الحاجة متبادل بين الفقراء وبين الهيئات الناظمة والمنتفعين منها. «الشمول المالي» يتطلب شفافية غير مرغوب فيها في لبنان.