مُنتج نادر، من الصعب تحديد قيمته، ويدفع المُشترون مقابله أسعاراً تبدو هائلة وغير منطقية. سوق الرؤساء التنفيذيين الذين يتقاضون أجوراً عالية تبدو قليلاً مثل سوق أعمال موديلياني. ومثل الأعمال الفنية، يتم تداول الرؤساء التنفيذيين في الغالب من خلال الوسطاء – شركات البحث عن موظفين التي تحصل على المُرشّحين وتفرزهم وتقوم بإعدادهم للمناصب العُليا في الشركات.
التشابه، مع أنه يبعث على الإغراء، إلا أنه غير دقيق. الرؤساء التنفيذيون ليسوا لوحات زيتية. الجيديون منهم قد يكونون نادرين، لكن باعتبارهم فصيلة من الناس، فهم ليسوا نادرين أو ذوي قيمة عالية بقدر ما يظنون. بالمثل، فإن الناس الذين يبحثون عنهم ليسوا مُفيدين أو مختصين تماماً بقدر ما يدّعون. وكما قالت إحدى شركات البحث عن الموظفين بشأن الرؤساء التنفيذيين “من الواضح أنهم يجب أن يكونوا أذكياء بشكل معقول واجتماعيين ومعقولين وهلمّا جرّا (لكن) ليس الأمر أنهم واحد من مليون… إنهم مثلنا، نعم، مثلنا تماماً”.
إليكم ما يقوله مستشار آخر مختص في البحث عن مسؤولين تنفيذيين عن الناس الذين، بشكل غير مباشر، يدفعون أجره “أنا أعتقد أن هناك كثيرا من الرؤساء التنفيذيين في الشركات المدرجة على مؤشر فاينانشيال تايمز 100 الذين هم دون المستوى بكثير… هناك كثير من الحظ من حيث كيفية الحصول على المنصب وهناك كثير من الناس الآخرين الذين كان من المُمكن أن يحصلوا على ذلك (المنصب)”.
هذا هو الأمر إذن ولا حيلة لنا في تغييره. للاستشهاد بباحث من كلية لندن للاقتصاد الذين استخلصوا هذه الملاحظة وكثير من التعليقات الأخرى غير الحذِرة، بشكل رائع من شركات البحث عن الموظفين في لندن “هناك حظ في كونك المُرشّح، وحظ في كونك المُختار، وحظ في الاختيار إذا تبيّن أنه أفضل من العادي”.
عندما حذّرت قبل بضعة أعوام من أن الجمع بين المنافسين الجُدد، والتغيير الهيكلي والبيانات على الإنترنت – ولا سيما موقع لينكدإن – يُمكن أن يجرف الباحثين عن الموظفين إذا لم يتطوّروا، واجهتُ انتقادات قاسية من بعض الباحثين. قال أحدهم غاضباً “هل تعتقد فعلاً أننا نتدبر أمورنا من خلال الخداع والتضليل”.
حسناً، البحث يذهب أبعد من ذلك من حيث الإشارة إلى أنهم كذلك. إنه يُجرّد فكرة أن أي شخص يستطيع بشكل دقيق تقييم أداء الرؤساء التنفيذيين المُحتملين، أو أن شركات البحث عن الموظفين تبذل كثيرا من الجهد لتقييمه، الأمر الذي يترك الصناعة عارية تقريباً مثل لوحة “المرأة العارية” لموديلياني.
سأل الباحثون أحد المستشارين، هل تحتفظ بقاعدة بيانات تتعقّب نجاح الناس الذين تُعيّنهم؟ فقال “نحن لا نفعل، لأن هناك كثيرا من البيانات في جميع أنحاء المكان”. وسألوا مستشاراً آخر، هل تتمكّنون من الوصول إلى الأداء الأخير للمُرشّحين. “نحن لا نفعل ذلك بأي طريقة من الطُرق الرسمية. أعني، كما تعرفون، من الواضح أننا سنفعل، فعندما نُعيّن شخصاً ما، نأمل أن يُصبح فيما بعد من عملائنا، أو كما تعرفون، نبقى على اتصال معهم”.
“البقاء على اتصال” هو واحد من المهارات الأساسية القليلة لأي شركة تبحث عن موظفين – على وجه الخصوص، البقاء على اتصال مع المُرشّحين المُحتملين، مع مجالس الإدارة التي قد تُقدّم رسوماً للمتابعة. وهذا يُفسّر الطريقة الدائرية التي تقوم فيها الشركات بتقييم وتبرير قيمة عملها: من خلال احتساب تكرار الأعمال. الدراسة، التي تظهر في مجلة الإدارة العامة، تعرض أيضاً المُحافظة على العملية (التي ربما تُسهم في عدم وجود التنوّع في مجالس الإدارة)، والوزن الذي تضعه على الجاذبية الشخصية بين الباحثين والشخص المرغوب. بشكل غريب، الصعوبة في ربط نجاح الشركة مع المهارات التنفيذية هي ذاتها التي تزوّد شركات البحث عن موظفين ببعض الحماية ضد الآليات والخوارزميات التي تحوّل الطرف الأدنى من قطاع التوظيف.
لا تزال هناك حاجة إلى عدد قليل من البشر “الاجتماعيين والمعقولين” للتوسّط بين أعضاء مجلس الإدارة والمُرشّحين. أوضح لي أحد الباحثين عن الموظفين أن سمعة الرؤساء التنفيذيين “يتم اكتسابها وفقدانها نتيجة الرواية والأداء المنظور – فهي ليست عِلماً”. دائماً ما ستكون هناك حاجة إلى بعض المختصين لجمع وتفسير الإشارات المهمة للغاية، والقضاء على الدوران والتملّق والكذب، وإكمال الصورة المعروضة لمجلس الإدارة.
رئيس مجلس إدارة، هناك شيء يجب قوله، أيضاً، عن وجود مستشار إلى جانبك خلال عملية الخلافة، لكن أحد الذين تحدّثْتُ معهم قال إنه دائماً سيتبع الإشارات في الشخص، ولن يثق بأي باحث عن موظفين “لقراءة فترات الصمت”.
البحث عن الموظفين يُصبح أكثر موضوعية وأقل رسمية، لكن النوعية المُعتدلة لكثير من الرؤساء التنفيذيين هي علامة على أن كثيرا من الأمور لا تزال غير سليمة.
بعض من أولئك الذين شملتهم الدراسة الجديدة عبّروا عن كرههم للمستوى المرتفع لأجور الرؤساء التنفيذيين. مع ذلك، يلعب الباحثون دوراً حيوياً في عملية الاختيار بحيث يعترفون بأنه إجراء تعسّفي في بعض الأحيان، حيث الإدراج في القائمة المُختصرة غالباً ما يكون قائما على الحظ، ويكاد يكون من المستحيل قياس تأثير المُرشّحين.
إذا كان الرؤساء التنفيذيون يتقاضون أجوراً عالية وذوي تقييم متواضع، فإن الناس الذين ساعدوا على اختيارهم يجب أن يتقاسموا جزءا من اللوم.