كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”: يصِرّ مرجع أمني بارز على التأكيد أنّ في الإعلان عن الإنجازات التي يحقّقها ما يوحي بعمل المنشار الذي يأكل في الاتجاهين: فبقَدر ما يجني من مكاسب أمنية تعود بالأمن والاستقرار على البلد، بقدر ما يضَع البلد ومعه هذه الأجهزة في عين العاصفة التي تضرب لبنان والعالم متجاوزةً الحدود ما بين الدوَل والقارّات. فكيف ولماذا؟
لا يُخفي القادة الأمنيون حجمَ المخاوف الموجودة لديهم على أمن المراكز الأمنية والعسكرية والبلد بشكل عام. فالإنجازات الأمنية التي تَحقّقت في الفترة الأخيرة تضع مُعدّي المكائد والمخططين للعمليات الإرهابية في أخطر موقع، ما قد يؤدي الى ردّات فعل لدى هذه المجموعات ومشغّليهم، وقد يرفع من نسبة المخاطر التي تحيط بلبنان واللبنانيين، وهو أمر يرفع تلقائياً من نسبة الجهوزية لدى القوى الأمنية لتكونَ على تماس مع أيّ من المخاطر الداهمة.
قبل عسكرةِ الثورة السورية وبَعدها عانى لبنان سنوات من الاضطرابات الأمنية على خلفية ما كان يدور في العالم من أحداث أمنية على مستوى القارات قاطبةً. ولا يتلعثم المتتبّعون لموجات الإرهاب التي ضربت العالم منذ القرن الماضي الى اليوم في سرد الروايات التي شهدَتها بيروت ومناطق لبنانية عدة من موجات اللجوء الإرهابية الى ملاذات أمنية وضَعت الأمن القومي اللبناني في مرمى الأخطار الكبرى.
ولأنّ المقال لا يتّسع للكثير من الأمثلة فلا يسَع المراجع الأمنية وهي تشرح لمظاهر الإرهاب الذي اتّخذ من لبنان مقرّاً له أو معبراً الى مختلف أصقاع الأرض الروايات التي يمكن نسجُها عن “الجيش الأحمر الياباني” الذي اضطرّ قادتُه للّجوء الى لبنان في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، وهو ما جعلَ لبنان مقصداً لكلّ القادة اليابانيين بحثاً عن أبطاله رغم البُعد الجغرافي والزمني بين لبنان واليابان.
ولا ينسى القادة أيضاً الكشفَ عن عمليات اخرى امنية شهدَها لبنان في السنوات الماضية – رغم انّ بعضها بقيَ طيّ الكتمان – لو لم يضطرّ قادته الأمنيين الى الكشف عن بعضها في مجال تعزيز التعاون بين لبنان والأجهزة العالمية، وخصوصاً عندما يضطرّ كبار القادة الأمنيون للحضور لدى المقامات الكبرى مكرّمين بالنظر الى إنجازاتهم الأمنية لتبقى من الألغاز المقفَلة على حقائقها ووقائعها.
ومرَدّ ذلك باعتراف العاملين في الحقول الأمنية الدولية والمحلّية الى وجود الكثير من السرّية في زوايا العمل المخابراتي والأمني الدولي قد يطويها الزمن دون ان تكشفَ حقائقها لتدخل أدراج الأرشيف في العلاقات بين الأجهزة الأمنية والدول.
وعلى هذه الخلفيات، يتحدّث القادة الأمنيون في الغرف المغلقة عن حجم التعاون بين لبنان والدول الكبرى حول تبادل المعلومات وخصوصاً تلك التي تواكب وتراقب حركة الإرهاببين الخطِرين الذين يمكن ان تتوفّر لهم كلّ أشكال الحصانة السياسية والدبلوماسية أحياناً.
هذا عدا القدرات المالية التي يمكن ان تكون بتصرّفهم لتجعلَ منهم “أشباحا” في بعض المرّات تتداول أسماءهم الأجهزة الأمنية دون أن تتوفّر لهم صورة فوتوغرافية أحياناً. وإنْ توفّرَت للبعض منهم اكثر من صورة فيَحار متتبّعوهم في اعتماد أيّ منها.
هذا في العمل المخابراتي، كعمل أمني متقدّم يُستخدم في مواجهة كلّ اشكال القرصنة والإرهاب الإقتصادي والأمني والمالي بعدما تنوّعت اعمال الإرهاب وأشكاله. فليس على أجندة العالم الغربي وقادة أجهزته هموم امنية فحسب، فقد أدخلت العلوم المتقدّمة والإكتشافات الحديثة انواعاً عدّة من الإرهاب المادي والمعنوي الملموس وغير الملموس.
لكنّ المتداول به في أيامنا يقتصر على الوجه المادي للإرهاب بعدما قدّمت “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ومجموعات إرهابية أخرى انموذجا من الإرهاب المكشوف باستخدام كلّ أشكاله غير الإنسانية وغير الأخلاقية.
وكلّ ذلك بهدف زرع الرعب في نفوس المواطنين على وجه الأرض قاطبةً تحت رايات الإسلام المزوّرة لحقيقة الدين وما يقول به، ليس في لبنان وسوريا والعراق فحسب، بل على مستوى العالم، وهو ما جعل لبنان في موقعِه نقطةَ التقاء من الإرهابين وقادتهم من جهة، وقادة الأجهزة الأمنية والإستخبارية العالمية التي تواجههم من جهة أخرى.
وأمام هذه الوقائع المذهلة فقد استقطب لبنان وجوهاً وقادةً من مختلف الأجهزة الأمنية في العالم بعدما نجحت الأجهزة الأمنية فيه باكتشاف الكثير من العمليات التي عاشها لبنان وجرى تعميمها على أكثر من دولة في العالم، ولا يمكن التطرّق اليها كاملةً، ففيها الكثير من الألغاز والأسرار التي لا يمكن البَوح بها حتى الآن.
وأمام خريطة المواقف هذه وحجم المخاطر المتوقّعة وتلك التي ترتَّبَت على أحداث عالمية كبرى هزّت كيانات قارّات ودولاً وهي تهدّد اليوم بوقف كلّ أشكال الأجواء المفتوحة بين الدول عندما ستضطرّ حكومات عدّة الى إلغائها والتشدّد في حركة الداخلين إليها والعابرين منها، ثمّة سؤال مطروح اليوم بقوّة وليس أوان الإجابة عنه، ومفادُه: هل التزمت دولٌ عدّة وأجهزة مخابراتية عالمية بما تزوّدته من معلومات من لبنان؟ وهل صحيح أنّ بعضها أبدى نَدماً عميقاً في الأيام الماضية؟