لعل المفارقة الغريبة التي طبعت الانطباعات السياسية حيال “شائعة” عن لقاء جمع الرئيس سعد الحريري ورئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية في باريس والتي سارع كل منهما الى نفيها فور شيوعها هي ان كثرا من السياسيين الدائرين في فلك الفريقين يميلون ضمنا الى ترجيح حصول اللقاء فعلا.
الواقع انه يكفي ان تسود حالة من الترجيحات بين الاوساط السياسية التي بدت مهتمة بتقصي حقيقة ما يقف وراء هذه “الشائعة” بنصف يقين وحيرة بين مصدق لنفي حصول اللقاء وغير مصدق له ليتبين ان ثمة ما كان يجري تداوله في شأن تحركات فرنجية تحديدا ومواقفه السياسية وتموضعاته في شأن الملف الرئاسي منذ فترة سبقت هذه الشائعة باشهر عدة. ذلك ان رئيس تيار المردة اثار غبارا كثيرا في الاونة الاخيرة من خلال حرصه على ابراز موقعه المتمايز عن مواقف حليفه و”مرشحه” الاول للرئاسة الاولى العماد ميشال عون في معادلة لا يزال كثيرون من معارضي وصول كل من الزعيمين الى رئاسة الجمهورية يعتقدون جازمين بان طريق قصر بعبدا لن تكون معبدة لهما سواء بسواء. ومع ذلك فان احتمال لقاء الحريري مع فرنجية ولو وجد طريقه الى النفي الفوري على لسان الحريري وفرنجية لا يحدث صدمة واقعية لدى بعض من يتابعون تطور تحرك فرنجية وتمايزه الذي برز بقوة في ملفات عدة متعاقبة اخيرا من بينها اصراره على حضور الجلسة التشريعية لمجلس النواب في عز معارضة عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لها قبل ان تفتح التسوية التي اجترحها الحريري الطريق امام موافقتهما على المشاركة فيها. حتى ان هؤلاء وفي معرض عدم استبعادهما فرضية ان يكون لقاء الحريري وفرنجية قد حصل فعلا يعودون بالذاكرة الى اللقاء السري الاول الذي عقد بين الرئيس الحريري والعماد عون في باريس والذي ظل ستار الانكار والكتمان مفروضا عليه طوال اشهر عدة الى ان اكد عون نفسه حصوله. ولكنهم يسارعون الى القول انه في حال صح حصول اللقاء بين الحريري وفرنجية فانهم يرجحون ان يكون انعقاده جاء برغبة من فرنجية وبموافقة من الحريري باعتبار كما قال وزير الداخلية نهاد المشنوق فان اي شيء لا يمنع لقاء كهذا ما دام الجميع يلتقون حول طاولة الحوار.
ولكن للمتابعين انفسهم تفسيرات تستند الى معطيات سابقة بمدة غير قصيرة لخبر الشائعة عن اللقاء تدفعهم الى الاعتقاد بان شيئا ما جديدا قد يكون طرأ على الحسابات الرئاسية لدى بعض افرقاء 8 آذار ولا سيما منهم فرنجية و”حزب الله” في توسيع هامش الحركة المتصلة بالتسويق لمنطق التسوية السياسية التي يريد هذا الفريق ان تنطلق من التسليم بمرشحه للرئاسة مع الفريق الاخر بما يعني ان التمسك بالعماد عون مرشحا اول ثابتا لهذا الفريق لا يسقط توسيع هامش المناورة امام حركة فرنجية. في معلومات لدى هؤلاء المتابعين ان موضوع ترشح فرنجية جرى تداوله في الكواليس البعيدة من الاضواء بين بعض قيادات 8 آذار قبل فترة بعدما تصاعدت اصداء مواقفه المتمايزة مع مواقف العماد عون.
وتردد ان لقاء عقد قبل اشهر قليلة بين الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله والنائب فرنجية جرى خلاله نقاش طويل في ملف الرئاسة وان التوافق بينهما على اولوية ترشيح العماد عون لم تمنع طرح احتمال تبني ترشيح فرنجية في حال الوصول الى اقتناع باستحالة وصول العماد عون. ولكن السيد نصرالله الذي حرص على التعبير عن مدى التقدير الكبير الذي يكنه لزعيم “المردة” حرص بلباقة مماثلة على ابداء الموجبات التي تحتم التمسك بترشيح العماد عون حصرا.
كما ان موقف السيد نصرالله، بحسب المعطيات التي يوردها هؤلاء المتابعون، رددها الرئيس السوري بشار الاسد في لقاء جمعه لاحقا مع النائب فرنجية. ويلفت هؤلاء الى ان فرنجية قد يكون لمس معطيات عدة في الاومة الاخيرة من شانها ان تعزز فرصه الرئاسية اكثر من العماد عون الذي بات وضعه يواجه الانسداد في ظل التأزم الطويل الذي استهلكته معادلة التمسك بعون وحده مرشحا لفريق 8 آذار وهو امر قد يتعين معه التساؤل عما اذا كان شيء جديد قد طرأ ومن شأنه توسيع رقعة الخيارات داخل الائتلاف الواحد .
وبموازاة هذه المعطيات فان “الشائعة” التي جرى نفي صحتها عن لقاء الحريري وفرنجية اثارت الكثير من التساؤلات ايضا عما يمكن ان يكون دفع بالحريري نفسه الى عقد اللقاء في حال حصوله. في هذه الفرضية يميل المتابعون الى تحكيم خلاصة مفادها ان لقاء مفترضا كهذا ربما يقاس بالمعايير نفسها التي دفعت في السابق نحو حصول لقاء بين عون والحريري والذي فتح قنوات تواصل بينهما اثمر بعضها نتائج سياسية ملموسة من ابرزها تسهيل تشكيل الحكومة الحالية، كما انه يمكن اضافة معايير اخرى تتصل بالانفتاح الحريري على اي تواصل جديد مع زعيم “المردة” ما دام المناخ السياسي الناشئ عن التهدئة والحوارات المتعددة الاتجاه يبدو ماضيا قدما بمعزل عن آفاق هذه الحوارات والى اي مدى يمكن ان تذهب به بالوضع الداخلي .ولا يفوت المتابعون اخيرا ان يلفتوا الى ان عدم حصول اللقاء فعلا لا يعني التقليل من دلالات كل المعطيات التي سبقت هذه “الشائعة” او واكبتها واعقبتها .