رولا عطار
تراجع نشاط المرافئ السورّية خلال سنوات الأزمة الخمس، والسبب الرئيسي لذلك يعود إلى العقوبات الاقتصادية التي فرضت على البلاد، وإلى إغلاق المعابر الحدودية أمام حركة الترانزيت إلى الدول المجاورة، وقد ساعد ذلك في زيادة النشاط في مرافئ تلك الدول، لاسيما في مرفأي بيروت وطرابلس.
الشركة العامة لمرفأ طرطوس، وهي واحدة من الشركات التي تدير حركة المرافئ في سوريا، والتي تعتمد في نشاطها بشكل خاص على حركة بضائع الترانزيت مع الدول المجاورة، سجلت، ومن خلال تقييم الحركة التجارية للمرفأ خلال سنوات الأزمة، تراجع الحركة الملاحية في مرفأ طرطوس بنسبة 50% خلال العامين 2012 و2013 وعامي 2014 و2015. كما كان للعقوبات الاقتصادية التي فرضت على سوريا تأثير على حركة المرفأ، ونستطيع أن نرى ذلك من خلال تراجع الحركة الملاحية من جهة، وعدم القدرة على تلبية متطلبات الإبقاء على الجاهزية التامة، وصعوبة تأمين القطع البديلة للآليات والروافع والزوارق من السوق المحلية ومن الشركات الصانعة من جهة أخرى. وبالرغم من ذلك كان هناك نشاط في حركة الاستيراد والتصدير، وذلك بحسب المدير العام للشركة نديم علي حايك، في حديثه لـ”المدن”.
وفق الحايك، الواقع المتردي يظهر الحاجة الى تنشيط عمل المرفأ، “لذا نعمل على خلق بيئة تنافسية تهدف لزيادة حركة النقل وتسريعها من خلال رفع درجة التنسيق والتكامل والشفافية في إجراءات عملية النقل. كما نسعى لتأمين التجهيزات والمعدات الضرورية للمرفأ وتطوير أسطول النقل البحري لينقل جميع أنواع البضائع. ومن الخطوات الضرورية التي يجب أن تتخذ: إلغاء قرار ترشيد إجازات الاستيراد والتصدير للتجار وفتح المجال أمامهم لاستيراد مختلف البضائع. كما نرى أنه من المفيد حصر الاستيراد لبعض البضائع والمواد عن طريق البحر والمرافئ السورية مثل الحديد والخشب، والمواد العلفية والرخام”.
وكان لتداعيات الظروف الأمنية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، انعكاسها السلبي على نشاط حركة المرافئ. هذا الأمر استفادت منه مرافئ الدول المجاورة حيث ازدادت الحركة والنشاط في مرفأي بيروت وطرابلس على حساب المرافئ السورية، وهذا يظهر من خلال شركات النقل التي أحجمت عن تفريغ بضائعها في الموانئ السورية تجنباً لدفع الغرامات، وفضلت التوجه إلى مرافئ الدول المجاورة، ومنها على سبيل المثال السفن المحملة بمادة الفحم التي منع تخزينها في المرافئ السورية. أما المواد التي ظلت تصل، فهي المواد الأساسية مثل القمح والطحين والشعير. كذلك كان للعقوبات الاقتصادية، ولاسيما العقوبات الأميركية، دورها في التأثير على حركة المرافئ بسبب خوف السفن من التعرض للحظر، كما يذكر لـ “المدن”، مدير النقل البحري في وزارة النقل حسام الدوماني.
ولمواجهة هذا التراجع تقوم وزارة النقل السورية، بحسب الدوماني، بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بوضع تعرفة بالدولار الأميركي فقط، منافسة للتعرفة المعتمدة في المرافئ المجاورة بما يضمن تشجيع الناقلين للقدوم إلى المرافئ السورية، كما تم إعداد مشروع لتعديل تعرفة محطة حاويات طرطوس، وهي تعرفة منافسة للمحطة الموجودة في مرفأ بيروت، وتحديد نسبتها لا يزال قيد الدراسة. وفي السياق تم تشكيل لجنة مركزية لتعديل الضوابط والاشتراطات المعمول بها بخصوص استيراد مادة الفحم بما يساهم في تشجيع السفن على القدوم إلى المرافئ السورية عوضاً عن المرافئ المجاورة.
وتوضح الأرقام الصادرة عن وزارة النقل، أن تأثر الحركة الملاحية وحركة المرافئ كان أمراً ملاحظاً خلال السنوات الخمس السابقة، حيث تبين الإحصائيات وجود تناقص في عدد البواخر القادمة إلى المرافئ السورية خلال عامي 2014و2015 بنسبة 0.32 في مرفأ طرطوس وبنسبة 22% في مرفأ اللاذقية، هذا إلى جانب التراجع في إيرادات مرفأ طرطوس بمقدار 0.11، في حين كان هناك زيادة في إيرادات مرفأ اللاذقية بـ 60%.
ويرجع السبب في التناقص الحاصل في مرفأ طرطوس إلى أن اعتماده الرئيسي كان على بضائع الترانزيت إلى العراق والأردن وتركيا، ولكن بسبب الظروف الراهنة فإن معظم البضائع تكون للاستهلاك المحلي بسبب سيطرة مجموعات المعارضة على المنافذ الحدودية، في حين أن مرفأ اللاذقية هو مرفأ حاويات.
من جهة أخرى تعدّ مكاتب الشحن وشركات التخليص الجمركي، من الجهات المرتبطة بعمل المرافئ بشكل مباشر، وبالتالي فهي تتأثر بحركتها. ويقول أحد العاملين في مجال خدمات الشحن محمد شراق: “توقفنا عن العمل منذ حوالي السنة والنصف حيث أصبحت عمليات الاستيراد والتصدير أكثر صعوبة، إضافة لما تسببت به العقوبات الاقتصادية من صعوبات في العمل”. ويضيف شراق لـ “المدن”، أن هذه الحال “دفعتنا إلى صرف بعض العمّال ثم التوقف نهائياً عن العمل”.
مؤشرات كثيرة تدل على أن عمل القطاع البحري السوري تراجع بشدة. ويوضح أحد العاملين في مجال النقل البحري، فضل عدم ذكر اسمه، أن “عدداً كبيراً أصحاب البواخر هربوا خارج البلاد فضلاً عن أن معظم مرافئ اوروبا توقفت عن تصدير بضائعها إلى سوريا، والبواخر التي كانت ترفع العلم السوري لم نعد نراها، وأصبح السوريون غير قادرين على العمل أو السفر في البحر. كذلك، البواخر التي كانت مسجلة في مديرية الموانئ، كان عددها يفوق الـ 400 باخرة أما الآن فعددها لا يتحاوز الخمس، منها واحدة أو اثنتان مملوكة للدولة السورية، وهذا أمر كارثي، إذ خسرت مرافئنا ما يقارب الـ 70% من حجم أعمالها”.