أثبتت الحكومة اللبنانية عجزها عن إدارة ملف النفايات، إذ لجأت بعد خمسة أشهر على بدء الأزمة الى خيار الترحيل بعد أن إستبعدت خيار المطامر. والترحيل هو الخيار الأكثر كلفة بين الخيارات المتاحة (إذ تقدر كلفته بنحو نصف مليار دولار سنوياً) كحل مؤقت خلال المرحلة الإنتقالية من خطة (الوزير أكرم) شهيب، هذا إن استطاع لبنان المضي في تطبيق هذا الخيار، بسبب الكلفة المرتفعة والمعايير الدولية التي يفترض توفرها لترحيل النفايات الى الخارج، فيما يعجز لبنان عن سداد فوائد الديون المتزايدة.
وبالتزامن مع هذا الإعلان، أرسل وزير البيئة محمد المشنوق الى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، تعميماً حمل الرقم 8/1 في 16 تشرين الثاني 2015، لتعميمه على البلديات واتحادات البلديات والقائمقامين والمحافظين، وتضمن الإرشادات التي يمكن تطبيقها في خطة الإدارة المتكاملة للنفايات المنزلية الصلبة، كتخصيص عقار ضمن النطاق البلدي، وفرز النفايات القابلة لإعادة التدوير وتخزينها وتجهيزها، وتشجيع آلية تسبيخ المواد العضوية، عن طريق تخميرها وتحويلها إلى سماد. كما تطرق التعميم الى الآليات المختلفة التي يمكن إستخدامها كاستصلاح المواقع المشوهة أو استرداد الطاقة بما فيها المحارق والتي تخضع لأحكام مرسوم أصول تقييم الأثر البيئي الرقم 8633.
في قراءة سريعة للتعميم، نستخلص غياب التماهي بين مضمون التعميم وقرار الترحيل الذي تم اعتماده أخيراً، فكيف يتم إصدار تعميم يتضمن إرشادات الإدارة السليمة للنفايات فيما يتم البحث في عروض شركات ترحيل النفايات؟، في وقت بات الترحيل الحل المعتمد رسمياً، ودخل مرحلة غربلة العروض وانتقاء العرض الأسلم والأضمن والأرخص” وفق ما أكده وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس في حديث إذاعي اليوم الجمعة، لافتاً إلى أن “خيار الترحيل هو الحل الأسوء”.
يشير مصدر في وزارة البيئة في حديث لـ “المدن” الى أن “قرار الترحيل منفصل كلياً عن مضمون التعميم” على اعتبار أن “النفايات التي يتم الحديث عن ترحيلها، هي النفايات التي تكدست على مدى خمسة أشهر في مكبات عشوائية، وهي نفايات بيروت وضواحيها وبعض مناطق جبل لبنان والتي كانت سوكلين ملتزمة خدمة النفايات فيها”، ما يعني أن الحكومة باتت تلجأ إلى حلول مجتزأة وناقصة تعتمدها بين فترة وأخرى بعد أن تتكدس النفايات مجدداً. ولا تزال فترة ترحيل النفايات مجهولة، فإذا صح أن إلتزام هذا الخيار لفترة آنية وحسب، وبأن التعميم تم إدراجه في سياق “الخطة المستدامة” من خطة شهيب، والتي لم يصر الى البحث في صيغتها النهائية، باستثناء أنه تم رمي الطابة في ملعب البلديات من خلال اعتماد اللامركزية في إدارة ملف النفايات، فهل تستطيع البلديات إدارة نفاياتها بنفسها؟
لا تختلف البلديات على مبدأ صعوبة تطبيق خطة مستدامة للنفايات في الوقت القريب، إذ يؤكد رئيس بلدية شويفات ملحم السوقي في حديث لـ “المدن” على أولوية “تأمين أموال البلديات قبل البحث في آلية معالجة النفايات”، ولذلك فإن “البلدية لم تعمد حتى الساعة الى وضع دراسة لكيفية معالجة النفايات في نطاق بلديتها، على الرغم من العروض الكثيرة التي تلقتها مؤخراً”. من جهته يعتبر رئيس بلدية صور حسن دبوق في حديث مع “المدن” أن “المسألة تتخطى الإمكانات المادية، الى تحديد آلية المعالجة وفرض عقار لطمر النفايات”، متسائلاً: “هل ستتمكن البلديات من فرض موقع الطمر بالقوة، في حين عجزت الدولة عن ذلك؟” لاسيما أن منطقة صور هي محمية طبيعية ولا يمكن إيجاد عقار ضمن نطاقها، وعليه فإن “من غير المقبول أن ترمي هذه المسؤوليات على عاتق البلديات، فبلدية صور مستعدة للقيام بواجبها ولكن ذلك لا يلغي الدور الرئيسي للدولة بكامل إداراتها المعنية”.
من ناحية أخرى فإن ما يميز قرار الترحيل عن مضمون التعميم، هو أن “الأخير شمل نفايات مختلف بلديات لبنان، فيما اقتصر قرار الترحيل على منطقة النفايات التي تلتزمها سوكلين” وفق ما يؤكده مصدر الوزارة، وذلك في محاولة لتأكيد التكامل بين خيار الترحيل وتطبيق الإرشادات التي أشار إليها التعميم، على اعتبار أنه يفترض على البلديات المباشرة في تطبيق هذه الإرشادات بالتزامن مع ترحيل النفايات، لاسيما بالنسبة الى البلديات التي لن يشمل قرار الترحيل نفاياتها. ولذلك فإن التعميم يحمل في أبعاده البحث في شقين. الأول، هو أن البلديات لم تستلم أموالها حتى الآن، فهل ستستطيع بإمكانياتها المحدودة إدارة النفايات في نطاقها البلدي؟ أما الشق الثاني، فهو أن القرار شمل جميع البلديات في لبنان، وكأنها لا تعاني أزمة النفايات المتكدسة والمكبات العشوائية التي تعاني منها منطقة بيروت وجبل لبنان. على خلاف ما هو حاصل حقيقة، فإن منطقة النبطية مثلاً، تعاني أزمة تكدس النفايات منذ أشهر، حالها كحال البلديات الأخرى كبيروت، فكيف لهذه البلدية المباشرة في تطبيق خطة متكاملة في حين تتخبط وحدها منذ أشهر دون أن تستطيع الخروج بحلول لأزمة النفايات المتكدسة. ومن ثم لماذا لم يشمل خيار الترحيل هذه المناطق؟، ولو افترضنا أن هذه الإستنسابية قد حصلت نتيجة لوجود عدد كبير من السكان داخلها، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة وجود أزمات في منطقة أخرى.
في المحصلة، يؤكد البحث في أزمة النفايات، أن خيار الترحيل قد اعتمد في سبيل تقليل حجم النفايات المتكدسة ليس إلا، في ظل تخبط الوزارات المعنية إيجاد حلاً جذرياً لأزمة النفايات فلجأت إلى أسوأ الحلول. علماً أن هذا الخيار أيضاً قد تعترضه العديد من العقبات، فهل ستكون ورقة الحكومة الأخيرة باعتماد خيار الترحيل رابحة أم خاسرة؟.