Site icon IMLebanon

جدوى وسلبيّات القوانين الماليّة المعدّة

parliament
اثارت مشاريع القوانين المالية التي اقرها المجلس النيابي نهاية الاسبوع الماضي تساؤلات من مرجعيات سياسية واقتصادية حول جدواها وسلبياتها في آن معاً.
الاكثرية من رجالات السياسة والخبراء رأوا في مشاريع القوانين «الشر الذي لا بد منه»، وذلك لتجنب عقوبات مالية قد تلجأ الى اتخاذها الولايات المتحدة الاميركية ضد القطاع المالي والمصرفي، اذ ان الولايات المتحدة تقود ومنذ فترة غير قصيرة حرباً على ما تسميته جرائم تمويل الارهاب، لذلك فهي تتشدد بشكل واضح وكبير في هذه المسألة، من خلال ممارستها شتى الضغوط على الدول التي «تقصر» في مجال اقرار التشريعات والاجراءات الخاصة بتفعيل آليات مكافحة عمليات تبييض الاموال ومكافحة الارهاب.

التساؤلات والاسئلة التي يطرحها البعض في لبنان تتناول جملة من النقاط والزوايا المفصلية الاساسية منها:
1- هل «تؤدي» مشاريع القوانين التي اقرت مؤخراً بالسرية المصرفية في لبنان، والتي كانت وراء نمو وازدهار القطاع المالي والمصرفي طيلة هذه السنوات؟
2- هل ستساهم هذه القوانين في استقطاب الودائع ام انها ستؤدي الى هجرة قسم كبير من هذه الودائع التي بات اصحابها «مكشوفين» امام السلطات الضريبية والمالية في العالم؟

صادر
عن هذه الاسئلة والتساؤلات يقول امين عام جمعية مصارف لبنان مكرم صادر:
اثار التعديلات التي اقرت على القانون 318 ومشاريع القوانين الاخرى اربعة انواع من الاسئلة والتساؤلات المشروعة والتي يمكن تلخيصها ومناقشتها كالآتي: يكمن التساؤل الاول في ما يمكن ان ينطوي عليه التزام بعض هذه القوانين او المعايير الدولية من تعارض مع سيادة القانون اللبناني. هذا صحيح في المطلق ولكن في الواقع الدولي الراهن ينسحب ذلك على كل دول العالم التي انضمت الى اتفاقيات مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب الصادرة عن الامم المتحدة او التي تلتزم بالمعايير ذات الصلة الصادرة عن مجموعة العمل المالي (غافي) ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE ولجنة بازل وغيرها فمفهوم السيادة المطلقة بات من الماضي. وللتذكير، فقد اضطر مجلس العموم البريطاني وكذلك البرلمان الاوروبي للموافقة على قانون الامتثال الضريبي الاميركي المعروف بقانون (فاتكا). ونذكر اخيراً ان الجرائم المالية المنظمة، بما فيها الارهاب، اصبحت عابرة للحدود وغدت مكافحتها بالتالي شأنا عالميا (GLOBAL) اي بتعاون دولي وثيق ومتزايد.

ويعود التساؤل الثاني الى اثر هذه التشريعات على تدفق الاموال اللبنانية الى البلد. ونقولها بصراحة ان وجود اطار قانوني مؤات ليس فقط لا يعرقل مجيء الاموال الى لبنان بل يشجعه. وغياب مثل هذه التشريعات يزيد حراجة قبولها لدى المصارف لئلا نقول سيحول دون قبولها. ويشير التساؤل التالي الى التوسع الكبير في صلاحيات ونطاق عمل هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان. هذا التوسع وتعميق صلاحياتها يتوافقان مع المعايير الدولية، من جهة، ويجعلان الهيئة اكثر فعالية بما لا يقاس مقارنة مع الوضع الحالي. ويبقى نطاق عمل الهيئة هو الشبهات وليس القرائن، اما قرار التجميد المؤقت للاموال المشبوهة او قرار رفع السرية المصرفية عن اصحابها فيعودان الى كل من النائب العالم التمييزي والى الهيئة المصرفية العليا، وكذلك اصولا الى الجهة الداخلية او الخارجية المعنية.

ويتابع صادر: اما التساؤل الرابع والاخير، فيدور عادة حول الضغوط الاميركية لاقرار هذه التشريعات، والحقيقة ان لبنان بلد صغير وذو اقتصاد شديد الانفتاح على الخارج، وتعاملنا مع الخارج يجري بشكل اساسي بالدولار الاميركي، ومقاصة عملياتنا مع الخارج بالدولار تتم من خلال شبكة المصارف الاميركية المراسلة. وللتذكير، فان تسوية المدفوعات المرتبطة بتجارة السلع والخدمات وبالاستثمارات الاجنبية وبتحويلات اللبنانيين هي محررة بالدولار الاميركي بنسبة تقارب الـ90 في المئة. وتنعكس دولرة الاقتصاد اللبناني على بنية توظيفات والتزامات القطاع المصرفي حيث تشكل نسبة 64 في المئة من الميزانيات المجمعة للمصارف ونسبة 73 في المئة من التسليفات للقطاع الخاص المقيم ونسبة 76 في المئة من قيمة المقاصة الداخلية للشيكات التي وصلت قيمتها عام 2014 الى حوالى 75 مليار دولار.

ويختم صادر: وعليه، فان الالتزام بمعايير مكافحة تبييض الاموال وتحويل الارهاب ليس معطى مصرفيا فحسب بل اقتصاديا عاما في لبنان، وتنويع هذا الواقع المدولر باتجاه عملات اجنبية اخرى غير واقعي في الحد الادنى، لان دولا كالصين مثلا لم تقرر بعد جعل عملتها عملة عالمية ذاك ان ادارة العملات خارج النطاق الوطني عملية معقدة وذات انعكاسات على الداخل. التعامل بالدولار يفرض احترام قواعد عمل وقوانين ونظم الدولة التي تصدر الدولار وتديره. والدولار هو العملة الرسمية للولايات المتحدة والمسجلة رسميا لدى صندوق النقد الدولي كما الليرة بالنسبة الى لبنان.