IMLebanon

بلجيكا .. سوق سوداء توفر للإرهاب أدوات القتل

molenbeek-belgium
كريستيان أوليفر من بروكسل ودنكان روبنسون من لندن

عندما خرج أيوب الخازاني من الحمام في قطار تاليس السريع المتوجه من أمستردام إلى باريس في 21 آب (أغسطس)، كان يلوح ببندقية كلاشينكوف ومسدس عيار 9 مليميتر. تم تفادي حمام دم فقط بعد أن تعارك معه كثير من المسافرين، بمن فيهم جنود أمريكيون كانوا في إجازة، وطرحوه أرضا وضربوه بفوهة البندقية الهجومية التي كانت معه حتى فقد الوعي.

لم تكن هناك مفاجأة حين تبين أن خازاني كان قد استقل القطار في بروكسل. أصبحت بلجيكا نقطة الانطلاق الرئيسية في أوروبا لشن هجمات من قبل الجهاديين. ووفقا لكثير من مختصي الأمن، فإن بلجيكا هي المكان المفضل لابتياع البنادق المهربة من دول البلقان.

تجارة السلاح غير المشروعة مزدهرة في البلاد التي تعد مكانا مفضلا لابتياع البنادق والذخائر المهربة من دول البلقان.
بلجيكا .. سوق سوداء توفر للإرهاب أدوات القتل
سوق في الهواء الطلق في منطقة مولينبيك في بروكسل التي تعيش فيها مجموعة سكانية ربع أفرادها لا يحملون جوازات سفر بلجيكية و30 في المائة منهم عاطلون عن العمل. «رويترز»
سوق في الهواء الطلق في منطقة مولينبيك في بروكسل التي تعيش فيها مجموعة سكانية ربع أفرادها لا يحملون جوازات سفر بلجيكية و30 في المائة منهم عاطلون عن العمل. «رويترز»

كريستيان أوليفر من بروكسل ودنكان روبنسون من لندن

عندما خرج أيوب الخازاني من الحمام في قطار تاليس السريع المتوجه من أمستردام إلى باريس في 21 آب (أغسطس)، كان يلوح ببندقية كلاشينكوف ومسدس عيار 9 مليميتر. تم تفادي حمام دم فقط بعد أن تعارك معه كثير من المسافرين، بمن فيهم جنود أمريكيون كانوا في إجازة، وطرحوه أرضا وضربوه بفوهة البندقية الهجومية التي كانت معه حتى فقد الوعي.

لم تكن هناك مفاجأة حين تبين أن خازاني كان قد استقل القطار في بروكسل. أصبحت بلجيكا نقطة الانطلاق الرئيسية في أوروبا لشن هجمات من قبل الجهاديين. ووفقا لكثير من مختصي الأمن، فإن بلجيكا هي المكان المفضل لابتياع البنادق المهربة من دول البلقان.

إعلان

جعلت محامية خازاني أمر الحصول على رشاش كلاشينكوف أمرا سهلا في العاصمة البلجيكية. قالت “إن موكلها وجد سلاحه الكلاشينكوف بالصدفة في حقيبة بينما كان نائما في حديقة قريبة من محطة دو ميدي، المعروفة للركاب أساسا على أنها إحدى محطات يوروستار”. وقالت أيضا “إن خازاني أراد فقط ترويع المسافرين وليس قتلهم”.

في الوقت الذي يرفض فيه المختصون قصة الحقيبة، قلة منهم هي التي تشك في أن خازاني حصل على أسلحته في بروكسل.

هجمات الجمعة في باريس التي أسفرت عن مقتل 129 شخصا، حولت الأضواء مرة أخرى إلى العاصمة البلجيكية – وحي مولينبيك الفقير – مركزا للمقاتلين الجهاديين العائدين، الذين يتطلعون إلى استخدام المهارات المميتة التي تعلموها في العراق وسورية. ومن حيث نصيب الفرد، شهدت بلجيكا ذهاب كثير من مواطنيها إلى منطقة الحرب أكثر من أي دولة أوروبية أخرى.

بعد الهجمات، قدم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تقييما لاذعا بشكل غير عادي لدور بلجيكا، حين قال “تلك الأعمال الحربية تم إقرارها والتخطيط لها في سورية، وتم التنظيم في بلجيكا، وتم ارتكابها على أرضنا مع متعاونين فرنسيين”.

لدى البلدان الأوروبية الأخرى مساجد متطرفة وخلايا إرهابية نشطة وشباب عاطل عن العمل وساخط يمكن توظيفهم بسهولة ضمن الجماعات الجهادية، مثل تنظيم داعش. ويقول محللون “إن ما تضيفه بلجيكا إلى هذا المزيج هو تاريخ طويل مضطرب من قوانين السلاح المتراخية وسلالة من عمليات تصنيع السلاح، بقيادة الجبهة الوطنية “إف. إن. هيرستال” في إقليم والونيا. ويوجد في البلد أيضا عدد كبير بشكل غير عادي من الأشخاص ذوي الخبرة الفنية والتجارية في الأسلحة والبنادق”.

وبحسب نيل دوكيه، مختص الأسلحة في معهد السلام الفلمنكي، حتى عام 2006 كان بإمكان المشترين شراء الأسلحة ببساطة عن طريق عرض بطاقة الهوية الخاصة بهم. وشددت الحكومة أنظمتها فقط بعد أن أطلق الشاب حليق الرأس، هانز فان ثيمشي البالغ من العمر 18 عاما، النار بدوافع عنصرية في أنتويرب في ذلك العام، ما أسفر عن مقتل اثنين وإصابة شخص آخر.

لكن ما أن وصلت الأمور إلى هذه المرحلة حتى كانت قد تراكمت مجموعة كبيرة من البنادق والأسلحة في بلجيكا. يقول دوكيه “أصبحنا معروفين في هذا المجال. كان الناس يعرفون أن بلجيكا هي المكان الذي يمكنهم الذهاب إليه لشراء الأسلحة”.

شكل الجهاديون معظم هذا المزيج الحارق. يقول فرانسوا مولان، المدعي العام في باريس، “إن السيارات المستخدمة في هجمات الأسبوع الماضي كانت تسير تقريبا في قافلة من بلجيكا، وهي المكان الذي استؤجِرت منه. وعلى الأقل واحدة من تلك السيارات كانت تحمل أسلحة من نوع كلاشينكوف”، وهي جزء مما يصفه بأنه “ترسانة حقيقية”.

إرهاب للبيع

لم يقل المسؤولون في بلجيكا ما إذا كانت لديهم أي أدلة على أنه تم الحصول على الأسلحة في بروكسل، لكن إذا كان الأمر كذلك، فإنه يعتبر جزءا من نمط مقلق. إضافة إلى هجوم خازاني الفاشل في القطار، يوجد لمعظم الهجمات الإرهابية الأخيرة البارزة في أوروبا ارتباطات وصلات بسوق الأسلحة في بلجيكا.

في كانون الثاني (يناير)، ميتن كاراسولار، القاطن في مدينة تشارلروا الجنوبية الذي يجري التحقيق معه للاتجار بالأسلحة، سلَّم نفسه للشرطة بعد أن شاهد صورا لاثنين من المشتبه فيهما في مؤامرة كانون الثاني (يناير) في باريس التي أودت بحياة 17 شخصا، بمن فيهم 11 شخصا في مكاتب المجلة الساخرة “تشارلي إيبدو”.

نفى كاراسولار بيع الأسلحة إلى أميدي كوليبالي – المسلح الذي اقتحم سوبر ماركت يهوديا في الساعات التي تلت الاعتداء على مجلة “تشارلي إيبدو” – وأصر على أنه فقط ساعد شخصا ما على شراء سيارة كانت تعود لصديقة كوليبالي. يقول محامي كاراسولار “إن موكله جاء إلى الشرطة بمحض إرادته لتجنب أي سوء فهم بمجرد أن شاهد أنه تم التعرف على كوليبالي وصديقته عبر التلفزيون”. ويعتقد أن صديقته، حياة بومدين، كانت قد فرت إلى سورية.

إضافة إلى ذلك، أبلغ مسؤولو الأمن “فاينانشيال تايمز” أن خازاني كان ينتمي إلى الخلية نفسها التي ينتمي إليها مهدي نيموش، وهو فرنسي من أصل جزائري قتل أربعة أشخاص بكلاشينكوف في هجوم على المتحف اليهودي في بروكسل في أيار (مايو) من العام الماضي.

وأضاف المسؤولون أن “هذه الخلية كانت أيضا وراء المعركة النارية في بلدة بلجيكية في مقاطعة فيرفيرز في كانون الثاني (يناير)، حيث قُتِل اثنان من الجهاديين وجُرح آخر”. هؤلاء المقاتلون – الذين يقال إنهم شركاء للمشتبه فيه في هجمات باريس، عبدالحميد عبود – جمعوا، وفقا للنائب العام في بروكسل، مخزونا هائلا من أسلحة الكلاشينكوف، والمسدسات، ومعدات صنع القنابل، وكانوا يخططون لشن هجمات ضد الشرطة البلجيكية. وأكدت الحكومة الفرنسية الخميس مقتل عبود في غارة على بناية في سان دوني.

وبحسب كلاود مونيكيه، عميل المخابرات الفرنسي السابق والمشارك في تأسيس وكالة الاستخبارات الاستراتيجية الأوروبية ومركز الأمن، كانت هناك أدلة متزايدة على أن تجارة السلاح في بلجيكا، التي كانت تركز في الماضي على المجرمين، توسعت لتوفر الأسلحة للجهاديين.

وقال مونيكيه “إن السوق السوداء للأسلحة النارية، بما في ذلك مهربو الأسلحة في أنحاء محطة دو ميدي، شهدت ارتفاعا في الأسعار جنبا إلى جنب مع المخاطر المتزايدة للمبيعات”. قبل سنوات قليلة كان يمكن الحصول على سلاح كلاشينكوف مع 300 إلى 400 رصاصة مقابل نحو 400 يورو. الآن، يقول مونيكيه، “إن الأسعار ارتفعت لتصل إلى ما بين ألف وألفي يورو”.

وأضاف “من ناحية هناك الاتجار بالأسلحة للمجرمين، ومن ناحية أخرى هناك الأسلحة للإرهابيين. ويمكن أن يُحكَم على تجار الأسلحة بالسجن ما بين سنتين إلى ثلاث سنوات، لكن إذا بعت الأسلحة للإرهابيين فيمكنك أن تتوقع حكما بالسجن لمدة 20 عاما”.

عامل البلقان

بدأ تدفق الأسلحة غير المشروعة إلى بلجيكا بشكل جدي في التسعينيات خلال حروب دول البلقان وانهيار الاتحاد السوفياتي. ووفقا لمونيكيه، تشكلت جالية بلقانية كبيرة في تلك السنوات، عندما كانت الأسلحة تتحرك بحرية في جميع أنحاء يوغوسلافيا المنقسمة، واعتاد المسؤولون الشيوعيون السابقون على الاتجار بمخزونات الذخائر الهائلة لدولهم التي غالبا ما كانت موقوفة ومجمدة.

ويقدر مونيكيه “إن 90 في المائة من الأسلحة المتداولة في بلجيكا ربما كان أصلها من دول البلقان”. ويقول “لديك جبال من أسلحة الكلاشينكوف في البوسنة وصربيا وكرواتيا. عندما تستقبل الناس، فإنك تستقبل أمتعتهم معهم. التهريب تقليد حي بالنسبة إلى هؤلاء الناس”. واشتكت الشرطة في هولندا من أن عصابات المخدرات كانت تستخدم بشكل متزايد رشاشات الكلاشينكوف، بدلا من المسدسات بسبب سهولة الحصول عليها في بلجيكا. وفي حين يقول مختصو الأمن “إن هناك مجموعة كبيرة من الأسلحة في بلجيكا من حروب البلقان، يلاحظون أن “تجارة النمل” لا تزال مستمرة، حيث يجلب المهربون كميات قليلة من الأسلحة من جنوب شرقي أوروبا”. وقبل وقت قصير من هجمات باريس، قالت السلطات الألمانية “إنها أوقفت سيارة من الجبل الأسود تحمل ثمانية رشاشات كلاشينكوف”.

إيفان زفيرزانوفسكي، رئيس مركز تبادل المعلومات لأوروبا الشرقية وجنوب شرق أوروبا التابع للأمم المتحدة لمكافحة الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، يلاحظ أن كثيرا من الناس في المنطقة لا يزالون يحبذون الاحتفاظ بالأسلحة في المنازل. ويسخر بعض سكان الجبل الأسود من البيت الخالي من الأسلحة ويقولون “إن المنزل لا يكون بيتا دون وجود أسلحة فيه”. ويقدر أن عدد الأسلحة النارية غير المسجلة في صربيا أكثر بكثير من 200 ألف قطعة، وتقول السلطات في البلد “إن العدد قد يصل إلى 900 ألف قطعة”. الذهاب شمالا لبيع تلك الأسلحة يمكن أن يكون تجارة رابحة. يقول زفيرزانوفسكي “شهدنا بشكل متزايد اتجاها نحو الاتجار الجزئي منذ عام 2010. ربما يمكنك شراء سلاح من نوع كلاشينكوف مقابل نحو 300 يورو “في دول البلقان”. وفي بعض الأحيان يمكن لبعض المجرمين (…) أن يقودوا سياراتهم وهم يخبئون تلك الأسلحة فيها ليذهبوا إلى بلجيكا أو السويد وبيعها مقابل نحو أربعة آلاف يورو”.

بمجرد وصول تلك الأسلحة إلى بلجيكا، يقول دوكيه “إن واحدة من نقاط الضعف الرئيسية في البلاد هي بكل بساطة العامل الجغرافي، لأن الإرهابيين يمكنهم تجنب الكشف عنهم وذلك عن طريق التبديل بكل سهولة بين مناطق اختصاص الأجهزة الأمنية المختلفة.

“هذه ليست مشكلة بلجيكا. هذا نوع من المبالغة. هناك تجارة سلاح كبيرة في باريس ومرسيليا وبرلين، وفي أي مكان لديه معدلات عالية في الجريمة. لكن بلجيكا تعتبر بلد عبور. إنها صغيرة الحجم ومن الصعب على الشرطة التدخل فيها. بإمكانك القيادة فيها قادما من فرنسا – والدخول والخروج في غضون ساعة. من الصعب على الشرطة إيقاف الصفقات”.

وفيما يتعلق بمخابئ الأسلحة التي تعود إلى الجهاديين، يصعب على السلطات البلجيكية اختراق الأحياء الفقيرة المجاورة، مثل مولينبيك، حيث تقطن جالية كبيرة من القادمين من شمال إفريقيا.

ووفقال لمسؤولي الأمن، من الشائع أن تستخدم الخلايا المسلحة البيوت الآمنة، حيث تكون الأسلحة جاهزة دائما للمقاتلين الأجانب العائدين. وتكون مثل هذه التبادلات سريعة ومن الصعب اعتراضها.

تنسيق الرد

سيطرت مكانة بلجيكا باعتبارها مركزا للتهريب على العناوين الرئيسية في تموز (يوليو)، عندما فككت الشرطة عصابة لتهريب الأسلحة حول تشارليروا وصادرت عشرات الأسلحة الصغيرة. وكان المهربون يعملون على تزوير توقيع رئيس مقاطعة والونيا على وثائق الاستيراد.

وفي الشهر الذي تبع انهيار تشارليروا، أعلن كوين جينز، وزير العدل، أن بلجيكا قد تتخذ خطوات إضافية للتصدي لعصابات التهريب. وقد بذل جهودا ترمي إلى اتخاذ تدابير لإعادة تفعيل “لجنة التنسيق بين الإدارات حول عمليات نقل الأسلحة غير المشروعة”، التي كانت منسية إلى حد كبير منذ عام 2003. والمقصود من استعادتها هو تحسين تبادل المعلومات بين أقسام الإدارة البلجيكية المفككة في بعض الأحيان.

ويعتبر أمر التنسيق صعبا على السلطات في بلجيكا، المنقسمة على أسس لغوية، وبين الإدارات الإقليمية والاتحادية. وبروكسل وحدها تمتلك ست مناطق للشرطة، ما يعوق تبادل المعلومات. وتقترح سياسية أخرى من حزب جين، هي سونيا بيك، مزيدا من التنصت على الهواتف للتصدي لتجارة الأسلحة.

وواحد من أكبر الشواغل بالنسبة إلى جينز يتعلق بالأسلحة التي من المفترض أنها معطلة الموجودة في مستودعات الأسلحة الضخمة التي تعود إلى الحقبة السوفياتية.

من الناحية الفنية، الأسلحة المعطلة تهدف فقط لأن تكون مناسبة كأدوات مساعدة في الأعمال المسرحية، أو مواد لهواة الجمع. لكن بلدان الكتلة الشرقية السابقة فيها معايير متباينة على نطاق واسع متعلقة بوسائل التعطيل، وكثير من هذه الأسلحة يمكن إصلاحها لتعمل مرة أخرى. وفي كثير من البلدان جرى نهب تلك المخزونات، وكان الفشل الذريع الأكبر في ألبانيا، حيث يعتقد أن أكثر من 100 ألف قطعة سلاح تمت سرقتها.

وشدد جينز على أن بإمكان بلجيكا مكافحة مهربي الأسلحة فقط في إطار جهود أوروبية أوسع تتعلق بتبادل المعلومات الاستخبارية.

وقال “إن البلجيكيين بمفردهم لا يمكن أن يكونوا أبدا أسيادا للعبة”.